للشهر الثاني على التوالي تستمر هجرة الشباب الجماعية، في بعض المدن التي استعادتها القوات العراقية أخيرا من قبضة تنظيم "داعش"، بفعل انعدام فرص العمل وانتشار الفقر غير المسبوق، إلى جانب المخاوف الأمنية التي تدفع هؤلاء إلى مغادرة مدنهم وحتى بلادهم.
كما ساهم في هجرة الشباب عجز الحكومة عن تحريك عجلة إعادة الإعمار بسبب أزمتها الاقتصادية التي ترافقت مع انهيار أسعار النفط عالميا والفساد المالي الذي خلفته حكومة نوري المالكي لحكومة سلفه حيدر العبادي الحالية.
وكشف رئيس مجلس محافظة ديالى (الحكومة المحلية) علي الدايني، في مؤتمر صحافي أمس الاثنين، عن هجرة غير مسبوقة للشباب العراقي من المناطق المحررة في المحافظة، بحثاً عن لقمة العيش.
وأوضح الدايني أن "معدلات البطالة في المناطق المحررة في المدينة تجاوزت 70 في المائة، فضلاً عن تأخر إطلاق مشاريع التعمير والبناء وتوقف نحو 90 في المائة من قطاعات العمل".
ولفت إلى أن "معدلات الفقر في تنامٍ متزايد والفقر المدقع ينتشر بحدة في تلك المناطق، لذلك يهجر الشباب مناطقهم نحو المدن الأخرى بحثاً عن سبل العيش"، داعيا الحكومة العراقية إلى معالجة هذه الظاهرة ومسبباتها.
وتعتبر محافظة ديالى الحدودية مع إيران إحدى أكثر المدن العراقية تضرراً بسبب هجمات "داعش" والمليشيات المسلحة المدعومة إيرانيا، وينطبق الحال على مدن الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل وغرب واسط، حيث بدأ مئات الشباب يهجرون مناطقهم المحررة إما نحو إقليم كردستان أو إلى خارج البلاد كالأردن وتركيا ولبنان أو اليونان ودول أوروبية مختلفة بحثا عن مستقبل أفضل، أو مدخول مادي يعيلهم هم وذويهم.
وبحسب منظمة محلية في مدينة الفلوجة، بلغ عدد الشبان الذين هاجروا من المدينة أكثر من ألف خلال شهرين غالبيتهم العظمى من حملة الشهادات.
وقال رئيس منظمة "حياة"، جمال المشهداني، لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية المهاجرين وصلوا إلى نفق مسدود، فبعد غربة نزوح دامت ثلاث سنوات، وجدوا أنفسهم مضطرين للهجرة من جديد".
وأضاف: "الفقر والبطالة وسوء الأوضاع في المدن المحررة، وتخلي الحكومة عن التزاماتها الأخلاقية قبل الدستورية تجاه سكان تلك المدن هي أسباب هجرتهم".
ويكشف خبراء ومحللون عن أسباب أخرى لظاهرة هجرة الشباب، وهي خشية الاعتقال أو الاختطاف والتصفية على يد مليشيات الحشد الشعبي التي تسيطر على كافة المدن والمناطق المحررة.
وقال الخبير الأمني عبد الودود الصميدعي، إن" أسباب ظاهرة هجرة الشباب من المدن والمناطق المحررة المتصاعدة أمنية أيضا، فالعائلات العائدة من النزوح أصبحت تخشى على أبنائها الشباب، لذلك يرسلونهم خارج تلك المدن أو خارج البلاد".
وأوضح الصميدعي لـ"العربي الجديد" إن "ميليشيات الحشد الشعبي تشن بين آونة وأخرى حملة اعتقالات وخطف واسعتين في المناطق المحررة تستهدف عشرات الشباب، وتأخذهم إلى جهة مجهولة، وقد ينتهي مصيرهم بالتصفية كما حصل للمئات في الفلوجة وجرف الصخر وغيرهما".
وكشفت مصادر أمنية من المناطق المحررة أن من أسباب هجرة الشباب الأخرى الإخباريات الكيدية التي تستهدفهم بسبب عداوات أو خلافات شخصية قديمة أو خلاف فكري أو عشائري، وينتهي بهم الأمر في المعتقلات المجهولة.
وقال ماضي الجبوري (57 عاماً) "أصبحنا نخشى على أبنائنا الشباب من كل شيء، ففوق البطالة والفقر والملل لا يوجد أمان، لا نعرف متى تعتقلهم المليشيات وتأخذهم إلى المجهول كما حصل لعشرات من أقرانهم، والأفضل أن أرسل أولادي الشباب إلى خارج منطقتي أو إلى خارج البلاد إذا اقتضى الأمر".
وتابع الجبوري "المليشيات تستهدف الشباب وتختطفهم وتعتقلهم بين آونة وأخرى، وأجهزة الأمن الحكومية تعتقل الشباب بالإخباريات الكيدية، وأصبحت الحياة هنا لا تطاق".
وعادت الأسر النازحة إلى بعض المدن والمناطق المحررة لتجد أن 90 في المائة من البنية التحتية مدمرة، فلا محال تجارية ولا ورش صناعية ولا مصانع أو منشآت، ما يعني توقف الأعمال شبه التام. كما اصطدمت بخطورة الوضع الأمني على حياة أبنائها الذين اختاروا الهجرة للعمل والحفاظ على حياتهم معا.