السوريون في تركيا... صعوبة العبور من الملجأ إلى المواطنة

14 ديسمبر 2020
أكثر من نصف مليون سوري يعيشون في إسطنبول وحدها (دييغو كوبولو/ Getty)
+ الخط -

يعيش في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين و600 ألف سوري، ما يجعلها الملجأ الأكبر لهم، والمكان الذي يحاولون الاندماج فيه اقتصادياً ومجتمعياً، بالرغم من عدم تقبل نسبة من الشعب التركي لهم

من أصل ثلاثة ملايين و627 ألفاً و481 سورياً، يعيشون في تركيا، بحسب الإحصاءات الرسمية، لم يبقَ في المخيمات إلا 59 ألفاً و785، فقط. أما الغالبية العظمى من السوريين الذين يعيشون في تركيا، فقد خرجوا على دفعات متتالية خلال الأعوام الأربعة الماضية من المخيمات، بعد موجات الهجرة والنزوح الممتدة منذ عام 2011 حتى نهاية عام 2015، وبات معظمهم قادراً على تحقيق الاندماج في المجتمع التركي، بمختلف الصعد، ما يعزز في المقابل نظرة نسبة كبيرة من المواطنين الأتراك السلبية تجاههم، رغم تقبل كثيرين لهم كذلك.

وبينما تتشدد تركيا في دخول مزيد من السوريين إليها، فإنّ ذلك لا يخفي أنّها تستضيف أكبر تجمع للسوريين خارج سورية على الإطلاق، بموجب قانون الحماية المؤقتة، ما يمكّنهم من تحقيق اندماج بالمجتمع التركي وتفاعل "لا يقلّ عن معجزة" بحسب وصف مدير "مركز أبحاث الهجرة والاندماج" الأكاديمي، مراد أردوغان، الذي قدم قبل أيام، مسحاً شاملاً للبرلمان التركي حول اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا. وأظهر المسح أنّ 51 في المائة من السوريين الذين يعيشون في تركيا، على استعداد للبقاء فيها بدلاً من العودة إلى وطنهم، بعدما كانت هذه النسبة لا تتجاوز 16.7 في المائة، خلال سنوات اللجوء الأولى، كما أنّ 60 في المائة من السوريين قالوا عام 2017 إنّهم سيعودون إلى بلادهم إن انتهت الحرب وتغير نظام بشار الأسد. ويكشف المسح الذي أجراه "مركز أبحاث الهجرة والاندماج" التابع للجامعة التركية الألمانية، في إسطنبول، عن تبدلات عميقة بالنسبة للسوريين والأتراك في الآن نفسه، إذ إنّ تفضيل السوريين البقاء في تركيا بشكل دائم ارتفع بسرعة خلال السنوات الثلاث الماضية. وهذه النسبة يُمكن أن تُقرأ في اتجاهين متلازمين؛ الأول رضى السوريين عن حياتهم في تركيا، والثاني صعوبة التفكير بالعودة إلى سورية، طالما أنّ النظام ما زال مسيطراً والأوضاع قد تكون أسوأ مما كانت عليه عندما غادروها.

الصورة
سوريون في تركيا- Getty

يقول مراد أردوغان، بالاستناد إلى نتائج المسح، إنّ عدد السوريين الذين يعيشون في تركيا، ويرغبون في ازدواج الجنسية، أي الحصول على الجنسية التركية والاحتفاظ بالجنسية السورية في الوقت نفسه، آخذ في التناقص، إذ بات كثيرون يفضلون جنسية واحدة هي التركية، مستنتجاً أنّ "سعادة السوريين في تركيا قد ازدادت، وأنّ هنالك تصوراً أنّهم يشعرون بتحسّن وأمان أكثر من الأعوام الثلاثة الماضية". كذلك، يشير إلى أنّ نسبة من يعيشون في المخيمات لم تعد تتجاوز 1 في المائة، إذ يعيش معظم السوريين جنباً إلى جنب مع الأتراك، موضحاً أنّ قرابة ثلاثة ملايين سوري يعيشون في مختلف المحافظات، ما سمح بتشكيل نوع من التقبل للوافد الجديد في عقلية المجتمع التركي.
في المقابل، تزايد القلق والخوف وحتى الكراهية، لدى شرائح من المجتمع التركي، بعد اندماج السوريين بسوق العمل والمجتمع وتأسيس شركات، إذ يعتبر كثير من الأتراك أنّ السوريين الذين كان يُنظر إليهم باعتبارهم ضحايا في الأيام الأولى للجوء، باتوا يمثلون الآن عبئاً يتزايد على المجتمع، بالنسبة للبعض. وظهر تطور في عدم تقبل السوريين لدى الأتراك وفق مسح "مركز أبحاث الهجرة والاندماج" إذ كان نحو 70 في المائة من الأتراك عام 2014 يرون أنّهم غير متشابهين أو متساوين ثقافياً مع السوريين، وارتفعت هذه النسبة إلى نحو 82 في المائة في الوقت الراهن. كذلك، اعتبر 75 في المائة من الأتراك أنّهم لا يمكنهم العيش مع السوريين بسلام، ورفض بشكل مباشر 87 في المائة من الأتراك إعطاء حقوق سياسية للسوريين في تركيا، بمن فيهم أعضاء "حزب العدالة والتنمية" الحاكم، بل أكد 27 في المائة من الأتراك، أنّ اللاجئين السوريين من أبرز مشاكل تركيا. وكلّ ذلك تبعاً للمسح المشار إليه، وهو مسح غير شامل، بل يستند إلى عينة فحسب.

من جهته، يعتبر رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة "ابن خلدون" في إسطنبول، رجب شان تورك، أنّ هذه النسب، لا تعكس بالضرورة، رأي جميع الأتراك، بالرغم مما يعرف عن دقة استطلاعات "مركز الهجرة والاندماج"، إذ إنّ عوامل الجغرافيا والعمر والانتماء في العينة المستطلعة، كلّها مهمة ولها دلالاتها. يتابع الأكاديمي التركي في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ هناك قضايا كثيرة أثرت في نظرة بعض الأتراك إلى السوريين، أهمها طول مدة إقامتهم، إذ كان الأتراك يرون أنّ لجوء السوريين سيكون لأجل محدد، لكنّ استمرار الأزمة السورية عشر سنوات، بدّل من رأي الأتراك تجاه أخوتهم السوريين. كذلك، فإنّ ما عملت عليه بعض الأحزاب المعارضة، من استخدام لقضية السوريين كورقة ضغط على الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" زاد من القلق، فنما شعور عدم التقبل، إن لم نقل الكراهية، خصوصاً أنّ تلك الأحزاب نسبت حالات تراجع المستوى المعيشي وزيادة البطالة وتوتر علاقات تركيا الخارجية إلى السوريين. لكن، بشكل عام، يقول شان تورك، إنّ القسم الأكبر من المجتمع التركي تقبّل السوريين، خصوصاً بعد إثباتهم أنّهم ليسوا عالة على الدولة، بل يزيدون الإنتاج ويوفرون فرص عمل، فيما بلادهم ما زالت في حالة حرب ولا يمكن اتخاذ أيّ إجراء بحقهم وفق قانون الحماية.

الصورة
سوريون في تركيا- Getty

ويتزايد سعي السوريين للاندماج والحصول على الجنسية الاستثنائية، ليستقروا ويتمكنوا من تملّك المنازل في تركيا، إذ إنّ السوريين ممنوعون من التملّك هناك. وتقول المعلمة منار عبود: "ليت تركيا تمنحنا الاستقرار عبر الجنسية الاستثنائية، لأنّ ما وجدناه بعد لجوئنا، يشجع على البقاء هنا دائماً، خصوصاً بعد الاندماج، وتعلم أولادنا، وارتباطهم باللغة والبيئة الاجتماعية". وتشير عبود بحديثها لـ"العربي الجديد" إلى أنّها لن تعود إلى سورية حتى لو انتهت الحرب، لأنّ مستقبل أسرتها ارتبط بتركيا التي تقيم فيها منذ ثماني سنوات، وما من قلق لديها سوى عدم الاستقرار، لأنّها هي وأسرتها، مقيمون وفق قانون الحماية المؤقتة، الذي يوفر مزايا تمنحهم التعليم والطبابة المجانية. وحول مدى تقبل الأتراك لوجود السوريين، ترى المعلمة السورية أنّ الأمر نسبي، ويتعلق بأفعال السوريين أنفسهم: "أنا وعائلتي لم نتعرض منذ ثماني سنوات لأيّ حالة تنمر أو عداء، بل على العكس، نعيش في المبنى مع الأتراك كأسرة واحدة".
المثال الأكثر وضوحاً يورده أبو فهمي، وهو خمسيني تنازل عن اللجوء إلى ألمانيا مؤخراً، بعد قبول طلب لجوئه فيها، لأنّ ظروف العيش في تركيا أفضل له ولأسرته كما يعتبر، خصوصاً بعد دخول ابنيه إلى الجامعة وارتباطه بالمكان الذي لا يختلف، لجهة الطبيعة والعادات والأنماط الغذائية، عن سورية. في المقابل، هناك كثيرون غيره يفضلون المخاطرة بحياتهم للوصول إلى أوروبا، وهو ما اتضح تماماً في فبراير/ شباط ومارس/ آذار الماضيين، عندما حاول سوريون وغيرهم من اللاجئين الوصول إلى اليونان عندما أعلنت تركيا عن فتح الحدود.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

في ما يتعلق باحتمالات حصول السوريين على الجنسية التركية، وهل كون وجودهم وفق قانون الحماية المؤقتة، يمنعهم من تقديم طلبات الجنسية أو حتى رفع دعاوى للحصول عليها، بعدما مضى على وجود كثيرين منهم في تركيا أكثر من تسع سنوات، يوضح رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل، أنّ السوريين في تركيا، يخضعون لقانون الحماية المؤقتة وهي منزلة أقل كثيراً من لاجئ وأفضل كثيراً من مجرد مقيم، ذلك أنّ تركيا التي وقعت على اتفاقية حقوق اللاجئين وملاحقها، ظلت متمسكة بتحفظها الجغرافي الذي يحصر صفة اللاجئ بذاك الآتي إليها من الدول الأوروبية ملتمساً اللجوء. وبالتالي، فإنّ المركز القانوني الذي يتمتع به السوريون في تركيا هو أنّهم تحت الحماية المؤقتة، وهذا يعني قانونياً أنّه وبمجرد انتهاء الصراع وتوفر شروط العودة الآمنة التي لا يخشى فيها العائدون أو المرحّلون على حياتهم وحريتهم وكرامتهم، يمكن للدولة التركية إعلان انتهاء حالة الحماية بالنسبة للسوريين ومطالبتهم بالعودة إلى وطنهم. يضيف قرنفل لـ"العربي الجديد" أنّ هذا المركز القانوني لا يقودهم قانونياً إلى الجنسية التركية ولا يمنحهم حق المطالبة بها، ولهذا عمدت الحكومة التركية في نطاق سعيها لكسب الكفاءات العلمية والاقتصادية، إلى إطلاق برنامج لتجنيس بعض السوريين بشكل استثنائي كي يكوّن هؤلاء ربما، قوة ناعمة لها، ورصيداً للمستقبل".