العودة إلى البدايات

09 اغسطس 2021
الحجر الذي تعرّض له الصغار كانت له نتائجه الفادحة عليهم (جون إيوينغ/ Getty)
+ الخط -

 

نبدأ من البدايات، بما هي مراحل الروضات. جميع الأنظمة التربوية القديمة تقريباً، كانت لا تعتبر صفوفها ضمن المسارات التعليمية. المبدأ الذي انطلقت منه هو أن الطفل في هذا العمر يمضي وقته بين رفاقه في اللعب والنوم والأكل من باب التمهيد للدخول في مناخ المدرسة مع بعض الأنشطة كالتلوين والرسم والتعرف على الأحرف والأعداد وبعض الكلمات وما شابه. المدرسة الحديثة وضعت هذه المرحلة في صميم النسق التعليمي، بعدما أظهرت الدراسات والأبحاث أن الأطفال الذين شاركوا في صفوف هذه المرحلة، حصلوا في المراحل اللاحقة على نتائج أفضل من رفاقهم الذين لم تُتَح لهم فرصة الالتحاق بهذه الدور. كل هذا يدخل في المبدأ العام. وبالعلاقة مع انتشار وباء كورونا فقد توقفت دور الحضانة عن استقبال التلاميذ، خوفاً من العدوى التي قد تصيبهم والتي يمكن لها أن تنتقل منهم إلى ذويهم. 

هذا من حيث القرارات التي التزمت بها الحضانات. لكن هذا الحجر الذي تعرض له الصغار كانت له نتائجه الفادحة عليهم. فأهمية هذه المرحلة التي قصمتها عملية الحجر والإغلاق أصابت المهارات التي يمكن للطفل تحصيلها من خلال رفاقه والمشرفات على تعليمه. يضاف إلى ذلك مضاعفات ومؤثرات نفسية مؤكدة، لجهة فقدانه المحيط الذي كان يتحرك فيه. فالمدرسة وكذلك الحضانة أصلاً قامت كمشروع وغاية، ليس فقط على فكرة التعليم، بل على ضرورة نقل هذا الكائن الذي هو في مرحلة التكون من المجال العائلي والأسري الضيق (أب وأم وجد وجدة وأخوة وأقارب) إلى بيئة يستطيع خلالها أن يتعود الانسجام مع أنظمة لها رموزها، وينسج علاقات تعارف مع  مجايلين وأشخاص خارج محيط دائرة العلاقات العائلية المعروفة، ويبني معها صداقات وتواصل، ما يمهد في خطوات لاحقة للتعرف على المجتمع الأوسع.  

وبالعودة إلى تأثيرات كورونا والحجر المنزلي، تبين من دراسة أجريت في بريطانيا على 50 ألف تلميذ في عدد من المدارس في جميع أنحاء البلاد، زيادة في عدد الأطفال في سن الرابعة والخامسة الذين يحتاجون إلى مساعدة في اللغة. وأكدت الدلائل أن ضعف تطور الكلام لديهم، يمكن أن يكون له آثار طويلة المدى في عملية التعلم. بالطبع ما ينسحب على هؤلاء يسري على من هم أصغر أو أكبر. 

والدراسة المذكورة أجرتها مؤسسة الوقف التعليمي على 58 مدرسة، وبينت من خلالها أن التدابير المتخذة لمكافحة الوباء حرمت الأطفال الصغار من التواصل الاجتماعي، ومن التجارب الضرورية لزيادة وتغذية مفرداتهم اللغوية. وأن 76 في المائة قالوا إن التلاميذ الذين بدأوا الدراسة في سبتمبر/ أيلول 2020 يحتاجون إلى مزيد من الدعم للتواصل، مقارنة بالسنوات السابقة. وأبدى 96 في المائة قلقهم بشأن تطور الكلام واللغة لدى هؤلاء. وأعرب 56 في المائة من أولياء الأمور عن قلقهم بشأن بدء أبنائهم المدرسة بعد الإغلاق في فصلي الربيع والصيف.

موقف
التحديثات الحية

وأظهرت جميع الأبحاث أنه إذا كان الطفل يعاني من مشاكل في اللغة في ذلك العمر المبكر، فإنه بحلول سن الرشد، سيكون احتمال صراعه مع القراءة أكبر أربعة أضعاف، وسيكون عرضة أكثر ثلاث مرات للإصابة بمشكلات نفسية، ومضاعفة احتمال أن يكون عاطلاً عن العمل، ويعاني مشكلات اجتماعية. وقالت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة التعليم الأوروبية، البروفيسورة بيكي فرانسيس، إن هناك "قلقاً كبيراً عبرت عنه المدارس بشأن مهارات الكلام واللغة لدى الأطفال الصغار في أعقاب تأثير الوباء".

(باحث وأكاديمي)

المساهمون