من دواعي العقاب المغلّظ في طفولتنا الباكرة أن نضبط ونحن نمارس العنف على حيوان أو طائر، بيد أن العقاب كان يصاحب بعبارات رقيقة تشير إلى وداعة وضعف الحيوانات والطيور في مقابل قسوتنا غير المبررة، وأدركنا لاحقاً أن أسلافنا كانوا يسعون إلى غرس قيم ومعاني التعايش والتراحم فينا.
ظل دعاة حقوق الحيوان ينادون بأن لبعض، أو لكل الحيوانات الحق في امتلاك حياتهم الخاصة، وتلك أكبر مصالحهم الأساسية، وذكر الفيلسوف البريطاني جون لوك (1642-1704) في كتابه "بعض الأفكار المتعلقة بالتربية" الصادر في 1693، أن "للحيوانات مشاعر، وأن التعامل معها بقسوة غير ضرورية يعتبر فساداً أخلاقياً، كما أن التعرض للأذى من قبل الحيوانات المتوحشة لا يعطي الحق في القسوة عليها".
غير أن بعض الحيوانات والطيور تتعدّى على ممتلكات البشر، ما دعا البعض لابتكار وسائل دفاع مهذبة لا تتعدى التخويف، كالفزّاعة (من فعل فزع)، أو خيال (الما-آتا)، وهذه عبارة قبطية من مقطعين، تعني خيال الفلاح المصنوع من عيدان تغطى بالقماش لتوحي للطيور والحيوانات سارقة الحبوب والمحصول بوجود صاحب الحقل، فتخاف وتهرب. وفي لغات أخرى كالإنكليزية تعني (مخيف الغراب)، وهي (الهوليقة) في بعض أجزاء السودان، أو (الهمبول)، ويعود أصلها في قاموس العامية السودانية للدكتور عون الشريف قاسم إلى مادة (هَمْبَل) أو (الِخرقة) التي تُوضع على رأس عُود مدفون في الأرض يمثل قامة رجل، ويربط فيه بشكل أفقي عمود أقصر يمثل اليدين، فيبدو كأنه مزارع يقف وسط الزرع. وقد ألحق البعض تطويراً بـ(الشبح الوهمي) بتوظيف اتجاه الرياح لتحريك الأطراف، مع تقنيات أخرى لإصدار الأصوات.
وفكرة (الهمبُول) عند الكاتب السوداني عماد البليك "نتاج لتراكم معرفي للعقل الشعبي في صراعه مع الطبيعة، كوسيلة للدفاع عن طريق التخويف. والخوف غريزة طبيعية وضرورية في بعض الأحيان، يدفعنا لندافع عما نخاف عليه، خاصة عندما يكون ما نخاف عليه يمثل وجودنا في الحياة".
في بعض البلدان الأفريقية تهدد الفيلة الحقول، وتلحق أضرارا بالمحاصيل، وتطاول التجمعات السكنية، فعمل البعض على الاستعانة بالنحل لطردها، إذ إن الفيلة حساسة تجاه لسعاتها. ولاحقاً اختبر باحثون طريقة يمكنها أن تمثل دفاعاً مهذباً للغاية من هجمات الفيلة، إذ أثبت علماء في جنوب أفريقيا أن المواد التحذيرية التي يطلقها النحل كفيلة بإبعاد الفيلة، ونُشرت نتائج الدراسة التي استمرت لثلاثة أشهر في صحيفة (الأحياء المعاصرة)، إذ تم تصنيع مادة (الفيرومونات) معملياً، مع أجهزة صوت تحاكي طنين النحل. ونجح الأمر بالقدر الذي جعل العلماء يبحثون تأثير المواد المخلقة على حيوانات أخرى كالذئاب.
(متخصص في شؤون البيئة)