العراق: تحذيرات من انقراض أسماك محلية بسبب الجفاف

03 مارس 2024
تشهد أسواق الأسماك إقبالاً كبيراً في العراق (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

يفضل العراقيون أصنافاً من الأسماك، وهي غالباً من الأسماك النهرية التي اشتهرت في بلاد الرافدين منذ قرون، وتوارثها السكان، لكن كمياتها آخذة في التراجع بسبب الانحسار الكبير لمياه الأنهار وجفاف الأهوار والبحيرات التي تعتبر البيئة الطبيعية لها، ما يثير مخاوف السكان من انقراض أنواع من الأسماك المحلية.
وكان العراق يمتاز بوفرة مياهه العذبة المتمثلة في مجموعة من الأنهار، أبرزها دجلة والفرات، والبحيرات والأهوار، وكلها مسطحات مائية تمثل بيئة غنية بالأسماك. لكن جميع هذه المصادر المائية تعاني منذ نحو عقدين من تراجع منسوب المياه من جراء الجفاف، والنقص الكبير في هطول الأمطار، فضلاً عن تقليص دول المنبع، تركيا وإيران، المياه عبر بناء السدود، ما جعل الحكومة العراقية تقر إجراءات للحفاظ على المياه، من بينها تقليص عدد مزارع الأسماك التي تتطلب وفرة مائية.
وتعد أصناف مثل البني والكطّان والبز والشبوط والجري والزوري والصّبور والزبيدي من بين أكثر الأسماك المفضلة لدى العراقيين، ولها طرق عديدة في التحضير بحسب نوع كل صنف، وتشكل بعضها هوية المطبخ العراقي.
يقول تاجر الأسماك المستوردة، طه الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن أنواعاً عديدة من الأسماك المستوردة تنتشر في الأسواق العراقية، لكن الإقبال على الأسماك المحلية يظل غالباً، والأمر نفسه ينطبق على أسواق اللحوم، إذ تبقى المحلية صاحبة النصيب الأكبر في مشتريات العراقيين الذين اعتادوا على تناول اللحوم والأسماك الطازجة، حتى أن البعض يفضلون شراء الأسماك حية.
يؤيد ما ذهب إليه الشريفي، البائع في سوق السمك بمنطقة الكرخ في بغداد، محمد عباس (29 سنة)، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "بيع السمك المحلي الحي مهنة تمارسها عائلتي منذ أكثر من قرن، وبدأ جد والدي ممارسة هذه المهنة في مطلع عشرينيات القرن الماضي، ويعمل بها بعض أبنائه وأحفاده، وتوارث هذه المهنة دليل على أهمية السمك المحلي".

تشكل الأسماك جزءا من هوية المطبخ العراقي ولها طرق تحضير عدة

لا يختص عباس ببيع نوع محدد من الأسماك، وإنما مثل كثيرين غيره من باعة السمك، يبيع أنواعاً محلية مختلفة، ويوضح أن "الأسماك تصل إلينا من الصيادين، ومن المربين الذين يملكون أحواضاً خاصة. لكن للجفاف تأثير على كميات الأسماك ونوعياتها، وقد أصبحت أعتمد بشكل أكبر على الأسماك التي تردني من مزارع محافظات شمالي البلاد، حيث تسمح وفرة المياه بإنشاء العديد من المزارع".
ويعد سمك "الجري" أحد أكثر الأنواع شهرة في العراق، وكانت تصل كميات كبيرة منه إلى أنحاء البلاد من المحافظات الجنوبية، لكنها أخذت تتناقص مثل بقية الأصناف. ولهذا النوع من السمك طقوس خاصة عند تناوله، إذ اعتاد العراقيون أن يقدموا معه الأرز الأحمر، وأنواعا مختلفة من المقبلات، وله مذاق مميز، وهو خال من الأشواك الفقرية، ما يجعل تناوله سهلاً.
تعد الشيف المتخصصة في الأكلات الشرقية والأسماك على الطريقة العراقية، رحمة السعدي، الطعام داخل بيتها، وتزود به زبائنها عبر خدمات توصيل الطلبات. تقول لـ"العربي الجديد"، إن "إعداد سمك الجري يتطلب مطبخاً مجهزاً لقليه بالشكل الصحيح لما ينتج عنه من روائح وأبخرة. رمزية سمك الجري ترجع إلى كونه مفضل عن غيره من الأسماك في بعض المناطق، ولدى بعض فئات المجتمع، كما أنه من الأنواع التي تعتبر ذات فوائد صحية عالية. في السابق، كانت كميات سمك الجري كبيرة بسبب وفرة المياه، لكن الكميات تراجعت كثيراً في الوقت الحالي، ولكونه من بين الأنواع رخيصة السعر، لا تفضل مزارع الأسماك إنتاجه، وهذا يفاقم نقص الكميات بشكل كبير".

"المسكوف" أحد أشهر وجبات الأسماك العراقية (مرتضى السوداني/الأناضول)
"المسكوف" من أشهر وجبات الأسماك العراقية (مرتضى السوداني/الأناضول)

وتتعدد طرق إعداد السمك المحلي في العراق، وتتنوع بين الطبخ، والقلي، والشواء، ولكل منها طرق عديدة أيضاً، والكثير منها يسهل إعداده في المنزل، لكن الطريقة التي يصعب إعدادها في المنازل هي "المسكوف"، وهي طريقة محببة للكثير من العراقيين، وتتخصص فيها مطاعم تنتشر في مختلف مدن البلاد، وتحتاج إلى مكان واسع للشواء باستخدام نوع معين من الحطب.
يؤكد أحد مديري هذه المطاعم، عمر عبد الكريم، لـ"العربي الجديد"، ارتفاع أسعار الأسماك الواردة من التجار وأصحاب المزارع الخاصة بالتزامن مع انخفاض كميات الأسماك المتوفرة نتيجة الجفاف الذي يعاني منه العراق. يضيف: "من بين أنواع الأسماك التي نفضل شيّها بطريقة المسكوف الشبوط، والبني، والكارب، والكطان، والتي يجب أن تكون حية قبل الشوي، وتخصص لها أحواض داخل المطاعم ليختار الأشخاص السمك الذي يرغبون فيه وهو حي قبل أن يُجهز للشواء".
والسمك متواجد بكثرة على المائدة العراقية، وكثير من العوائل لا يمكن أن يمر عليها الأسبوع من دون أن يكون أحد أصناف السمك المحلي ضمن وجبة الغداء الرئيسية. تقول حوراء ناصر، وهي ربة منزل وأم لطفلين، لـ"العربي الجديد"، إن "حديث الشارع يزداد حول تأثير الجفاف على الأسماك المحلية، ونخشى أن تنقرض هذه الأسماك التي تمثل جزءاً من تراثنا وبيئتنا المحلية".

يمتلك المهندس الزراعي صالح الجوراني مزرعة لتربية الأسماك، ويعتقد أنه رغم أن الجفاف يتسبب بانخفاض كميات الأسماك المحلية، فلن يصل الخطر إلى انقراض الأنواع المعروفة. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك وسائل حديثة يمكن اعتمادها من قبل أصحاب مشاريع تربية الأسماك، ومن جانب آخر، فلدى العراق مخزون مائي جوفي كبير حسب ما تؤكد البحوث والدراسات، ومن يباشر بإنشاء مشاريع لتربية الأسماك يجب أن يراعي وفرة المياه الجوفية في المنطقة التي يقام فيها المشروع، وهذا هو المعمول به في العديد من المحافظات".
يتابع: "توجد أحواض لتربية الأسماك داخل الأنهار وخزانات السدود، وهذا يوفر كثيراً في المياه، علاوة على أن لدينا ارتفاعا في مناسيب المياه خلال فصلي الشتاء والربيع، سواء المياه الواردة من دول المنبع، أو مياه الأمطار التي تشهدها مختلف مناطق البلاد، ما يتيح وجود كميات كافية من الأسماك المحلية في الأسواق".

المساهمون