بالكاد، تجري على لسانه جملة كاملة باللغة العربية؛ هذا الآتي لتوّه من ألمانيا على صهوة شغف جارف لمعرفة كلّ ما هو بيئي، يسبقنا إلى إدراك كنه الأنظمة البيئية، فيحمل كاميرته ليصوّر ما نراه عادياً لا يستحق أن يلفت الأنظار، ويراه فريداً. يسأل ويقارن ويدوّن المعلومات مقرونة بأرقام اللقطات الفوتوغرافية. في مرة، كنّا في رحلة عمل بمنطقة أركويت، شرقي السودان، فافتقدنا توماس، لزمنٍ ليس بالقليل، لكنّه جاء متهلل الوجه معلناً بعربية مكسّرة أنّه كان "في سياحة بيئية في بيئة سياحية" ولعلّه أراد أن يباغتنا لنتجاوز ما أثار غيابه من قلق. لماذا نجدهم بكلّ هذا الشغف للتعرف على مكونات بيئتنا، فيما نهمل نحن الأمر؟
للاهتمام بالسياحة جوانب اقتصادية واجتماعية، فقد أصبحت قطاعاً إنتاجياً بالغ الأهمية، ينافس قطاعات إنتاجية أخرى بما يدرّ من عملات حرّة، بل أصبحت السياحة صناعة قائمة بذاتها. عرّفت الأمم المتحدة السياحة على أنّها "الانتقال الطوعي من مكان الإقامة الدائم إلى مكان آخر بهدف إشباع حاجة أو رغبة". وفي تعريف منطمة السياحة العالمية: "تتلخص في مجموع نشاطات الأفراد المسافرين والمقيمين في أماكن خارج البيئة لمدة لا تتجاوز العام للاستجمام، أو المتاجرة، أو لأغراض أخرى". والسياحة لغة تعني الجري على وجه الأرض، فيقال: ساح الماء، يسيح سيحاناً، إذا جرى على وجه الأرض. والسائح هو في معنى آخر الصائم الذي يسيح متعبداً ولا زاد معه. يورد الخبير، السرّ سيد أحمد العراقي ما يلي: "كانت السياحة في بداياتها تعني العبادة والترهب والتأمل في الطبيعة تدبراً لبديع صنع الله في هذا الكون، وكسباً لمرضاته في الحياة الآخرة". ولم يقتصر التجوال في الأرض على ذلك، بل بدأ يتجه صوب أهداف أخرى منها تنقّل الإنسان للتعرف على الأماكن التي توفر العيش الأفضل، وتتسم بالمناخ الأنسب والأجمل. وتطور المفهوم ليشمل أغراضاً أخرى مثل البحث عن كسب الطيبات من الرزق كسلوك إنساني يدفع للسفر والترحال، بيد أنّ السفر بهدف المتعة والتنزه في الأزمنة القديمة يقلّ كثيراً عن سواه.
للسياحة شأنها الذي جعل كبرى الدول تتسابق في جذب السياح في نهمٍ، لتتصدر أرباح السياحة الصادرات. فبالنسبة لنحو 83 في المائة من الدول، تعدّ السياحة من أهم خمس صادرات رئيسية لها، إذ تساهم بنحو 35 في المائة من صادرات الخدمات، و8 في المائة من الصادرات السلعية. ونجد من بين كلّ عشر وظائف عالمياً وظيفة على الأقل في مجال السياحة. وبينما تستقبل أوروبا 50 في المائة من سائحي العالم، ويتجه 37 في المائة إلى الأميركتين، وتحظى أقطار شرق آسيا والمحيط الهادئ بـ10 في المائة، يبقى 3 في المائة هو نصيب الدول الأفريقية والشرق أوسطية والجنوب آسيوية. فمتى تلتفت أفريقيا بالذات، من بين تلك الدول، إلى هذا المورد بما لها من إمكانات طبيعية؟
(متخصص في شؤون البيئة)