ما زال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أو ما يسمّى ختان الإناث يشغل منظمات دولية ومحلية، إذ إنّ هذه الممارسة التي تمثّل خطراً جسدياً ونفسياً على صحة النساء تتواصل في دول عربية وأفريقية، في حين راحت تنتشر شمالاً مع موجات الهجرة إلى أوروبا.
ويُعَدّ تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية الذي تتعرّض له الفتيات، خصوصاً المراهقات منهنّ أو حديثات الولادة، أمرا شائعا بطريقة مقلقة في مناطق مختلفة من العالم، خصوصاً في 92 دولة على الأقلّ في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
وتفيد بيانات صادرة عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بأنّ أكثر من 200 مليون فتاة وامرأة تعرّضنَ لشكل من أشكال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في العالم، بمعدّل نحو ثلاثة ملايين في كلّ عام.
ومن أجل كبح هذه الممارسة ووضع حدّ لها بحلول عام 2030، أطلق الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة منصّة مشتركة مع مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث - كوثر، في تونس، لمناهضة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، تحمّل الرجل مسؤولية كبرى في مكافحة هذه الممارسة.
وتُخصَّص هذه المنصّة للفتيان والرجال في المنطقة العربية من أجل تعزيز معارفهم حول هذه القضية ذات الأولوية، إذ تُنشَر عليها تجارب وقصص تساعد في رفع مستوى الوعي العام ومشاركة الممارسات الجيدة وقصص الحياة المرتبطة بانخراط الفتيان والرجال في جهود إنهاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وفي الوصول إلى الموارد المختلفة التي طُوّرت في هذا المجال.
ختان الإناث تهديد لصحة المرأة الجسدية والنفسية
وتقول مسؤولة المبادرة في مركز "كوثر" لبنى النجار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الرجل فاعل أساسي في نشر الوعي للحدّ من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، لأنّ الذكور يشاركون، في غالب الأحيان، في اتخاذ هذا القرار في العائلة أو في المجتمعات التي تعتمد ختان الإناث ممارسةً شائعةً".
وتوضح النجار أنّ "تحميل الرجل المسؤولية في خطة تمتدّ حتى عام 2030 أتى استناداً إلى بحوث بيّنت أنّ الرجال إمّا يعدّون تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية شأناً نسائياً، وإمّا يشاركون في صنع القرار المتعلّق بهذه الممارسة، وإمّا يموّلون طقوس القيام بها، وإمّا هم قانعون تماماً بأنّ ختان الإناث يرتبط بالدين أو يضمن جهوزية الفتاة للزواج ويحفظ عفّتها".
وكان مجلس حقوق الإنسان قد اعتمد في عام 2020 قراراً يحمل رقم 44/16 بشأن القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وذلك من أجل تكثيف جهود القضاء على هذه الممارسة عالمياً وعدم التهاون معها مطلقاً بحلول عام 2030.
كذلك، تضمّن هدف التنمية المستدامة رقم 5 في خطة الأمم المتحدة، المخصّص لتعزيز المساواة بين الجنسَين وتمكين المرأة والفتاة، بنداً يحمل رقم 3 يهدف إلى القضاء على كلّ الممارسات الضارة بحلول عام 2030، من بينها ختان الإناث.
وتشير النجار إلى أنّ "ختان النساء لا يُمارَس في تونس، غير أنّه متجذّر في مجتمعات عربية وأفريقية عديدة، الأمر الذي يفرض انخراطاً واسعاً لكلّ الدول في مكافحته حفاظاً على صحة المرأة الجسدية والنفسية". وتوضح أنّ "تجربة نشر القصص وتسجيلات الفيديو على المنصّة كشفت أنّ ثمّة رجالاً يرفضون كذلك هذه الممارسة، نظراً إلى تأثيراتها السلبية جسدياً ونفسياً على المدى القريب والمتوسط والبعيد على الفتاة، ثمّ المرأة، وعلى العلاقة الحميمية بين الأزواج، وكذلك على الولادة. وهذا يدفع نحو تعزيز هذا الرأي واستغلال السلطة الاجتماعية للرجل من أجل تعميم مكافحة عادة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية".
في سياق متصل، ترى أنّ "ثمّة دوراً مهماً لوسائل التواصل الاجتماعي في تداول الأفكار والتأثير على العادات، إذ إنّ تسجيلات الفيديو التي تُنشَر بشأن مشاركة الذكور في حملات مناهضة ختان الإناث قادرة على الوصول إلى ملايين من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، حتى في المناطق الريفية والنائية، حيث تنتشر هذه العادة بكثافة".
Today is the International Day of Zero Tolerance for Female Genital Mutilation (FGM).
— World Health Organization (WHO) (@WHO) February 5, 2024
FGM is an extreme form of discrimination against women, violates human rights, and causes serious health harms.
It must be prevented. #EndFGM!
➡️ https://t.co/3patABvHFC pic.twitter.com/uKjgkkconL
دور الرجل فاعل في القضاء على ختان الإناث
وتشدّد مسؤولة المبادرة في مركز "كوثر" على أنّه "لم يعد من الممكن تجاهل مكانة الرجل وقدرته في التأثير إيجاباً أو سلباً في انتشار ممارسة ختان الإناث أو الحدّ منها"، ولا سيّما أنّ الرجال هم "أزواج وآباء وأجداد وصنّاع قرار ومؤثّرون وصحافيون".
وترى النجار أنّ "للرجال مسؤولية مهمة في التأثير في القضاء على ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، حتى في حال تمسّكت النساء بتطبيق هذه الممارسة ذات التداعيات الجسيمة على اللواتي يتعرّضنَ لها وعلى الأزواج والعائلة، وكذلك المجتمع والدولة، إذ إنّ كلفتها مرتفعة".
وتلفت النجار في سياق متصل إلى أنّ "موجات الهجرة التي ينخرط فيها مواطنون من دول أفريقيا جنوب الصحراء نقلت ممارسات ختان الإناث إلى دول أوروبا، الأمر الذي يفسّر الحديث المستجد عن هذه الظاهرة في بلدان الشمال".
يُذكر أنّ من بين 200 مليون فتاة وامرأة تعرّضنَ لختان الإناث في العالم، ربعهنّ كنّ من خمسة بلدان رئيسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مصر والسودان واليمن والعراق وجيبوتي، وفقاً لبيانات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان. وتخضع الإناث لهذه الممارسة في مجتمعات معيّنة في بلدان أخرى من المنطقة، غير أنّ لا معلومات كافية بشأن ذلك.
ومن بين جميع الإناث اللواتي تعرّضنَ لختان الإناث، تعيش نحو 31 مليون أنثى منهنّ في مصر ونحو مليونَين في اليمن. وتبلغ نسبة الفتيات والنساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و49 عاماً، واللواتي تعرّضنَ لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في مصر نحو 87 في المائة، في حين تبلغ نسبة الفتيات دون 15 عاماً نحو 14 في المائة.
وفي السادس من فبراير/ شباط الجاري، حلّ اليوم العالمي لعدم التسامح مطلقاً إزاء تشوية الأعضاء التناسلية الأنثوية، وعنوانه إنهاء ممارسات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بحلول 2030. وتوضح الأمم المتحدة أنّ ممارسات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية تشمل "كلّ الإجراءات التي تنطوي على إجراء تغيير في الأعضاء التناسلية الأنثوية أو جرحها لأسباب غير طبية"، وتشدّد على أنّ "هذه ممارسات معترف بها دولياً بأنّها من انتهاكات حقوق الإنسان وصحة الفتيات والنساء وسلامتهنّ".