أعادت الاضطرابات التي شهدتها عطلة عيد الفصح في السويد في منتصف إبريل/ نيسان الماضي تسليط الأضواء على مشاكل البلد مع سياسات الهجرة التي أدرجتها رئيسة الحكومة ماغدالينا أندرسون في تصريحاتها الأخيرة في إطار "الجرائم الشبابية"، وشددت على أن اندماج المهاجرين "كان سيئاً للغاية، في وقت لا نزال نشهد هجرة كبيرة إلى السويد".
ولم تتحول الاضطرابات الأخيرة فقط إلى سلاح انتخابي لأجنحة اليمين القومي المتشدد، وعلى رأسها حزب "ديمقراطيو السويد" بزعامة جيمي أوكسون، والحزب المسيحي الديمقراطي بقيادة إيبا بوش، إذ امتد السجال إلى الدعوة إلى مراجعة كل سياسات الهجرة والدمج، ولم يتردد البعض أيضاً في المطالبة "بالتركيز على الأخطاء التي ارتكبتها أستوكهولم على مدار عقود من الانفتاح على المهاجرين واللاجئين وهو ما ميّز السويد عن بقية دول القارة الأوروبية".
وفي حديثها لوسائل الإعلام المحلية، قالت أندرسون إن "السويد أخطأت حين سمحت بالفصل بين مجتمعي (المواطنين والمهاجرين) ما أنشأ مجتمعات موازية وزاد العنف، فنحن نعيش فعلياً اليوم في بلد واحد يشهد واقعين مختلفين تماماً"، ما شكل تكراراً لتحذير متخصصين في شؤون المجتمع والهجرة منذ سنوات من مخاطر ترك مهاجرين يعيشون على هوامش المجتمع.
رأس "جبل جليد" المشاكل
ورغم أن الشرطة السويدية امتنعت عن منح اليميني المتطرف الدنماركي السويدي الأصل راسموس بالودان تصاريح بتنظيم مزيد من التظاهرات ضد المهاجرين، بعدما أحرق نفسه نسخة من القرآن في أحدها، ما أدى إلى صدامات عنيفة، لم يضع هذا الإجراء حداً لمحاولة إفادة متطرفين سياسيين واجتماعيين من الأحداث.
ويعتبر أشخاص تحدثت إليهم "العربي الجديد" أن "التظاهرات الأخيرة ساهمت في ظهور العنف، وعكست مظاهر التركيز السلبي على المسلمين. وهذه الأحداث ليست سوى رأس جبل جليد المشاكل العميقة في المجتمع التي تظل بلا أي علاج".
وأفادت تقارير إعلامية بأن عدد المشاركين في احتجاجات استوكهولم وإرويبرو ورينكبي ونورشوبينغ ولينكشوبينغ ومالمو لم يتجاوزوا عشرات، في وقت تضم هذه المدن والمناطق آلافاً من سكان الضواحي المهاجرين الذين تدفقوا منذ الستينيات وحتى السبعينيات من القرن العشرين، إضافة إلى لاجئين جدد قدموا بدءاً من عام 2015، إلا أن مستوى العنف الذي حدث يمنح معسكر التطرف المزيد من الأوراق، بحسب ما تقول لـ"العربي الجديد" الصحافية السويدية المخضرمة ماريا ستيفنسون التي عملت خلال 30 سنة في تغطية أخبار سياسات الهجرة والدمج. وهي تبدي خوفها من "نتائج استغلال الانقسام المجتمعي العميق القائم بين أقلية شاركت في أعمال العنف الأخيرة، وغالبية المواطنين الذين شعروا بصدمة المواجهات وانعكاساتها الخطيرة على المستقبل".
"جحيم لا يطاق"
فعلياً تحتضن مدن سويدية تمتد من أوبسالا (شمال) إلى مالمو (جنوب) ما يطلق عليه "مجتمعات موازية"، وهو تعريف يقتحم اليوم التقارير الإعلامية والتصريحات السياسية، علماً أن التجمعات السكنية للمهاجرين تضم أحياناً أقارب من نفس بلد المنشأ وجماعات عرقية متقاربة ثقافياً ودينياً. وزاد حجم اكتظاظ تلك الضواحي مع تدفق مزيد من اللاجئين منذ عام 2014.
وظلت السويد فترة طويلة توصف بأنها "أكثر الدول الأوروبية ترحيبا بالأجانب". ورغم تفاقم المشاكل الاجتماعية التي ربطها خبراء في الداخل وفي دول اسكندنافية مجاورة بمشاكل اندماج المهاجرين، لم تعترف الحكومات السويدية المتعاقبة بوجود تحديات كبيرة حتى صيف عام 2020 حين تفاقم انتشار عصابات الشباب من أصول مهاجرة، ما دفع رئيس الحكومة السابق ستيفان لوفين إلى الاعتراف بوجود علاقة بين مشكلة الهجرة وانتشار عصابات الضواحي. وشكل مقتل طفلة في الـ12 من العمر بالرصاص في ضاحية بوتوركا باستوكهولم انعطافاً في مواقف سياسيي يسار الوسط، وبينهم لوفين نفسه.
ويشير الباحث الاجتماعي ستين كريستوفرسن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "موجة العنف المتواصلة منذ أكثر من 10 سنوات في الضواحي، والتي تشهد استخدام أسلحة نارية ومتفجرات تسببت في سقوط عشرات الضحايا بينهم أطفال ومراهقون لا علاقة لهم بحروب العصابات، حوّلت الحياة في بعض الضواحي إلى جحيم لا يطاق".
ويذكر أن السويد استقبلت بين عامي 2008 و2017 أكثر من 507 آلاف طالب لجوء، و"هذا رقم كبير يعادل 2.59 لاجئ لكل ألف سويدي، وفقاً لإحصاءات أوروبية، ما فاقم مشكلة القدرة على دمج عشرات آلاف منهم. وفي عام 2015 وحده كان نصيب السويد من موجة اللجوء في أوروبا أكثر من 163 ألفاً، وأثرت الأعداد المتزايدة للقادمين على مشاريع وبرامج للتوفيق بين دمجهم وبرامج اجتماعية أخرى".
مزاج المجتمع
وتساهم التقارير المتعلقة بتفاقم الجريمة في السويد في تغيير مزاج المجتمع حيال بيئات الهجرة، خصوصاً تلك التي تجد صعوبة في الاندماج، فهي تشير إلى أن أفراد البيئات المهاجرة مسؤولون عن نحو نصف الاتهامات بارتكاب جرائم في السويد بين عامي 2013 و2017.
ويعترف حتى أشخاص فاعلون في المجتمع السويدي من أصول مسلمة وعربية بوجود مشاكل لدى البعض في الاندماج، وفهم الحقوق. ويرى الناشط السياسي في اليسار مرتضى شوشي ذو الأصول الإيرانية والذي ولد وكبر في السويد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "بعض مجتمعات الهجرة مسؤولة عن بذل جهود ذاتية لتكريس الاندماج الحقيقي بدلاً من العزلة، كما أن سياسات الحكومات تركت الأمور تنتج ما يشبه مناطق غيتو". ويشدد على أن "استغلال البعض لتراخي النظام الاجتماعي السويدي عزز نشوء مجتمعات موازية على هامش المجتمع، علماً أن السويد لم تعانٍ تاريخياً من تمييز وعنصرية، لكن كثيرين أهدروا فرصة ألا يتحولوا إلى رهائن نمطية قراءة التعايش على أساس نحن وهم".
ويرى نقابي من أصول فلسطينية - لبنانية ويقيم منذ عقود في السويد فضل عدم كشف اسمه أن "وجود مشكلة في سياسات الهجرة السويدية لا يبرر عيش البعض في انغلاق". يضيف: "تستخدم عصابات في بعض مناطق الضواحي مراهقين للمراقبة وإطلاق إنذارات بقدوم شرطيين، ومن المؤسف أن بعض الصحافيين السويديين واجهوا مضايقات لدى محاولتهم إجراء مقابلات مع السكان أو التصوير. وأنا أخشى أن شرارة صغيرة قد تؤدي إلى تغييرات تتجاوز التشدد الذي تبنته السويد في سياسة اللجوء والتعامل مع المهاجرين، فالبعض يملك مفهوماً خاطئاً لاحترام التعدد الثقافي في السويد".
في عزلة الضواحي
ويتحدث قاطنون في الضواحي عن أنه بات يندر إيجاد طفل سويدي في بعض مدارس مناطقهم، ما يعني أن الصغار يكبرون من دون معرفة ما يدور في المجتمع الأوسع، علماً أن كثيرين لا يغادرون مناطقهم لأوقات طويلة كونها تضم كل ما يحتاجونه من أسواق ومتاجر ومطاعم ومقاهٍ ودور لرعاية الكبار والصغار، ما يضيّق مساحة الاحتكاك بالمجتمع السويدي لدى البعض.
ويؤكد الناشط السويدي من أصل عربي، أمين حيالي، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ضرر انتشار الجريمة المنظمة وعلاقاتها المتشعبة والواصلة إلى كوبنهاغن وبرلين وغيرها لا يشمل فقط أرواح الناس، وسمعة الضواحي والمهاجرين، بل المعنى العميق لزرع خيبات لدى الناس من الهجرة واللجوء، فالقادمون أرادوا النجاة وتأسيس حياة ومستقبل لأسرهم، لكن حين تستمع لغالبيتهم اليوم فهم يعبرون عن مرارة العيش في ظل الظروف السائدة، وكأنهم لم يغادروا دولهم".
ويرى حيالي أن "مشكلة سياسات الهجرة والدمج يجب ألا تستمر، وإلا سنكون أمام مزيد من هياكل موازية للمجتمع السويدي تحمل خسائر للمهاجرين ودولة السويد".
وتتلمس أندرسون عمق الأزمة التي يعيشها مجتمعها وتأثيرها على الانتخابات المقررة في 11 سبتمبر/ أيلول القادم. ووعدت مع نهاية إبريل/ نيسان الماضي بألا تسمح لـ "اكتساب المتطرفين اليمينيين والإسلاميين موطئ قدم لتغذية الكراهية وانعدام الثقة في المجتمع".
ولمّحت إلى "وضع خطط لسياسات تنهي وجود المجتمعات الموازية التي تجعل الأطفال بلا جذور، فينتهي بهم الأمر في أيدي عصابات إجرامية". أما وزير العدل مورغان يوهانسون فدعا إلى "مواجهة العنف بالقوة إذا لزم الأمر".