تعاني مناطق شمال شرقي سورية من تدنّ في الخدمات الصحية، بعد خروج المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لحكومة النظام السوري بمعظمها عن الخدمة الفعلية واقتصار خدماتها على ما تقدّمه عيادات خارجية من استشارات صحية ومعالجة الحالات المرضية البسيطة، إلى جانب عجز المؤسسات الاستشفائية عن قبول الحالات التي تحتاج إلى عمليات جراحية أو عناية مشدّدة.
ويدفع ذلك السوريين إلى اللجوء الى عيادات ومستشفيات خاصة أو التوجّه بمرضاهم إلى العاصمة دمشق أو السفر إلى إقليم كردستان العراق، الأمر الذي يجعل المواطنين المعنيين يتكبّدون مشقات السفر وتكاليف مالية باهظة.
يقول علي سليمان وهو مدرّس متقاعد من القامشلي لـ"العربي الجديد" إنّه "في السابق، وتحديداً قبل انطلاق الثورة السورية في عام 2011، كنّا نقصد المستشفى الوطني، وفيه كان كلّ شيء (خدمات وأدوية) متوفّراً ومجّاناً. كذلك كنّا نستفيد من الضمان الصحي، خصوصاً العاملين في المؤسسات الحكومية".
ويشير سليمان إلى أنّ "المستشفيات الحكومية تفتقر اليوم إلى الخدمات في حين تراجع أداؤها بصورة كبيرة، ويتوجّب على المريض في حال دخل إلى مستشفى أن يشتري كلّ مستلزمات علاجه من الخارج، فيما تكاليف المستشفيات الخاصة مرتفعة ولا يستطيع الفقراء وذوو الدخل المحدود اللجوء إليها؛ معاينة الطبيب وحدها تكلف نحو 25 ألف ليرة سورية". يضيف سليمان أنّ "استشفاء المريض يوماً واحداً في تلك المستشفيات يتطلّب 350 ألف ليرة. أمّا القسطرة القلبية فتستلزم أكثر من مليونَين إلى ثلاثة ملايين ليرة، علماً أنّ الأوضاع المعيشية صعبة جداً ودخل الفرد لا يتعدّى 300 ألف ليرة شهرياً".
يتابع سليمان أنّ "المريض لا يستطيع شراء الأدوية التي يصفها له الطبيب بسبب ارتفاع أسعارها. كذلك فإنّ العمليات الجراحية مكلفة، لذا لا يستطيع إجراء أيّ عملية على حسابه الخاص"، مطالباً "المنظمات المدنية ومنظمة الصحة العالمية بدعم المستشفيات الحكومية بسبب الفقر المدقع الذي يعانيه السكان بمعظمهم وانتشار البطالة بينهم". ويشير إلى أنّ "لدى الإدارة الذاتية مستشفيات خاصة بها وهي تستقبل الحالات الطارئة مجاناً، لكنّنا نطالب بدعم أكبر".
من جهته، يقول جمال يوسف وهو موظف حكومي من القامشلي لـ"العربي الجديد": "أعاني منذ فترة طويلة من آلام في الظهر، وأكد لي الأطباء حاجتي إلى الخضوع لعملية جراحية، لكنّني لم أتمّكن من تأمين ثمنها. لذلك ألجأ إلى المسكنات إلى حين توفّر التكاليف التي تصل الآن إلى ملايين الليرات، سواء خضعت لها هنا أو في دمشق أو في إقليم كردستان العراق".
ويؤكد يوسف ما سبق وأشار إليه سليمان حول اعتماد السكان على المستشفى الوطني "قبل الأحداث". ويوضح أنّ "الخدمات الطبية كانت ممتازة ومجانية، لكنّها تراجعت عدداً ونوعية بصورة كبيرة. كذلك تراجع عدد الأطباء فيه".
في سياق متصل، يقول الطبيب المتخصص في الجراحة العامة فرات مقدسي، وهو كذلك مدير مستشفى خاص، لـ"العربي الجديد" إنّ "المستشفيات الحكومية تعاني إذ لا يتوفّر دعم مناسب في هذه الظروف، وفي حين أنّ أجهزة كثيرة قديمة وفيها أعطال". ويعيد مقدسي قلّة أعداد المرضى الذين يراجعون المستشفيات الحكومية إلى "نقص الدعم المقدّم لتلك المستشفيات من الجهات المعنية"، مشيراً إلى أنّ "القطاع الصحي الخاص يقدّم حلولاً بديلة لكنّه يعاني كذلك من مشكلات وهو عاجز عن تقديم الخدمات كما يجب".
ويوضح مقدسي أنّ "المستشفيات الخاصة تعاني في حين أنّها ترغب في مساعدة المواطن لجهة توفير العلاج له والاستشفاء والعمليات الجراحية"، لافتاً إلى "دعم يقدّمه أفراد ومؤسسات صغيرة". لكنّه يرى أنّ هذا "لا يكفي، وثمّة دعم مطلوب من منظمة الصحة العالمية للمستشفيات الخاصة وكذلك الحكومية وتلك التابعة للإدارة الذاتية. كلّ المستشفيات في حاجة إلى دعم ملموس لجهة التجهيزات وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية، حتى نتمكّن من تقديم علاج مناسب للمواطنين في هذه الظروف الصعبة".
ويتحدّث الطبيب عنتر سينو المتخصص في الطوارئ في مستشفى الشعب بالحسكة عن الخدمات التي تقدّمها هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، فيشرح لـ"العربي الجديد": "نستقبل المرضى من كلّ المناطق في قسم الإسعاف، ويصل عدد هؤلاء إلى ما بين 350 و400 مريض يومياً. ونقدّم في هذا القسم أدوية وخدمات علاجية مجانية للمرضى، فيما يوفّر قسم الأشعة والمختبر خدماتهما لمن يحتاجها ومن ضمن المتوفّر". ويشير إلى توفّر "قسم للعناية المشدّدة مع أجهزة تنفّس صناعية وستة أسرّة، مع طاقم طبي وأدوية".
يتابع سينو أنّ ثمّة "أقساماً أخرى للأطفال وأمراض القلب والأمراض الداخلية والأمراض الصدرية والنسائية والحروق، إلى جانب قسم الجراحة العامة. كذلك فإنّ الأقسام كلها تقدّم الأدوية مجاناً للمرضى، بالإضافة إلى التحاليل اللازمة لهؤلاء الذين يتلقون علاجات في تلك الأقسام. لكنّ المستشفى يتقاضى بدلات رمزية لقاء علاج الأطفال حديثي الولادة في الحاضنات".
ويبيّن سينو إلى أنّ العيادات الخارجية تغطّي أمراض الأطفال، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض الداخلية، والأمراض الصدرية، وأمراض المسالك البولية، وأمراض الأذن، وأمراض العين، وأمراض الجهاز العصبي، والأمراض النسائية، وأمراض الدم. ويوضح أنّ "هذه العيادات تتقاضى كذلك بدلات رمزية، لا تزيد عن 500 ليرة سورية للمعاينة الواحدة".
ولا يخفي سينو أنّهم يعانون من "مشكلات وتحديات وصعوبات عديدة، من قبيل نقص الأدوية وبعض المستلزمات، وأعطال في بعض الأجهزة. على سبيل المثال، فإنّ جهاز التصوير الطبقي المحوري لا يعمل منذ زمن طويل". لكنّه يقول إنّ "الخدمات كلها تُقدَّم لنا من قبل هيئة الصحة لشمال وشرقي سورية مجاناً، أسوة ببقية المؤسسات والمراكز الصحية المنتشرة في مناطقنا".