أعلنت منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن 35%، من طلبات تصاريح المرضى لم تتم الموافقة عليها من الجانب الإسرائيلي، إلى جانب رفض أكثر من 54% من طلبات تصاريح المُرافقين للمرضى، للوصول في الوقت المناسب إلى مواعيدهم في المستشفى خلال الفترة من 2019 إلى 2021.
وبينت المنظمة، في تقرير "المعيقات التي تحول دون إعمال الحق في الصحة، والهجمات على الرعاية الصحية بين عامي 2019 و2021"، والذي تم الكشف عنه خلال لقاء نظم، اليوم الثلاثاء، في غزة، أنّ الاحتلال الإسرائيلي وافق لنحو 30% على تصاريح دون الموافقة على أحد الوالدين، لمرافقتهم بشكل عام.
وأوضح مدير مشروع المناصرة في منظمة الصحة العالمية بين بوكيه، خلال عرض مرئي ضمن اللقاء، أنّ المرضى المحولين للخارج، والذين يحتاجون إلى الخروج من قِطاع غزة لتلقي العلاج المناسب، من أكثر الفئات هشاشة في المجتمع، إذ وثقت المنظمة أنّ نحو واحد من بين كل عشرة مرضى، قد توفي بعد ستة أشهر من تاريخ أول موعد له في المستشفى للحصول على العلاج.
وأشار بوكيه إلى أنّ هناك ذروتين في الهجمات الإسرائيلية على الصحة في غزة؛ الأولى تتمثل في مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقِطاع غزة 2018/2019، حيث تم خلالها نحو 550 هجمة على الخدمات الصحية، أدت إلى ثلاث حالات وفاة في الطواقم الطبية، بينما تمثلت الذروة الثانية في عدوان مايو/ أيار 2021 الذي تسبب في أضرار بالمنشآت الطبية، والخدمات الصحية.
وتحدث مدير مشروع المناصرة عن التأثير القصري لمنع وصول الإسعافات إلى الحواجز، داعياً إلى ضرورة تعزيز حماية الفلسطينيين من العنف، وتعزيز المساءلة ضمن القانون الدولي، إلى جانب أهمية تعزيز الواقع الصحي، وحمايته من الهجمات.
وسلط التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية، الضوء على أنّ تجزئة الشعب الفلسطيني، وتطبيق نظام التصاريح، ووجود الحواجز المعيقة للحركة، والثغرات في الحماية، تُظهِر أوجه عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية، وتخلق حواجز كبيرة أمام توفرها، والوصول إليها، في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية.
37% من طلبات الحصول على تصريح للعلاج تحتاج إلى 3 أسابيع، و66% من التصاريح هي لمُدة يوم واحد للمغادرة
من ناحيته، قال منسق مشروع المناصرة في منظمة الصحة العالمية، محمد لافي إنّ وزارة الصحة أصدرت أكثر من 280 تحويلة للضفة والقدس من 2019 حتى 2021، في ظل عجز في الطواقم والمعدات، إذ تم توفير نسبة 55% فقط من إجمالي الاحتياج للأدوية، في ظل الحاجة الماسة للتحويلات.
وأظهر لافي الخطوات المختلفة لعملية التحويل الطويلة والمعقدة، واعتبر أن تقدم المريض للحصول على تصريح، فيه نوع من التمييز، وهو "إجباري، وقصري وغير إنساني، وفي كثير من اللحظات يقتل المرضى".
وبيّن لافي أنّ 37% من طلبات الحصول على تصريح للعلاج تحتاج إلى 3 أسابيع، و66% من التصاريح هي لمُدة يوم واحد للمغادرة، فيما يختلف معدل القبول للمرضى، حيث حصل خلال عام 2019، نحو 57% فقط على تصاريح، في حين أنّ عدم الحصول على الموافقة للحصول على التصريح من المرة الأولى، يزيد من فرصة الوفاة مرة ونصفاً.
قطاع غزة سيعاني بعد أسبوعين من توقف غسيل الكلى عن 1200 مريض بالفشل الكلوي، بسبب نقص العلاج، والمستلزمات الطبية
وتناول تقرير "أصوات فلسطينية" الذي استعرضه لافي، عدة قصص لمرضى فلسطينيين عانوا للوصول إلى المستشفيات، أو توفوا قبل الوصول للعلاج، حيث كانت الفلسطينية عائشة لولو، بحاجة إلى الجراحة في الدماغ ولم يسمح لأحد من أهلها بمرافقتها، وعادت إلى غزة بعد العملية، وبعد وصولها توفيت، كما كانت الطفلة فاطمة وهي بعُمر 19 شهراً، بحاجة إلى عملية في القلب وتقدمت ثلاث مرات للحصول على تصريح وكان يرفض، وقد ماتت بفعل تدهور حالتها دون الحصول على تصريح.
أما الفلسطيني خالد فقد كان يُعاني من فشل كلوي، ويحتاج إلى جراحة أوعية متقدمة، وحاولت وزارة الصحة تقديمه إلى مستشفى "المقاصد" في القدس، وتم رفضه 5 مرات، وفي المرة السادسة كان هناك قبول. وقد استعرض التقرير الرحلة القصرية والصعبة لخالد، والتي استغرقت لجراحة الأوعية الدموية نحو 5 شهور، و5 أيام، و14 ساعة، "وهو برهان يدلل على صعوبة الحصول على تصريح، ويزيد من فرصة الموت"، بحسب التقرير.
في الإطار، بدأ ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريتشارد بيبركورن حديثه، خلال اللقاء، بتقديم التعازي لضحايا "الهجمات الأخيرة" على قطاع غزة في التاسع من مايو/ أيار 2023، واصفاً إطلاق التقريرين بـ"الأمر الهام"، الذي يُناقش إمكانية الوصول إلى الصحة، والهجمات ضد منشآت الصحة، في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأوضح بيبركورن أنّ تقرير "أصوات فلسطينية"، يُعتبر "منصة شخصية تحمل إفادات لفلسطينيين يتعرضون للمعيقات والهجمات على الصحة والرعاية الصحية"، مُبيّناً أنّ برنامج الصحة في فلسطين يضمن صياغة تقارير تشمل تحديثات، ونظام مُتابعة للهجمات على الصحة، وجمع إفادات من المُتأثرين.
وأضاف: "الصحة هي حق أساسي لكل إنسان، وتبقى منظمة الصحة العالمية مُلزمة بتوثيق ورصد المعيقات التي تحول دون إعمال الحق في الصحة، كما وتلتزم المنظمة بتعزيز الجهود الجماعية من أجل معالجة الأسباب الهيكلية والجذرية لتلك المُعيقات، وتعزيز احترام وحماية إعمال الحق في الصحة للفلسطينيين".
وبدوره أوضح نائب مدير التعاونية السويسرية، توماس جيناتش، أنّ الأعوام الماضية شهدت حصول 65% فقط على حقهم في الوصول للعلاج بالوقت المناسب، مُبيناً أنّ "هناك اجراءات إسرائيلية غير ضرورية تمنع وصول ثلث المرضى للحصول على العلاج اللازم، ما يسبب لهم معاناة قد تصل إلى الموت".
وألقى وكيل وزارة الصحة في غزة يوسف أبو الريش كلمة خلال اللقاء، أثنى فيها على "التقرير المميز"، الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية، وقال إنّ التقرير يوضح اعتراض الوصول إلى الخدمات الصحية، حيث ضم معلومات هامة يمكن الارتكاز عليها، من كافة الجهات التي تهتم بوصول المرضى إلى مراكز العلاج، خاصة في ظل اللحظات الصعبة التي يمر فيها الشعب الفلسطيني.
ولفت أبو الريش إلى الممارسات الإسرائيلية التي تُعَمِّق حجم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والمرضى، مُستعرضاً عدداً من أوجه المعاناة التي تحول دون وصول المرضى إلى المستشفيات، والحصول على حقهم الأساسي في العلاج، ومن أبرزها أنه يفصل قِطاع غزة أسبوعان لتوقف غسيل الكلى عن 1200 مريض بالفشل الكلوي، بسبب نقص العلاج، والمستلزمات الطبية، ودعا المجتمع الدولي إلى لجم ممارسات الاحتلال المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني.
وتضمن اللقاء كذلك كلمة لميساء والدة الطفل أمير بدوية، ذي الخمس سنوات، والتي تحدثت عن تجربتهم، والتأخير المتتالي أثناء محاولتهم الوصول بأمير إلى خدمات الرعاية الصحية للعيون خارج قطاع غزة، وقالت: "تم منع أمير من الوصول إلى مستشفى العيون في القدس، لم تتوفر لنا القدرة المالية للسفر نحو مصر، كانت الأوضاع صعبة، وشعرنا بحالة من التيه"، مُعبرة عن امتنانها للدعم الذي مكنهم من الوصول للعلاج.
وأوضح منسق مشروع المناصرة في منظمة الصحة العالمية، محمد لافي، في حديث مع "العربي الجديد" على هامِش اللقاء، أنه تم تنظيم الفعالية لنشر تقرير منظمة الصحة العالمية، والذي يُغطي الفترة من عام 2019، حتى عام 2021، ويركز على التحويلات الطبية إلى خارج قِطاع غزة، ويشمل التحويلات في المنطقة المحتلة في الضفة الغربية، وشرق القدس، وقطاع غزة، ويشتمل على معلومات للحصول على التصاريح الإسرائيلية للخروج من قطاع غزة، والضفة الغربية.
وأوضح لافي، أنّ التقرير يحتوي على جزء من الاعتداءات الإسرائيلية على المنظومة الصحية في فلسطين، لافتاً إلى أنّ المنظمة تقوم بمُراقبة إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية في فلسطين بشكل منتظم، حيث يتم إصدار تقارير شهرية وسنوية، إلا أنه وبسبب وباء كورونا في عام 2019 و2020، لم يتم إصدار التقرير، ما استدعى تجهيز تقرير يشمل ثلاث سنوات، تغطي ما بين عام 2019 حتى 2021.