يتمسّك أهالي مدينة العامرة، في ولاية صفاقس، بضرورة إيجاد حلول جذرية لملفّ المهاجرين غير النظاميين بعيداً عن منطقتهم، بعد أن تحوّلت حقولها الزراعية، الواقعة على بعد 30 كيلومتراً من مدينة صفاقس، إلى مستقرّ جديد لآلاف الوافدين إليها، من مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، هرباً من الملاحقات الأمنية.
وكان من المتوقّع أن يُنظَّم إضراب عام في العامرة، وسط شرقي تونس، اليوم الاثنين، لكنّه أُجّل. وقد شدّد ممثّلو المجتمع المدني المعنيون بأنّ التأجيل يأتي من دون التخلّي عن هذا "الشكل النضالي الذي يبقى رهين التزام السلطات بتنفيذ تعهّداتها"، وفقاً لبيان أصدروه في هذا الشأن. ودعوا إلى مواصلة الاحتجاج السلمي عبر الوقفات الاحتجاجية السلمية، فيما طالبوا السكان بتجنّب المواجهة والعنف وبثّ الكراهية ضدّ المهاجرين.
يقول الناشط في المجتمع المدني بمدينة العامرة فؤاد لحول لـ"العربي الجديد" إنّ "حقول الزيتون الممتدّة في منطقتَي العامرة وجبنيانة تحوّلت إلى منصّات لاستقبال المهاجرين الذين نُقلوا إلى المنطقة بعد إخلاء الساحات العامة في مدينة صفاقس". ويؤكد لحول بالتالي أنّ "العامرة، هذه المدينة الزراعية، باتت تفيض بالمهاجرين، إذ تستقبل ما يزيد عن 10 آلاف مهاجر من دول جنوب الصحراء الفارين من الملاحقات الأمنية في غياب الإمكانيات اللوجسيتة والتموينية الكافية لإعالتهم".
يضيف أنّ "الحراك المدني في مدينة العامرة سوف يواصل مطالبته بإيجاد حلول جذرية لملفّ المهاجرين، حتى لا تُصدَّر المشكلة من مكان إلى آخر". ويتابع أنّ "تمركز المهاجرين في المدينة فاقم نقص المواد الغذائية الأساسية، وزاد الممارسات الاحتكارية والمضاربة من قبل التجّار".
ويشير الناشط التونسي إلى أنّ "المهاجرين تحوّلوا إلى فريسة سهلة لشبكات الاتجار بالبشر التي تستغل هشاشة وضعهم لابتزازهم أو حتى سرقة أموالهم في رحلات الهجرة غير النظامية نحو السواحل الأوروبية".
ويرى لحول أنّ "تأجيل الإضراب العام المقرّر في المدينة يفسح المجال أمام السلطات لتنفيذ تعهداتها بشأن إيجاد حلول تمنع توسّع انتشار المهاجرين في المنطقة، وإيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة، تولي الجانب الإنساني ما يستحقّه من اهتمام". ويوضح أنّ "قرار تأجيل الاضراب الذي اتُّخذ، أوّل من أمس السبت، جاء بناءً على تعهدات رسمية، من بينها تأمين زيارات ميدانية لمنظمة أطباء بلا حدود وجمعية الهلال الأحمر التونسي في الجهة، وحثّ المنظمات الدولية على توفير الموارد المادية الضرورية لإعاشة المهاجرين، لا سيّما مع رصد أمراض معدية في صفوفهم".
والأسبوع الماضي، أخلت قوات الأمن ساحات عامة عدّة في محافظة صفاقس، كان يتمركز فيها مهاجرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء، قبل أن تنقلهم إلى معتمدية العامرة التي تُعَدّ نقطة انطلاق لعمليات الهجرة غير النظامية، الأمر الذي أثار موجة غضب في صفوف الأهالي الذين خرجوا في تحرّكات احتجاجية.
وفي وقت سابق، قدّر وزير الداخلية التونسي كمال الفقي عدد المهاجرين غير النظاميين في صفاقس بنحو 17 ألف مهاجر أفريقي، من إجمالي 80 ألف مهاجر في كامل البلاد. وتُعَدّ صفاقس نقطة الانطلاق الأولى للمهاجرين سواء من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء أو من التونسيين، في عمليات هجرة غير نظامية في اتجاه السواحل الأوروبية، لا سيّما إيطاليا. ويفد المهاجرون إلى صفاقس، في الغالب، عبر منافذ برية حدودية أو عبر مسالك جبلية قادمين من الجزائر أو ليبيا.
وأمس الأحد، لقي تسعة مهاجرين حتفهم في حادث سير بمحافظة القيروان، في حين كانوا على متن شاحنة تنقلهم إلى مدينة ساحلية، يُرجَّح أن تكون صفاقس، استعداداً للهجرة نحو إيطاليا.