"القطايع"... نظام زراعي يهدده تغير المناخ في تونس

03 سبتمبر 2024
تعاني تونس جراء الجفاف (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تهديدات تغير المناخ والزراعة الرملية**: تواجه الزراعة الرملية في تونس تهديدات كبيرة بسبب نقص الأمطار، تغير التيارات البحرية، والانتهاكات البشرية للنظام الإيكولوجي، مما يهدد باضمحلال هذه الزراعة الفريدة.

- **الاعتراف الدولي والتحديات البيئية**: أُدرجت نظم الزراعة الرملية في تونس ضمن قائمة نظم التراث الزراعي العالمية في 2020، لكنها تواجه تحديات مثل تراجع الأراضي الزراعية والبناءات الساحلية.

- **التحديات القانونية والمناخية**: حذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ 2016 من ارتفاع منسوب مياه البحر والجفاف، وتمنع القوانين التونسية استغلال الرمال الزاحفة، مما يزيد من تعقيد الوضع.

يهدّد تغير المناخ في تونس نظام الزراعة الرملية أو ما يطلق عليه السكان المحليون "الرملي"، وهو تقنية زراعية تقوم على الزراعة في جزر رملية صغيرة يطلق عليها اسم "القطايع"، بسبب نقص الأمطار وتحوّل التيارات البحرية، فضلاً عن انتهاكات بشرية للنظام الإيكولوجي للمناطق التي تختص بها هذه الزراعة.
وعام 2020، أُدرجت نظم الزراعة التقليدية الرملية في تونس والمستخدمة في بحيرات غار الملح وحدائقها المعلقة في دجبة العليا في قائمة نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، التي تديرها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو). وهذه هي المرة الثانية التي تضاف فيها مواقع تونسية إلى القائمة بعد إضافة واحة قفصة للقائمة في عام 2011.
وتُواجه الزراعة الرملية التي تختص بها مناطق ساحلية بمحافظة بنزرت، شمال شرقي البلاد، خطر الاضمحلال نتيجة طول فترات الجفاف. وتستمد الزراعة الرملية خصوصيّتها من طريقة الري وعدم استخدام الآلات الزراعية حفاظاً على المنطقة التي تشتهر بالأشجار المثمرة وزراعة الخضار. كما تتم حمايتها من زحف الرمال وهبوب الرياح بالقصب.
ويعتمد نظام الري في "القطايع" على حركة المد والجزر للبحر ومياه الأمطار، ويدفع لمد المياه العذبة المخزنة على عمق لا يتجاوز المترين إلى أعلى، فيصبح الرمل ندياً يروي النباتات. وعند حصول عملية الجزر، تهوي المائدة المائية العذبة لمستقرها في أسفل المنطقة الرملية الزراعية.
ويسجل مزارعو المنطقة تراجعاً سنوياً في مساحات هذه الأراضي ذات الخصوصيات الفريدة نتيجة المياه المالحة وتغير التيارات البحرية بعد تشييد بناءات صلبة في المنطقة على امتداد الشريط الساحلي لأغراض سياحية. وتقول الباحثة البيئية في منتدى تونس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أسماء بوحجر إن "نظام الزراعة الرملي المسجّل عالمياً بصدد فقدان خصوصياته الفريدة من نوعها جراء عوامل طبيعية وأخرى بشرية أدت إلى ضرر إيكولوجي كبير في المنطقة".

الجفاف في تونس، 20 أكتوبر 2021 (فرانس برس)
الجفاف يدمر المزروعات في تونس (فرانس برس)

وتوضح في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفلاحين في المنطقة قلقون من انهيار هذا النظام الزراعي الذي يفوق عمره مائتي عام بسبب التقدم السريع لمياه البحر على حساب المنطقة الفاصلة بين مياه المتوسط والسبخة، التي تستغل أراضيها للزراعة الرملية". تضيف: "يمتهن الفلاحون في هذه المناطق زراعة فريدة من نوعها، حيث تعودوا على التعامل مع المحيط الطبيعي الذي تقل فيه المياه العذبة بالاعتماد على ما يسمى نظام الري السلبي، الذي تتغذى فيه جذور الخضار من مياه الأمطار العذبة المخزنة في الرمال، والتي تطفو على السطح بفعل تحركات أمواج البحر". 
وتشير الباحثة إلى أن "مردود الزراعات الرملية إلى تراجع خلال السنوات الأخيرة بسبب انحسار المساحات التي تعاني من تأثير تغير المناخ وارتفاع غير مسبوق لمياه البحر التي طمرت الرمال بشكل كامل، فضلاً عن انتهاك العامل البشري للخصوصيات الإيكولوجية للمنطقة مع توسع النشاط السياحي". تضيف: "رغم المشاكل التي تواجه القطايع، فإن مختلف الجهات المتداخلة والمعنية على دراية بأن تواصل هذه التهديدات دون تدخل من قبل السلطات لحمايتها سيؤدي حتماً إلى فقدان هذا الموروث الثقافي والزراعي".

ومنذ عام 2016، حذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من وجود تحديات حقيقية تتمثل أساساً في ارتفاع منسوب مياه البحر على حساب الأراضي الزراعية في المناطق التي تعتمد الزراعة الرملية.
وتعد تونس، التي واجهت ست سنوات من الجفاف خلال الأعوام الأخيرة، خامس دولة في العالم أكثر عرضة لخطر الجفاف ونقص المياه، بحسب آخر تقرير صادر في شهر مارس/ آذار 2024 عن المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية. ويؤثّر تغير المناخ على المناطق الساحلية التي تواجه تهديداً فعلياً بخسارة متر ونصف المتر من الخط الساحلي سنوياً، ما أدى عملياً إلى اختفاء 90 كيلومتراً من الشاطئ، ويعرض للخطر 190 كيلومتراً إضافية من الخط الساحلي الرملي البالغ طوله 570 كيلومتراً والصالح للسباحة.
وفي مواجهة هذه التغيرات، يرى مزارعو المنطقة أنه يمكن التقليل من حدة هذه الظاهرة عن طريق استغلال الرمال الزاحفة باتجاه البحيرة بهدف إصلاح الأراضي ورفع مستواها عن البحر. إلا أن الإطار القانوني التونسي، وعن طريق وكالة حماية وتهيئة الشرط الساحلي، يمنع هذه العملية، ما يجعل الفلاحين عاجزين عن الحفاظ على أراضيهم من ارتدادات العوامل المناخية.
بالإضافة إلى تغير المناخ، يواجه نظام الزراعة الرملية تحديات بشرية تتعلق أساساً بالبناء العشوائي الذي يهدد السواحل في ظل تراخي الدولة عن منع هذه التجاوزات، على الرغم من أن الإطار القانوني في الفصل 25 من مجلة التهيئة الترابية يحظر البناء على بعد يقل عن 100 متر، بدءاً من حدود الملك العمومي البحري في المناطق الساحلية. كما تنص بنود القانون المتعلق بحماية الملك العمومي البحري على أن البحيرات والمستنقعات والسباخ المتصلة طبيعياً وسطحياً بالبحر تُعتبر ملكاً عمومياً.

المساهمون