ثمّة صورة قاتمة بالنسبة إلى المتحدرين من أصول مهاجرة في السويد، كُشفت أخيراً. فقد تبيّن أنّ هؤلاء هم أكثر السويديين المشتبه فيهم بما يخصّ الجريمة، لا سيّما ارتكاب جرائم قتل. وأتى ذلك في تقرير متخصص.
يشير تقرير جديد صادر عن المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة (برو) إلى أنّ الأشخاص المتحدرين من أصول مهاجرة في البلاد هم أكثر المشتبه فيهم بارتكاب جرائم. وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2005 التي يذهب فيها تقرير صادر عن جهة رسمية سويدية إلى تصنيف "من أصول مهاجرة" في سياق استعراضه إحصاءات خاصة بجرائم وأعمال جنائية. ويؤكد المجلس السويدي في بيان صحافي نشره على موقع الرسمي أنّ البيانات "أظهرت أنّ النسبة الأكبر من المشتبه فيهم جنائياً هم من أبناء والدَين مولودَين في خارج البلاد، تليها نسبة المولودين بأنفسهم في الخارج".
ويأتي هذا التقرير في توقيت غير ملائم، لا بل سيّئ جداً، بالنسبة إلى البيئات حيث يعيش ذوو الأصول المهاجرة، خصوصاً في ضواحي المدن الكبرى من استوكهولم العاصمة إلى غوتنبرغ ومالمو في الجنوب حيث تتزايد عمليات العنف التي تُستخدَم فيها الأسلحة النارية بشكل شبه يومي. ويسقط في أعمال العنف تلك التي ترتكبها عصابات، أعضاؤها بمعظمهم من أصول مهاجرة، عدد كبير من الضحايا، الأمر الذي يضع السويد في مقدّمة الدول الأوروبية التي يُقتل فيها المواطنون بواسطة أسلحة نارية.
وتثير عمليات القتل تلك حالة من الغضب والتذمّر بين الأغلبية المهاجرة التي تراها سلبيات تهدد واقعها ومستقبل أطفالها، مع تزايد السجال على المستويَين الحزبي والاجتماعي. فاليمين المتشدد والقومي المحافظ صار يحظى، على خلفية ذلك، بتأييد أكبر. أمّا على المستوى الإعلامي، فصار يُشار في السنوات القليلة الماضية، إلى الخلفيات الإثنية لأفراد العصابات ومرتكبي الجرائم، بخلاف ما كان الوضع عليه قبل ذلك عندما كانت كانت وسائل الإعلام تكتفي في تغطية عمليات القتل تلك بالإشارة إلى جنس وسنّ المرتكبين وكذلك الضحايا.
ويتناول تقرير المجلس السويدي الذي يضم إلى جانب الخبراء الأمنيين متخصّصين في علم الاجتماع وعلم الأعراق/ الشعوب العلاقة الوثيقة بين الطبقة الاجتماعية ومستوى الدخل والجرائم المرتكبة من قبل تلك المجموعات. فيوضح أنّ "الأبحاث الجنائية تشير إلى عوامل الخطر المترابطة مع واقع أنّ الأشخاص من أصول مهاجرة لديهم متوسط دخل أقلّ من سواهم، فيما أوضاعهم الصحية أكثر سوءاً بالإضافة إلى أنّ الاكتظاظ (في عيشهم) أكثر شيوعاً".
والصورة السلبية المشار إليه تأتي بالتزامن مع تسجيل المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة تراجعاً في نسبة المشتبه فيهم بأعمال جنائية من السكان عموماً، لا سيّما في الفترة الممتدة ما بين 2007 و2018، ومع ذلك تزداد نسبة المشتبه فيهم من بين أبناء والدَين لم يبصرا النور في السويد مقارنة بأبناء آخرَين وُلدا في البلد. ويُلاحَظ أنّ الفئة العمرية الشبابية أكثر ميلاً إلى الانخراط في أعمال خارجة على القانون.
وتبيّن الأرقام أنّه على الرغم من انخفاض نسبة المشتبه فيهم من 1.6 في المائة إلى 1.4 في المائة، فإنّ نسبة ارتكاب جرائم والاشتباه في ذلك ارتفعت في جرائم محدّدة حتى عام 2018، وهي تتعلق بالأساس بالمخدرات وبتحقيق أرباح منها، مع ملاحظة زيادة نوعية في العنف المميت، نتيجة مئات عمليات إطلاق النار والطعن والتفجير المتزايدة في مدن الجنوب السويدي.
ويلاحظ معدّو تقرير المجلس الوطني أنّ تسجيل هؤلاء كمشتبه فيهم جنائيين أمر "أكثر شيوعاً بنحو 2.5 مرّة بين الأشخاص المولودين في خارج السويد، مقارنة بأبناء والدَين سويديَّين بالولادة. وتزداد النسبة بثلاثة أضعاف إذا كان الوالدان أبصرا النور في بلادهما الأصلية مقارنة بسويديّي المولد".
وعلى الرغم من اعتراف معدّي التقرير بأنّ مرتكبي الجرائم من أصول مهاجرة يشكّلون نسبة صغيرة من مجموع المهاجرين، فإنّ ما يُسمّى في السياسة الحزبية بين مختلف الاتجاهات "انفلاتاً أمنياً" في بعض المدن تحوّل إلى مواد دسمة في الانتخابات. وهذا من بين أكبر التحديات التي دفعت أخيراً رئيس وزراء يسار الوسط، سيتفان لوفين، إلى إعلان استقالته من منصبه فجأة، على أن يدخل ذلك حيّز التنفيذ في في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ويأمل الحرب الاجتماعي الديمقراطي أن يقطع الطريق على استغلال اليمين القومي المتشدد للعنف المنتشر من خلال قوانين جديدة تواجه تزايد تحدي العصابات ونتائج أفعالها الدموية شبه اليومية، حتى لا يخسر في الانتخابات التشريعية العام المقبل أمام منافسيه من اليمين ويمين الوسط اللذَين يجعلان تلك القضية على رأس جدول أعمالهما وعملياتهما الدعائية.
وما يلفت الانتباه في الحالة السويدية هو أنّه على الرغم من كل ما يقدّمه نظام الرفاهية والرعاية الاجتماعي من شبكة أمان وضمان للتحصيل العلمي، فإنّ نسبة من المنخرطين في عصابات الضواحي تتقاتل بعنف صادم بالنسبة إلى مجتمع يصعب عليه تقبّل تحول شوارعه إلى مساحات لإطلاق النار والقتل من أجل السيطرة على أسواق المخدرات والممنوعات. وعلى الرغم من تبادل السويد والدنمارك، الدولتان الشقيقتان في اسكندنافيا، المسوؤلية في ما يخص انتشار السلاح بشكل متزايد، فإنّ كل التشدد الأمني ومراقبة وحل بعض عصابات كوبنهاغن، وأكثرها اتهاماً بالجرائم مثل تلك الشهيرة بـ"الولاء للعائلة" التي اتُّهمت بانتهاج أساليب المافيا وفرض إتاوات، لم تمنع وجودها وقيام تنسيق في ما بينها وكذلك مع عصابات ألمانيا، بحسب تقارير صادرة في كوبنهاغن قبل أيام قليلة. وفي سياق متصل، تتعالى أصوات مطالبة بانتهاج سياسة التجريد من الجنسية وإبعاد أفراد العصابات الذين بات يُحكم عليهم بأحكام مضاعفة للجم انتشار العنف. وبات تبنّي سياسة التشدد التي طالب فيها اليمين القومي المتشدد في البلدَين الجارَين أشبه بسياسة رسمية ونوع من التسوية التي توافق عليها معسكرا اليمين ويسار الوسط.
وقبل أيام، أثيرت قضية عودة بعض أفراد العصابات الشبان الذين سبق أن حُكم عليهم ورُحّلوا إلى أفغانستان، وذلك من خلال خداع السلطات الدنماركية التي كانت تجلي مواطنيها والمتعاونين معها (المترجمين وأسرهم) بعد سيطرة حركة طالبان. وقد أثار الكشف عن عودة بعضهم، وأحدهم رُحّل في الشهر الماضي فقط، مزيداً من الغضب إزاء السياسات الرسمية المتهمة بالتراخي في التعاطي مع مرتكبي الجرائم الذين قضوا محكومياتهم ولم يتمّ إبعادهم، وهو ما ينطبق على الحالتَين السويدية والدنماركية.