السلّ يعود ليسجّل حضوره على الساحة العالمية بعد 20 عاماً

29 أكتوبر 2022
10.6 ملايين شخص حول العالم أصيبوا بالسلّ في عام 2021 (بونيت بارانجبيه/ فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي تجهد فيه منظمة الصحة العالمية، كما الجهات الصحية المختلفة، لاحتواء أوبئة وأمراض تؤرّق سكان العالم أو بعض أجزاء منه، من قبيل كوفيد-19 والكوليرا، بيّنت المنظمة في تقرير أخير لها ارتفاع أعداد المصابين بمرض السلّ إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ أكثر من 20 عاماً. وقد أعاد مراقبون ذلك الارتفاع إلى الإهمال الذي يطاول المرض كونه يصيب الفقراء، وبالتالي يعمّق الفجوة ما بين الدول النامية والغنية.

وفي تقريرها الذي أصدرته في 27 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أفادت المنظمة الأممية بأنّ أكثر من 10 ملايين شخص (10.6 ملايين) حول العالم أصيبوا بالسلّ في عام 2021، أي بارتفاع نسبته 4.5 في المائة عن العام الذي سبقه. أضافت أنّ نحو 1.6 مليون شخص توفّوا نتيجة إصابتهم بالمرض في عام 2021، في ارتفاع سُجّل لعامَين على التوالي، لا سيما أنّ مصابين كثيرين لم يتمكّنوا من الحصول على تشخيص لحالتهم أو تلقّي علاج في خلال أزمة كورونا الوبائية الممتدة منذ أكثر من عامَين، لا بل تقارب ثلاثة أعوام.

وتأتي بيانات منظمة الصحة العالمية الخاصة بالسلّ في وقت حسّاس، إذ تزايدت في الفترة الأخيرة التقارير، سواء الحكومية منها أو غير الحكومية، التي تتّهم الدول الغنية بالإخفاق في مساعدة الدول النامية في عمليات مكافحة الأمراض المعدية، تُضاف إلى ذلك سياسة "التمسّك" بمخزونات الأدوية لمواجهة أيّ طارئ قد تتعرّض له تلك الدول الغنية.

وبحسب المنظمة التابعة للأمم المتحدة، سُجّلت 450 ألف إصابة بالسلّ المقاوم للأدوية في عام 2021؛ أي بارتفاع ثلاثة في المائة عن عام 2020. وهذه هي المرّة الأولى منذ سنوات عديدة التي يُبلَّغ فيها عن زيادة في عدد الأشخاص المصابين بالسلّ والسلّ المقاوم للأدوية. وفي هذا الإطار، يُذكر أنّ جائحة كورونا عطّلت خدمات يحصل عليها المصابون بالسلّ وغيرها من البرامج الصحية في هذا المجال.

ما هو مرض السلّ؟

يعرّف المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) السلّ بأنّه مرض جرثومي تسبّبه بكتيريا المتفطرة السلية التي تهاجم في العادة الرئتَين، لكنّه في إمكان هذه البكتيريا مهاجمة أيّ عضو من الجسم، من قبيل الكليتَين والعمود الفقري والدماغ.

من جهتها، تشرح مجموعة "مايو كلينك" الطبية والبحثية أنّ بكتيريا السلّ الذي يُعَدّ مرضاً معدياً وخطراً يُصيب الرئتَين في الأساس، تنتقل من شخص إلى آخر من خلال الرذاذ الذي يخرج عبر السعال والعطاس. وتشير المجموعة إلى أنّ عدوى السلّ راحت تتزايد في عام 1985، بعدما كانت الحالات نادرة في البلدان النامية، وتُعيد ذلك إلى حدّ ما إلى ظهور فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب الذي يتسبّب في مرض الإيدز. فالفيروس يضعف الجهاز المناعي لدى الشخص المعني، فيصير غير قادر على مقاومة بكتيريا السلّ.

تضيف "مايو كلينك" أنّ الجسم قد يكون مأوى للبكتيريا المسبّبة للسلّ، لكنّ الجهاز المناعي يمكنه في العادة وقاية المرء من الإصابة بالمرض. ولهذا السبب، يُميّز الأطباء بين نوعَين من السلّ، هما السلّ الكامن والسلّ النشط.

في السلّ الكامن، يكون المرء مصاباً بالعدوى لكنّ البكتيريا غير نشطة ولا تسبّب أيّ أعراض. لكنّ السلّ الكامن، وهو غير معدٍ، قد يتحوّل إلى سلّ نشط، لذا من المهمّ معالجته. أمّا في السلّ النشط، فيشعر المصاب بالمرض وتنتقل العدوى إلى الآخرين. يُذكر أنّ ذلك قد يظهر بعد أسابيع أو حتى سنوات من الإصابة بعدوى بكتيريا السلّ.

وتعدّد "مايو كلينك" أعراض السلّ النشط، وهي السعال لمدّة ثلاثة أو أربعة أسابيع، والسعال المصحوب بدم أو مخاط، وألم في الصدر أو ألم في أثناء التنفّس أو السعال، وفقدان الوزن غير المقصود، والإرهاق، والحمّى، والتعرّق الليلي، والقشعريرة، وفقدان الشهية.

هذا هو الوضع حالياً

وعقب إصدار منظمة الصحة العالمية تقريرها، ناشدت المديرة التنفيذية لمجلس شراكة دحر السلّ (ستوب تي بي بارتنرشيب) لوسيكا ديتيو، بضرورة التحرّك لمواجهة هذه الأزمة الطبية. وقالت، بحسب ما نقلت عنها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، إنّ ثمّة وضعا خطرا جداً مع مرض ينتقل عبر الهواء ومهمل كلياً، وهذا أمر واضح. مضيفة أنّه سُمح له في وضع خطر جداً مع مرض ينتقل عبر الهواء، والذي سُمح له بأن يتمدّد في العامَين الأخيرَين.

وتابعت ديتيو أنّه على الرغم من المنحى التصاعدي الصادم، سواء في معدّلات الوفيات الناجمة عن السلّ أو الإصابات به، فإنّ التمويل الخاص بمكافحة السلّ انخفض في عامَي 2020 و2021، علماً أنّ مستواه كان في الأساس منخفضاً. ورأت أنّ "هذا أمر يثير السخط، ويجعلني أتساءل عن سبب هذا النقص في الاستثمار من أجل السلّ. هل لأنّ الحكومات لا تهتمّ بشعوبها؟ هل لأنّ حياة إنسان يقضي نتيجة إصابة بالسلّ أقلّ أهميّة (من حياة سواه)، أو لأنّ السلّ يصيب بشكل أساسي الفقراء من البلدان الأكثر فقراً ومن المريح تجاهلهم ببساطة؟".

كذلك نقلت "ذا غارديان" عن رئيس تحالف "تي بي آلاينس" لمكافحة السلّ ميل شبيغلمان قوله إنّ كوفيد-19 حوّل "الموارد النادرة" عن البرامج الخاصة بمكافحة السلّ وعن تطوير أدوات جديدة في هذا السياق، بما في ذلك اللقاحات.

وفقًا لتقرير ديسمبر 2021 الصادر عن مجموعة العمل العلاجية و"شراكة دحر السل"، بلغ إجمالي التمويل العالمي لأبحاث السل 915 مليون دولار في عام 2020 - وهو أقل بكثير من الهدف البالغ ملياري دولار الذي حددته الأمم المتحدة في عام 2018. ومن هذا المجموع، فقد تم الإنفاق على 13 في المائة منها على أبحاث اللقاحات، بينما تم استثمار المليارات في لقاحات فيروس كورونا.

وبحسب تقرير مشترك صادر عن فريق "تريتمنت آكشن غروب" وشراكة "ستوب تي بي بارتنرشيب"، في ديسمبر/كانون الأول 2021، بلغ إجمالي التمويل العالمي لأبحاث السلّ 915 مليون دولار أميركي في عام 2020، وهو أقلّ بكثير من المبلغ-الهدف المقدَّر بمليارَي دولار والذي كانت الأمم المتحدة قد حدّدته في عام 2018. ومن المبلغ الذي تمّ جمعه، أُنفقت نسبة 13 في المائة منه فقط على أبحاث خاصة باللقاحات المضادة للسلّ، في حين استُثمرت مليارات من الدولارات في اللقاحات المضادة لكوفيد-19.

أمّا تقرير منظمة الصحة العالمية السنوي حول السلّ، فقد بيّن انخفاضاً في الإنفاق العالمي الخاص بخدمات مكافحة السلّ الأساسية من 6 مليارات دولار في عام 2019 إلى 5.4 مليارات دولار في عام 2021، وهو أقلّ من نصف المبلغ-الهدف العالمي المقدَّر بـ13 مليار دولار.

يُذكر أنّ المصدر الرئيسي لتمويل مكافحة السلّ هو الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسلّ والملاريا الذي تلقّى الشهر الماضي 14.25 مليار دولار، من أصل 18 مليار دولار لتمويل عمله في خلال السنوات الثلاث المقبلة.

تجدر الإشارة إلى أنّ ثماني دول تشكّل نحو ثلثَي إجمالي إصابات السلّ العالمية، وهي الهند وإندونيسيا والصين والفيليبين وباكستان ونيجيريا وبنغلادش وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتُعَدّ الهند وإندونيسيا وميانمار والفيليبين من أكثر الدول التي تُسجَّل فيها نسب كبيرة من الوفيات بسبب المرض.

المساهمون