تُواجه العمليّة التعليميّة في الريف الشمالي لمحافظة إدلب (شمال سورية) العديد من الضغوط والصعوبات التي أدت إلى مشاكل كبيرة خلال السنوات الماضية، وفي مقدمتها تراجع الدعم الممنوح للمدارس من قبل المنظمات والجهات، سواء الدولية أو المحلية، على الرغم من أهمية توفير الدعم.
وتوقّف دعم الجهات المانحة عن بعض المدارس في مخيم أطمة في الريف الشمالي لمحافظة إدلب، الذي يُعَدّ أحد أكبر المخيمات في المنطقة وأكثرها كثافة. يقول الإعلامي محمود عبد الرزاق، المقيم في ريف إدلب، والذي يشارك في حملات دعم التعليم، لـ"العربي الجديد": إن "غياب التمويل عن المدارس يؤثر سلباً بالمدرّس والتلميذ، ويزيد من معدلات البطالة. ولا يمكن المدرّس أن يقدم أفضل ما لديه وهو يفكر في تأمين الخبز لأولاده في ظل تراجع قدرته المادية". يضيف أن "بعض المدرسين، بعد الانتهاء من الدوام المدرسي، يبيعون المازوت أو الخُضَر، ما يقلّل أيضاً من جودة العملية التعليمية".
وفي ما يتعلق بآليات دعم التعليم، بعيداً عن تحكم المنظمات والجهات الداعمة، يوضح عبد الرزاق أنّ من الممكن تشكيل صندوق تكافل اجتماعي في كل بلدة أو مدينة في المناطق المحررة، لدعم العملية التعليمية، بعيداً عن المنظمات التي تسعى فقط إلى التقاط الصور من دون الحرص على جودة التعليم. يضيف: "شهدنا فصل مدرسين بعد تعب استمرّ ثلاث سنوات في المدارس من قبل الجهات الممولة، لكونهم غير محسوبين على أي جهة. هكذا يضيع حق هؤلاء المدرسين، حتى إن كانوا مسجلين لدى مديرية التربية".
ويتطرق عبد الرزاق إلى أهمية حصول المدرس على حقوقه وتشكيل نقابات تضمن هذه الحقوق. فعلى الرغم من الحرب، ما زال المدرس يبذل جهوداً كبيرة لضمان استمرار العملية التعليمية. لكن للأسف، إنّ نقابات المعلّمين في المناطق المحررة ليس لها أي دور، وتحسين الوضع التعليمي يعتمد على نقابة المعلمين التي تتحمل كامل المسؤولية للدفاع عن حقوق المدرسين أمام مديريات التربية والمنظمات. من هنا، إن تشكيل النقابات، برأي عبد الرزاق، أمر مهم لضمان حقوق المدرسين أمام مديريات التربية والمنظمات، علماً بأن نسباً كبيرة من المدارس في المناطق المحررة بلا دعم، ومن الضروري تشكيل نقابة وصندوق تكافل يعوض عن دعم المنظمات.
ويلفت عبد الرزاق إلى وجود حملات لدعم العملية التعليمية في المناطق المحررة أطلقتها بعض منظمات المجتمع المدني، منها حملة منارات، التي أطلقت لتحسين أوضاع المعلمين والتلاميذ والمجتمع، إلا أن الاستجابة كانت ضعيفة. وهناك حملات أطلقها منتدى الإعلاميين السوريين لدعم العملية التعليمية لجلب الدعم لاقت استجابة مقبولة.
من جهته، يقول التربوي والمدرس أديب عرعور، إن الدعم لم يتوقف نهائياً عن المدارس كافة، لافتاً إلى توقيفه عن ثانوية أطمة للذكور منذ نحو ستة أشهر. كذلك انتهى عقد داعمي مدرسة أطمة الريفية منتصف الشهر الماضي.
وأشار بيان صادر عن الكادر التدريسي في ثانوية أطمة للذكور، في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى أن جميع أفراده يعملون تطوعاً منذ بداية العام الدراسي الحالي من دون الحصول على أي دعم، وواصلوا العمل إيماناً منهم بمسؤوليتهم التربوية والتعليمية حتى نهاية الفصل الدراسي الأول. وخلال الفترة الماضية، تابعوا التعليم عن بعد.
ويشير البيان إلى توقف الدوام في المدرسة خلال الفصل الدراسي الثاني، بانتظار تأمين الدعم، سواء من خلال المنظمات أو أو غيرها. وبحسب البيان: "لدينا عائلات وأبناء، ومعظمهم تلاميذ في المدارس. نحتاج لما نستطيع من خلاله تأمين احتياجاتنا، ليس حباً بالمال، بل بسبب الحاجة إليه في ظل الغلاء الفاحش".
حسين أبو فؤاد، مدرس مقيم في ريف إدلب الشمالي، يقول لـ"العربي الجديد" إن مشكلة المدرسين الأساسية هي عدم قدرتهم على ممارسة أي مهنة أخرى خارج مجال تخصصهم. هم أمام خيار صعب بين مواصلة العمل في المهنة، الأمر الذي ينعكس سلباً على عائلاتهم، وعليهم وعلى طلابهم في حال عدم توافر الدعم، وبين ترك المهنة والتوجه إلى غيرها، وهو مشكلة أيضاً بالنسبة إليهم".
ويوضح أن بعض المنظمات المحلية تعمل على توفير دعم محدود للمدرسين، سعياً لتوفير الحد الأدنى من متطلباتهم، ومنع تسرب الأطفال من المدارس، بالإضافة إلى دعم النوادي التعليمية الصيفية، لتعويض التلاميذ ما فاتهم بسبب النزوح والتهجير.
وتقول وفاء الشيخ: "يحزنني أن المنظمات تهتم بكل شيء عدا التعليم، وإذا دعمت مدرسة ما، تكون رواتب مدرسيها قليلة جداً، وأقل من أجر أي موظف في أي منظمة، إذ هناك من يتقاضى ضعفي أو ثلاثة أضعاف راتب المدرس، حتى لو لم يكن لديهم شهادة جامعية مقارنةً بالمدرس. مهنة التعليم من أصعب المهن. لذلك، يجب أن يكون أجره متناسباً مع عمله.
وتقول مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إنّ توقف الدعم عن المدارس من قبل الجهات المانحة يكون في الشهر الأول من كل عام جديد، ويستمر حتى الشهر الرابع، وهذه سياسة متبعة من قبل الجهات المانحة. كذلك، لا تقتصر معاناة المدرسين على هذه الأشهر فقط، فهناك مدارس لم يتلقّ المعلمون فيها أي دعم مالي منذ نحو عام، الأمر الذي أثرّ سلباً بالتعليم، وسبّب أضراراً في سير العملية التعليمية.
ويواجه نحو نصف مليون طالب في منطقة شمال غرب سورية صعوبات في مواصلة تعليمهم، خصوصاً الطلاب في المخيمات الذين يتجاوز عددهم 60 ألفاً، بحسب إحصائيات صدرت عن فريق "منسقو استجابة سورية" في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي. ويبين الفريق أن الحصول على الكتب المدرسية أصبح حلماً بعيد المنال بالنسبة إلى الكثير من التلاميذ في المراحل المختلفة. بالإضافة إلى ما سبق، يتسرب كثيرون من المدارس نتيجة الزواج المبكر وعمالة الأطفال، بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة في المنطقة. ويؤكد الفريق ضرورة توجه المجتمع الدولي والأمم المتحدة للمساهمة بدور حقيقي في إعادة بناء قطاع التعليم والمساهمة في بناء المجتمعات المحلية لتحقيق أهدافها.