استمع إلى الملخص
- الطلاب الفلسطينيون، مثل سمر الغول، يعيشون في هافانا ويعانون من قلق دائم على عائلاتهم المتضررة من النزاع في غزة، معبرين عن رغبتهم في العودة رغم الظروف الصعبة.
- يواجه الطلاب تحديات اقتصادية بسبب توقف الإمدادات المالية من غزة، لكنهم يجدون دعمًا معنويًا في الحركة الاحتجاجية العالمية للقضية الفلسطينية، مما يعزز إصرارهم على مواصلة دراستهم.
على بعد عشرة آلاف كيلومتر من قطاع غزة المحاصر والمستهدف بحرب إسرائيلية مدمّرة، يتابع الطلاب الفلسطينيون في كوبا دراسة الطبّ فيما تعاني عائلاتهم في القطاع المنكوب. من بين هؤلاء الشابة الفلسطينية سمر الغول في سنتها الجامعية الثانية، في حين أنّ عائلتها تختبر أزمة إنسانية كبرى في غزة. وتعيش سمر، البالغة من العمر 21 عاماً، مع ستّة طلاب آخرين في سكن جامعي في هافانا. وتقرّ بأنّها تشعر، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، برغبة كبيرة في العودة إلى كنف عائلتها.
وهي تتحدّث عن والدتها وشقيقتها وشقيقَيها الذين ما زالوا في قطاع غزة، تقول الطالبة الفلسطينية إنّ "من الأسهل بالنسبة إليّ أن أكون معهم بدلاً من أن تراودني كلّ تلك الأفكار" وكذلك الأسئلة "ماذا يشربون ويأكلون؟ وأين ينامون؟". يُذكر أنّ الاحتلال الإسرائيلي يمضي في انتهاكاته التي تختلف طبيعتها والتي تصبّ كلها في إطار حرب الإبادة الجماعية. وتتذكّر سمر ما قالته لها والدتها في أحد الاتصالات القليلة بينهما: "نفتخر بك، نفتخر بأن يكون لنا شخص في خارج غزة يدرس الطب".
والشابة الفلسطينية واحدة من بين 247 طالباً فلسطينياً، من بينهم 75 من قطاع غزة، يتابعون دراسة الطب في كوبا من خلال منح حكومية، بحسب ما تفيد الأرقام التي قدّمها السفير الفلسطيني لدى هافانا أكرم سمحان لوكالة فرانس برس. وتخصّص الجزيرة منحاً دراسية كثيرة للطلاب الأجانب، وفي هذا الإطار تابع نحو 1500 فلسطيني تعليمهم على حساب الدولة الكوبية، من بينهم عدد كبير من الأطباء منذ عام 1974، وفقاً للسفير سمحان.
وتخبر سمر وكالة فرانس برس أنّ عائلتها في شمال قطاع غزة اضطرّت إلى النزوح مرّات عدّة هرباً من القصف، وهي حالياً في مدينة دير البلح في وسط القطاع. يُذكر أنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي تمضي في تهجير الفلسطينيين في كلّ أنحاء القطاع منذ الأيام الأولى من حربها على غزة المتواصلة منذ أكثر من ثمانية أشهر.
وتشير الطالبة الفلسطينية، وهي تتكلّم بالإسبانية، بعدما استفادت مثل جميع الطلاب الأجانب من برنامج مكثّف لتعلّم اللغة عند وصولها إلى كوبا في عام 2022، إلى أنّ أفراد عائلتها يرسلون لها عبر تطبيق واتساب رسائل تفيد بأنّهم "بخير"، لكن "لا أعرف متى سوف أتلقّى مزيداً من الأخبار". ولا تخفي سمر أنّها كانت تعاني من الاكتئاب، لكنّها استعادت قواها، وهدفها الآن إلى جانب دراستها الدفاع عن القضية الفلسطينية.
الطلاب الفلسطينيون في كوبا تأثّروا اقتصادياً من جرّاء الحرب
بدوره، يتابع الطالب الفلسطيني مطيع المعشر، البالغ من العمر 24 عاماً، دراسة الطب في كوبا. يقول لوكالة فرانس برس إنّه من رفح الواقعة في جنوب قطاع غزة، وإنّه يحاول مع أصدقائه الفلسطينيين العودة إلى الحياة الطبيعية "من أجل التخفيف من التوتّر" الذي يشعر به. يضيف: "لكنّ الأمر ليس سهلاً"، مشيراً إلى أنّ "بمجرّد أن تمسك هاتفك تردك الأخبار".
ويخبر مطيع بأنّه في إحدى المرّات الأخيرة التي تحدّث فيها مع والدته، "كانت حزينة جداً"، لافتاً إلى أنّ في مطلع مايو/ أيار الماضي "قُتل عدد كبير من أقربائي" في قصف استهدف رفح. يُذكر أنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي أطلقت في ذلك الحين عمليتها العسكرية في رفح، الأمر الذي أدّى إلى نزوح نحو مليون فلسطيني من المنطقة الواقعة عند الحدود مع مصر والتي كانت تؤوي أكثر من نصف سكان قطاع غزة الذين هُجّروا إليها، إلى جانب أهلها الأصليين.
من جهة أخرى، تأثّر هؤلاء الطلاب الفلسطينيون في كوبا اقتصادياً، إذ إنّهم ما عادوا يتلقّون المال من ذويهم في القطاع. ويوضح السفير الفلسطيني لدى هافانا أنّه أطلق حملة تبرّع، بالتعاون مع منظمات فلسطينية، تتّخذ من الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى مقرّات لها، وذلك في محاولة لـ"حلّ مشكلاتهم جزئياً".
ووسط هذه الأجواء الصعبة، يقول الطلاب الفلسطينيون في كوبا إنّهم تابعوا بدهشة الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في الأشهر الأخيرة من الولايات المتحدة الأميركية، وعمّت أوروبا وأميركا اللاتينية ودولاً عديدة أخرى في العالم. فتقول سمر: "ظننّا أنّنا وحدنا ندافع عن القضية الفلسطينية"، لكنّ "ما يفعله الطلاب (المحتجون) غيّر نظرتنا إلى العالم الخارجي". أمّا مطيع فيؤكد: "أنا فخور جداً لرؤية طلاب يرفعون صوتهم في كلّ أنحاء العالم" نصرة للفلسطينيين.
ومن بين الطلاب الفلسطينيين في كوبا محمد رفعت المصري، البالغ من العمر 26 عاماً، الذي يخبر وكالة فرانس برس أنّه فقد تسعة من أفراد عائلته في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ويشير محمد إلى أنّه ابن سائق سيارة إسعاف في غزة، وهو يعلم جيداً أنّ القطاع "في حاجة ماسة إلى الأطباء". والشاب الفلسطيني الذي يتابع سنته الجامعية الأخيرة، ينوي بعد تخرّجه قريباً الانضمام إلى الطاقم الطبي في قطاع غزة، غير أنّه لا يعرف متى سوف يتمكّن من العودة إلى الوطن أو كيف سوف يتدبّر ثمن بطاقة السفر إليه.
(فرانس برس، العربي الجديد)