في ربيع هذا العام، استضاف الأردن محادثات إقليمية بهدف إنهاء عزلة سورية، بعد أكثر من عقد من الحرب في البلاد. وقبل الاجتماع الذي صدر عنه "بيان عمّان"، وافق رئيس النظام السوري بشار الأسد على السماح لألف لاجئ سوري يعيشون في الأردن بـ"العودة بأمان" إلى ديارهم، في اختبار تجربة لإعادة أعداد أكبر بكثير إلى الوطن. وعلى الرغم من أنّ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تحدّث فقط عن عودة طوعية، إلا أنّ الذعر انتشر في شرق العاصمة عمّان بين سوريين أسّسوا لأنفسهم حياة جديدة "في الغربة".
اللاجئة السورية سوزان دادوب واحدة من هؤلاء الذين عبّروا عن "خوف"، مؤكدة أنّها لم تشعر بمثله منذ وصولها إلى الأردن قبل 10 سنوات. ودادوب، البالغة من العمر 37 عاماً، كانت قد خسرت منزلها الذي دُمّر في غارة جوية على مدينة حمص، غربي سورية، وتقول "أفضّل الموت هنا على العودة إلى سورية".
وبعد خسارتها تلك، فرّت إلى عمّان مع أطفالها الخمسة وزوجها المحاسب المتهرّب من الخدمة العسكرية في سورية، وشقيقتها المطلوبة من قبل النظام، إذ تركت وظيفتها الحكومية من دون أيّ تبليغ رسمي. تضيف دادوب: "نخشى أن تضغط الحكومة الأردنية علينا، ولو بطريقة غير مباشرة، للمغادرة".
ولا تخفي دادوب أنّ الوضع الراهن يجعلها تشعر بـ"ضغط"، في ظلّ توتّرات تسود دول الشرق الأوسط بسبب الأعداد الهائلة من اللاجئين والسعي إلى استعادة العلاقات مع النظام السوري.
وعلى الرغم من بعض العداء العام والبؤس الاقتصادي في دول الجوار، وما يمثّله ذلك من ضغط على اللاجئين السوريين، فإنّ قلّة منهم فقط تفكّر في العودة. ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، فقد بقيت أعداد اللاجئين السوريين المسجّلين في الأردن وتركيا ولبنان على حالها تقريباً في الأعوام السبعة الماضية. وبهدف تسريع وتيرة إعادتهم، عمد لبنان وتركيا إلى ترحيل مئات السوريين منذ إبريل/ نيسان الماضي، في ما تُعدّه جماعات حقوقية انتهاكاً للقانون الدولي.
واليوم، يسير الأردن، الحليف الوثيق للولايات المتحدة الأميركية، الذي تمّت الإشادة به لاستقباله ملايين من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، على الطريق ذاته.
ويقول مؤيّدو "مبادرة الأردن"، التي كُشف عنها في مايو/ أيار الماضي لتشجيع التعاون مع النظام السوري بشأن عودة اللاجئين ووقف تهريب المخدّرات، إنّ المبادرة تعكس التحوّل المؤلم في البلاد من بين أكثر المضيفين استيعاباً في العالم إلى أحد أكبر مؤيّدي إعادة اللاجئين إلى الوطن.
ولطالما أشار الأردن إلى أنّ اللاجئين موضع ترحيب. وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش آدم كوغل إنّ "الخطاب الرسمي يتحرّك الآن نحو دعم عودتهم... إنّه أحد أسباب القلق الشديد".
ولا تخفي جماعات حقوقية أنّ عودة اللاجئين إلى سورية ما زالت غير آمنة، نظراً إلى استمرار مخاطر الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء.
وحتى أفضل العائدين حظاً يُضطرون إلى الوقوف في طوابير أمام المخابز ويواجهون انهيار العملة وانقطاع التيار الكهربائي، بعد أكثر من عشرة أعوام من الصراع الذي أودى بحياة نحو نصف مليون شخص وشرّد نصف سكان البلاد الذين كان عددهم يبلغ قبل الحرب 23 مليوناً.
من جهته، فرّ محمد، وهو نجّار يبلغ من العمر 34 عاماً، من سورية في عام 2013، وفتح متجراً لبيع الأثاث الخشبي في عمّان، في ما يشبه ورشة والده في دمشق. يقول: "أخبرتني عائلتي بأنّ الحرب لم تعد قائمة... بالتأكيد... لكنّه لم يتبقّ شيء آخر أيضاً".
أضاف الرجل، مكتفياً بالتعريف عن نفسه باسمه الأوّل فقط لدواع أمنية، أنّه يتمنّى ألا يعود أبداً، مشيراً إلى روايات تُحكى عن قيام قوات الأمن السورية باعتقال العائدين لجمع آلاف الدولارات من عائلاتهم في مقابل الإفراج عنهم.
أمّا ابنتا محمد البالغتان من العمر أربعة أعوام و10 أعوام، فهما لا تعرفان وطناً آخر غير الأردن. ويقرّ: "هنا أعرف معنى العيش بكرامة".
ومع سمعته كواحة للاستقرار النسبي في الشرق الأوسط المضطرب، يستضيف الأردن حالياً ما يُقدَّر بنحو 1.3 مليون لاجئ سوري من بين 5.2 ملايين ينتشرون في كلّ أنحاء المنطقة، بحسب إحصائيات حكومية.
وبينما لم تعمد قوات الأمن الأردنية إلى عمليات ترحيل في الأشهر الأخيرة، فإنّ حكومة عمّان طردت عشرات آلاف السوريين على مدى أعوام، معظمهم بسبب جرائم مزعومة أو لعدم تسجيل أنفسهم لدى السلطات. ونظراً إلى أنّ ارتفاع معدّلات البطالة والتضخم يؤجّج المشاعر المعادية للاجئين بين الأردنيين، صارت الحكومة تتحدّث بصراحة أكبر عن ضرورة عودتهم إلى وطنهم.
وتلفت سوزان، التي ذكرت أنّ صديقاً لها قُتل برصاص قوات النظام في مدينة درعا، جنوبي سورية، بعد ترحيله من الأردن في عام 2016، إلى أنّ "كلّ واحد منّا تقريباً يعرف شخصاً طُرد (من الأردن) لسبب ما". يُذكر أنّ صديق سوزان كان قد اتُّهم من قبل قوات الأمن الأردنية بالتواصل مع جماعات متطرّفة ومعارضة في سورية، بحسب ما بيّنت منظمات حقوقية.
في السياق نفسه، يقول سامر الكردي، من مشروع "كولاتيرال ريبير بروجكت" الذي يقدّم المساعدة للاجئين في عمّان، إنّه "مع تجاوز أجهزة الأمن في الأردن والمنطقة سلطاتها، يسود كثير من عدم الثقة الآن. وإعادة احتضان النظام السوري لا معنى لها بالنسبة إلى السوريين هنا".
ومنذ حضور الأسد القمّة السنوية الأولى لجامعة الدول العربية منذ 13 عاماً، هذا الربيع، تحدّث الصفدي عن آمال بلاده بعودة اللاجئين، واصفاً ذلك بأنّه نتيجة حتمية لعودة الأسد إلى الصف العربي. بالنسبة إلى الأردن، فإنّ وجود عدد كبير من السكان اللاجئين في البلاد لأجيال يذكّر بوجود 2.2 مليون فلسطيني أيضاً.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية حسن المومني إنّ تجربة اللاجئين الفلسطينيين الذين فرّت عائلاتهم أو طُردت في خلال نكبة 1948، تعلّم الأردن أنّه كلّما طال بقاء اللاجئين قلّ احتمال عودتهم. يضيف أنّ "هذا الخوف موجود في الذاكرة الجماعية للأردنيين".
وقد رفضت وزارتا الخارجية والإعلام في الأردن التعليق على قضية عودة اللاجئين السوريين لوكالة أسوشييتد برس، مشيرتَين فقط إلى التصريحات العلنية الأخيرة للصفدي عندما قال في مؤتمر حول سورية في بروكسل، الشهر الماضي: "نحن مطالبون بأكثر من طاقتنا بكثير (...) ندقّ ناقوس الخطر".
وفي وقت سابق من يوليو/ تموز الجاري، زار الصفدي دمشق وأجرى محادثات مع الأسد. وصرّح: "ما نحن على يقين منه هو أنّ مستقبل اللاجئين هو في بلادهم". لكنّه بحسب ما يبدو، فإنّ قلة من السوريين الذين فرّوا من الحرب إلى الأردن يوافقونه الرأي. وقد عاد عدد قليل منهم فقط من الأردن طواعية إلى ديارهم، من بينهم 4013 شخصاً في عام 2022 بالإضافة إلى 5800 في عام 2021، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.
كذلك أظهر استطلاع أعدّته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّه من بين 3000 لاجئ سوري في كلّ المنطقة، بحسب أرقام فبراير/ شباط الماضي، فإنّ 1.1% فقط من اللاجئين يعتزمون العودة إلى سورية في العام المقبل، على الرغم من أنّهم بمعظمهم يقولون إنّهم يأملون بالعودة يوماً ما.
وفي الاستطلاع نفسه، أفاد 0.8% فقط من اللاجئين في الأردن بأنّهم يعتزمون العودة في العام المقبل. وبالنسبة إلى ممثل المفوضية في الأردن دومينيك بارتش، فإنّ هذا "مؤشّر مهمّ إلى أنّ الظروف في الوقت الحالي واليوم ليست مؤاتية للعودة".
وعلى الرغم من إصرار الحكومة الأردنية على أنّ عودة اللاجئين سوف تكون كلها طوعية، فإنّ الخط الفاصل ما بين العودة الطوعية والقسرية ضبابي.
يُذكر أنّه بعد عام 2016، عندما أغلق الأردن حدوده مع سورية في أعقاب هجوم انتحاري عبر الحدود، رفضت سلطات عمّان السماح للسوريين الذين غادروا لفترة وجيزة بدخول الأردن مرّة أخرى. وفي حالات أخرى، رُحّل لاجئون بسبب انتهاكات مزعومة لقوانين العمل.
ويشير الكردي إلى أنّ "ما نراه الآن بعد 12 عاماً هو أنّ السوريين في الأردن الذين يرغبون حقاً في العودة هم بمعظمهم من كبار السنّ، هم يعودون ليموتوا في وطنهم".
(أسوشييتد برس)