السويد: تقييم جدلي لقانون "قبول" المعاشرة

14 يونيو 2023
سهّلت التشريعات تقديم سيدات بلاغات ضد الرجال في السويد (يوناس غراتسر/ Getty)
+ الخط -

أكد تقييم أصدرته السلطات السويدية في 5 يونيو/ حزيران الجاري لقانون "الموافقة" (التراضي) الخاص بحالات الاغتصاب الذي صدر عام 2018، مساهمة هذا القانون في تعزيز التشدد مع جرائم الاغتصاب، وتسهيله الإدانات في المحاكم، بخلاف ما جرى قبل عام 2018، حين كانت الإناث تجد صعوبة في إيصال قضاياهن إلى القضاء والشرطة التي اتهمت بعدم التعامل بجدية مع الشكاوى. 

وأوضح مجلس مكافحة الجرائم في العاصمة السويدية استوكهولم أن تطبيق قانون "الموافقة" في 2018 غيّر أسس معاقبة جرائم الاغتصاب والشروع فيها، إذ اعتبر أن شبهات العنف والتهديد، ووضع النساء في مواقف تجعلهن غير قادرات على الدفاع عن أنفسهن، ليست ما تحدد تعرّضهن لاغتصاب، بل عدم منحهن قبولاً شفهياً أو عملياً واضحاً بالمعاشرة، كما سهّل القانون ملاحقة الرجال الذين يشتبه في أنهم شرعوا في تنفيذ الاغتصاب".

وأشار المجلس إلى أن "تطبيق القانون منذ يوليو/ تموز 2018 ضاعف حالات الملاحقة القانونية بالنسبة إلى الذكور فوق سن الـ18، كما زادت سنة بعد أخرى الحالات التي جرى الإبلاغ عنها، أو تقديم شكاوى في شأنها. وقد تدخل القضاء في 346 قضية عام 2017، ثم ارتفع عددها إلى 830، عام 2019. وفي موازاة ارتفاع شكاوى النساء من إجبارهن على المعاشرة، زاد العدد الإجمالي لقضايا الشروع أو محاولة الاغتصاب من 5200، عام 2015، إلى 7300 العام الماضي. وإلى الزيادات في أرقام حالات الاغتصاب وتلك المشتبه بها، ارتفع عدد المحكومين، بعد أن بدأ تطبيق قانون الموافقة، إذ قفز الرقم السنوي للإدانات من 235، عام 2017، إلى 557، العام الماضي".
ويرى متخصصون قانونيون أن تزايد عدد القضايا "يظهر تغيّر منهجية الشكاوى ضد مرتكبي الاغتصاب"، علماً أن قانون ما قبل عام 2018 كان يطالب بأن تثبت النساء أنهن أجبرن تحت تهديد العنف على تنفيذ المعاشرة التي قادت إلى الاغتصاب. أما قانون "الموافقة" فسمح لهن بتقديم شكاوى تفيد بأنهن "لم يكن في وضع لإعطاء موافقة على المعاشرة أو المشاركة فيها طوعاً حتى مع شركاء يعشون معهن".
ويذكر التقييم أن السنوات الخمس الماضية شهدت زيادة واضحة في عدد المراجعات التي قدمتها إناث تعرّضن لاغتصاب أو أفلتن منه. وتعلّق المحامية المتخصصة في قانون الاغتصاب، سيلفيا إنغولفسدوتير أوكيرمارك، بالقول لتلفزيون "أس في تي" السويدي إن "قانون الموافقة كان مهماً جداً لتحقيق التغيير الذي حصل بالنسبة إلى حالات الضحايا، ووجهة نظر المجتمع من الاغتصاب".
لكن المحامي السويدي بينغت إيفارسون الذي ساهم في التحقيقات التي أفضت إلى إصدار قانون "الموافقة"، لم يتردد في إبلاغ التلفزيون نفسه "أنه بات يشكك في التشريع لأن التغيير الذي أحدثه ترافق مع إشكالية تزايد عدد الأشخاص الذين أدينوا بارتكاب قضايا اغتصاب، في حين أنهم أبرياء. وهؤلاء باتوا فعلياً أكثر عدداً من الأعوام التي سبقت هذا التشريع".

لم تستند بعض إدانات الاغتصاب إلى أدلة تقنية حقيقية (ميشال سيتبون/ Getty)
لم تستند بعض إدانات الاغتصاب إلى أدلة تقنية حقيقية (ميشال سيتبون/ Getty)

وتتسبب الإشكالية التي يتحدث عنها إيفارسون بجدال سنوي حول إذا كان قانون "الموافقة" قد سهّل فعلاً تقديم نساء بلاغات ضد عدد أكبر من الرجال، علماً أن منظمة "روكس" الوطنية لمراكز أزمات المرأة وبيوت الفتيات في السويد لاحظت أن تضاعف عدد إدانات جرائم الاغتصاب يرتبط بقضايا تمس أزواجاً أو شركاء وثيقين، ما يعني تزايد الاتهامات التي توجهها النساء للرجال الذين يعيشون معهن تحت سقف واحد بأنهم أجبروهن على المعاشرة. 
وتعترف مديرة "روكس"، جيني ويسترستراند، في حديثها لصحيفة "سفنسكا داغبلاديت"، بأن "القانون الجديد سهّل فعلاً تقديم النساء شكاوى ضد شركائهن، في حين يصعب إثبات أنهن تعرّضن لاغتصاب".
ويرى متابعون أن "الأمر ليس سهلاً بالنسبة إلى الرجال في السويد، إذ يمكن أن يؤدي سوء تقدير إلى إصدار حكم بالسجن 6 أشهر، ووضع المدان على اللوائح الوطنية للمغتصبين، علماً أن سوء التقدير شمل، بحسب قرارات إدانة أصدرتها محاكم السويد، معاشرة رجال من دون موافقة صريحة لنساء كن تحت تأثير الكحول، ما يعني أن أشخاصاً أدينوا بناءً على إهمال الحصول على رضا الطرف الآخر".
وعموماً غيّر قانون "الموافقة" النظرة العامة لمسألة الاغتصاب بالسويد. وساهمت أبحاث اجتماعية ونفسانية وطبية في توضيح ما يسمى بـ"جمود الضحية بسبب تأثير صدمة الاغتصاب، ما جعلها غير قادرة على المقاومة". ومثّل ذلك الرد الأهم على السؤال الموجّه إلى النساء بشأن سبب عدم المقاومة، بحسب ما يقول الخبير القانوني في استوكهولم، لارس لوبنهاغن، في إطار توضيحه أسباب "رد الفعل السلبي للضحية".

ويرى خبراء سويديون أن زيادة وعي النساء بما حصل لهن أثناء الاعتداءات ساهم في تشجيعهن على الذهاب إلى الشرطة، وعدم السكوت، لكن بعض مؤيدي التشريع يثيرون مخاوف جدية من احتمال إدانة أبرياء، بسبب عدم توفر أدلة تقنية حقيقية، والاعتماد بالكامل على مفهوم عدم الموافقة الشفهية. ويطالب إيفارسون بمراجعة التشريع للتعامل مع سلبيات الأدلة غير الحاسمة، والتي تحتاج إلى تمتع المدعين العامين باحترافية أكبر، وتجنب الاستناد فقط إلى التحقيقات الأولية التي تظهر عدم إعطاء موافقة شفهية".

المساهمون