خلال الأيام القليلة الماضية، شهدت محافظة السويداء جنوبي سورية جرائم سطو قُدّرت خسائرها بمئات الملايين من الليرات، وطاولت العديد من الممتلكات الخاصة والعامة، في ظل فوضى مستمرة منذ أعوام. وشهد أحد أحياء السويداء حادثة غريبة من نوعها، كما يقول المواطن قصي مزهر لـ"العربي الجديد".
ويوضح أن مجموعة من سكان الحي ألقوا القبض على لص داخل شقة سكنية، ليتبين أنه امرأة من أصحاب السوابق. وعمد الأهالي إلى تسليمها إلى فرع الأمن الجنائي التابع للنظام السوري، لكون تاريخها حافلا بالسرقة. يضيف أن تعاطف الأهالي مع اللصوص وحل هذه الجنح بالوساطة والتدخلات، زادا من نسبة السرقات من جراء الفقر والعوز. لكن قصة المرأة أثارت العديد من التساؤلات، وأصر صاحب الشقة على تسليمها إلى الشرطة.
وكثرت جرائم سرقة المحال والمجمعات التجارية في وسط مدينة السويداء، وكان آخرها قبل أيام، عندما تعرض محل يبيع الهواتف الخلوية بمحيط دوار المشنقة للسرقة. ويقول صاحب المحل بهجت الحلبي لـ "العربي الجديد"، إن اللصوص اقتحموا المكان بلا خوف، وسلبوا هواتف وأجهزة كومبيوتر محمولة، ومالا، لتصل قيمة المسروقات إلى 40 مليون ليرة سورية (الدولار يساوي 6700 ليرة سورية)، مشيراً إلى سلبهم كاميرات مراقبة من المحل. لكنه يأمل أن يتمكن من معرفة اللصوص من خلال كاميرات المصرف المقابلة لمحله.
وفي الفترة نفسها، سرقت مجموعة لصوص منزل المواطن مفيد بدر الكائن في حي نزلة الأعوج بقلب السويداء، علماً أنه حي مزدحم بالسكان. وسُرقت أموال وأدوات طبية قُدرت بأكثر من 150 مليون ليرة، بالإضافة إلى سيارة من نوع "كيا سيراتو". أحد المقربين من بدر يقول لـ "العربي الجديد" إن الأخير يعمل موزع أدوية في المدينة، وقد استغل اللصوص غيابه هو وعائلته عن المنزل وسرقوا المال وما وجدوه، بالإضافة إلى سيارته الخاصة وبعض الأشياء غالية الثمن.
قسم شرطة المدينة سجل خلال الأيام القليلة الماضية بلاغات عن سرقات طاولت ثلاثة محلات تجارية أحدها محل لبيع الهواتف في الشارع المحوري (أشهر شوارع المحافظة)، ويدعي صاحبه وسيم فلحوط أن اللصوص اقتحموا المحل ليلاً بعد تخريب الأقفال وكسر الباب وسرقوا هواتف ومبالغ بقيمة 18 مليون ليرة.
من جهته، يقول الشرطي يحيى لـ "العربي الجديد" إنّ اللصوص نشطوا ليلة رأس السنة مستغلين غياب بعض الأهالي عن منازلهم والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي. ويشير إلى أن عدد السرقات زاد مؤخراً بشكل ملحوظ، وبلغ عدد السيارات المسروقة ستا منذ بداية الشهر الجاري، فيما تجاوز عدد المنازل المسروقة العشرة، ثلاثة منها خلال ليلة رأس السنة، من بينها منزل لأحد أطباء الأسنان سُرق بالكامل. يضاف إلى ما سبق نشل الحقائب النسائية والهواتف والسطو المسلح ليلاً على بعض المواطنين.
وعن دورهم في حفظ الأمن، يشير إلى عدم قدرة عناصر الشرطة على فعل شيء، وتنحصر مهمتهم في جلب اللصوص الذين يتم القبض عليهم من قبل السكان، مبرراً ذلك بالسلاح الموجود في كل بيت، ما يجعلهم عرضة للقتل على حد قوله.
وتعرض الشاب منذر الشاعر لاعتداء بالضرب ومحاولة خطف أثناء عودته ليلاً إلى منزله الكائن بجوار نقابة المحامين. ويقول لـ "العربي الجديد" إن ثلاثة أشخاص كانوا يستقلون سيارة أجرة، ونزل أحدهم ليسأل عن الصيدلية المناوبة ليلاً. وخلال لحظات، هاجمه البقية، فاشتبك معهم. حاولوا جره إلى السيارة وخطفه، لكنه تمكن من الفرار تاركاً محفظته وهاتفه الجوال. يضيف أنه لم يجد نفعاً في إبلاغ الشرطة. فمنذ سنوات، لم يسمع أن شرطة السويداء اعتقلت لصاً أو أعادت مسروقات لأصحابها.
وتكثر جرائم السرقة في ريف السويداء، وتستهدف منازل المغتربين واللاجئين. ويكاد لا يمر يوم من دون أن تسجل عملية سرقة لأحد المنازل. ويقول مؤنس الداهوك، الذي يعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويملك منزلاً في بلدة عريقة في الريف الغربي لمحافظة السويداء، إن اللصوص لم يبقوا شيئاً في المنزل، وبات شقاء عمره بين يدي اللصوص، هو الذي يقدم مساعدات شهرية للجمعيات الخيرية في البلدة. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" إن "عمليات السرقة هذه تزيد من رغبة المغتربين في البقاء في الخارج".
ولا تنحصر السرقات بالممتلكات الخاصة، إذ يستغل اللصوص ضعف سلطة الرقابة الأمنية والمحاسبة وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة، ليعتدوا على الأملاك العامة ويستبيحوا آبار المياه وأسلاك الكهرباء وخطوط الهاتف. وبعد أقل من شهر على ترميم بعض المرافق العامة ومد خط كهرباء لآبار البلدة بمساعدة متبرعين، سرقت معدات وتجهيزات لبئرين في بلدة الثعلة، كما خربت خطوط المياه بشكل مقصود ومتعمد.
ويقول المهندس أبو جمال الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لـ "العربي الجديد": "لا أشك أبداً في أن الغاية من ذلك التخريب هو استنزاف الأهالي وخصوصاً المغتربين. جميعنا يعلم أن معدات الآبار لا يمكن أن تباع بشكل عشوائي. وأكاد أجزم أن حاميها حراميها".
في السابع من الشهر الجاري، أعلنت الجمعية العلمية السورية في السويداء إرجاء امتحانات تلاميذ التعليم الافتراضي، بسبب سرقة كافة التجهيزات والحواسيب من مقر الجمعية الكائن قرب أحد الفروع الأمنية التابعة للنظام السوري، وبمحاذاة مركز دوريات أمنية دائمة على طريق قنوات، وقدرت السرقات بما يزيد عن 300 مليون ليرة، وشملت خمسة طوابق.
وهذه السرقة ليست جديدة في القطاع التعليمي، فقد سبقتها سرقات عدة لمدارس ومؤسسات تعليمية. وغالباً ما بادر الأهالي لترميم وتعويض المدارس عن هذه المسروقات.
من جهته، يقول الناشط هاني عزام لـ "العربي الجديد" إن "معظم السرقات الكبيرة تطاول المرافق الخدماتية العامة، من مياه وهاتف وكهرباء ومدارس. وجميع هذه السرقات يُخطط لها وتنفذ بدقة وتسجل ضد مجهول وتهدف لإذلال الناس واستنزاف المغتربين وإثارة الخوف والرعب والشك والفرقة بين الأهالي. وهذه السرقات وهذا التخريب المتعمد لا تنفصل عن مصالح المنظومة الحاكمة والتي تدير هذه المؤسسات. وإلا، ما الذي يبرر سرقة الآبار وخطوط الهاتف والمدارس المحروسة من قبل موظفين مسلحين؟".