بعد فترة طويلة من التعامل المتراخي مع كورونا، تلتحق السويد تحت ضغط الإصابات المتزايدة بما سبقها إليه جيرانها الأوروبيون من قيود
بعد سبعة أشهر من التراخي في مواجهة فيروس كورونا الجديد، تنفيذاً لفرضية بناء مناعة القطيع، تعود السويد إلى نقطة تجاوزها الأوروبيون منذ مارس/ آذار الماضي، حين كانوا يغلقون المطاعم والحانات وكلّ مراكز التجمع، بما فيها الزيارات الاجتماعية، خصوصاً لكبار السن، في الوقت الذي كانت السويد تسمح بدخول الناس من الخارج، وتبقي على سياسة الفتح، بالرغم من تحذيرات أوروبيين جربوا الوباء وتأثير التراخي معه على قطاعاتهم الصحية. قبل أسابيع كانت السويد قد أعلنت عن تخفيف القيود على كبار السن، والحجة أن عزلة كورونا بين المسنين تؤدي إلى مصاعب نفسية، وعليه سمحت بزيارات لدور رعاية المسنين في البلاد، بالرغم من أنّ وفيات الفيروس كانت في تزايد، واقتربت من 6200 أمس. ومنذ أسابيع فقط، كان عدد الإصابات اليومي المسجل في السويد هو 3600 كمتوسط، ليرتفع في الأيام الماضية إلى 4600 كمتوسط. وهي حالة اضطرت حكومة يسار الوسط، برئاسة ستيفان لوفين، للذهاب أبعد في الاحتياطات التي كانت مهملة طوال أشهر.
تغيرت اللهجة الأسبوع الماضي فجأة، وفرضت قيود على مطاعم ومقاه كان مرتادوها ينظرون إلى تشديد الإجراءات وفرض القيود في دول الشمال كنوع من الهستيريا التي لا حاجة لهم بها، فعدم التزام المواطنين في حياة الليل بالمسافة الموصى بها بين الناس دفع لوفين إلى القول في مؤتمر صحافي، عصر أمس الأول: "الوضع ببساطة يزداد سوءاً. اسمحوا لي أن أكرر: الوضع يزداد سوءاً". ويبدو أنّ مراهنة السويد على خطة "مناعة القطيع" فشلت، وهو ما تبرزه أرقام الإصابات التي استمرت بالتزايد منذ مارس/ آذار الماضي حتى دخول البلاد أخيراً في الموجة الشتوية الجديدة للجائحة. سياسة عدم الإغلاق الشامل كانت محل انتقاد داخلي وخارجي، حتى أنّ السويد في صيف العام الجاري وُضعت خارج حسابات مواطني شقيقاتها الاسكندينافيات، فمنعت النرويج العبور حتى من أراضي السويد إذا كان السائح آتياً من الدنمارك أو متجهاً إليها. كذلك، منعت الدنمارك دخول وخروج مواطنيها من السويد وإليها، باستثناء بقع جغرافية لم يكن قد تمكن منها الوباء.
الحريات الشخصية كانت ذريعة الحكومة وأحزاب البرلمان من يمين الوسط المعارض، لعدم فرض أوامر على المواطنين، معتبرة أنّ شعبها واعٍ بما فيه الكفاية لاتخاذ إجراءات احتياطية. لكنّ الحكومة وجهت أخيراً انتقادات مبطنة للشعب نفسه، إذ اعتبرت أنّه لم يلتزم بالتباعد الجسدي كما ينبغي، ما أوقع القطاع الصحي في أزمة، إذ وصل إلى أوج طاقته، بوقوعه تحت ضغوط هائلة في الأسابيع الماضية.
الحانات والمقاهي الليلية التي تقدم الكحول هي المتهم الأول بالتراخي الذي أفزع السياسيين والأطباء، ما اضطر الحكومة للإعلان أنّ إجراءات صارمة ستطبق خلال الأيام المقبلة ترتبط بهذا القطاع وغيره. فبعدما كانت "حرية التجمع" متاحة، بات كلّ سويدي مجبراً على عدم مخالطة أكثر من 7 أشخاص في المرة الواحدة، بدءاً من 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري حتى فترة عيد الميلاد. وبخصوص هذا العيد المهم لدى السويديين، طلبت الحكومة منهم إلغاء مظاهر تناول وجباته الجماعية طوال الأسابيع المقبلة. وتلك الإجراءات مطبقة بصرامة في الجارة الدنمارك، وتؤدي بمخالفيها إلى تدخل الشرطة التي تسجل غرامات مالية تبلغ 2000 كرونه دنماركية (320 دولاراً أميركياً)، ويحق للشرطة هناك التدخل لفض أيّ حفلات مخالفة يقيمها الشباب ليلاً، ومنع المقاهي بعد العاشرة مساء، وحظر بيع الكحول في المتاجر.
وحذر لوفين من أنّ الوضع الوبائي يخرج عن السيطرة، مصارحاً شعبه: "لا ينبغي البحث عن أعذار للقاء الآخرين، لا ينبغي الذهاب إلى المكتبات ولا أداء التمارين الرياضية ولا تناول الطعام في الخارج، ومن الجيد والضروري أن نفهم التوصيات ونمتثل للقيود". وبدءاً من أمس، الثلاثاء، منع بيع الكحول في السويد بعد العاشرة مساء، ما يعني عملياً توقف ارتياد الشباب الحانات والمقاهي التي اعتادوا السهر فيها طوال أشهر الجائحة. وفي 20 من أقاليم السويد الـ21 يجري تشديد الإجراءات، التي كانت تطبق في إقليمين فقط. ومن القيود الجديد امتناع الناس عن الالتقاء بمن لا يعيشون معهم، والامتناع بقدر الإمكان عن ارتياد متاجر مغلقة ومتاحف ومكتبات عامة ونوادٍ رياضية، والامتناع عن السفر بين مختلف المناطق لغير الضرورة القصوى. وفي إقليم سكونا الجنوبي، قبالة سواحل الدنمارك، أوصت السلطات المواطنين بالامتناع عن التواصل مع الآخرين ممن هم من خارج المنزل، وتجنب ركوب المواصلات العامة والمشاركة في أيّ اجتماعات ومناسبات احتفالية ورياضية، ويشمل ذلك غداء عيد الميلاد التقليدي.