تواصل السلطات الصحية اليمنية التابعة لسلطة الحوثيين إخفاء أرقام الإصابات بفيروس كورونا الجديد، على الرغم من تفشي الموجة الثانية من الوباء بشكل واسع في صنعاء وتسجيل عشرات الوفيات منذ منتصف مارس/ آذار الماضي. ومنذ موجة كورونا الأولى، لم تكشف وزارة الصحة التابعة لسلطة الحوثيين إلا عن وفاة واحدة وأربع إصابات في مايو/ أيار الماضي، لتعلن بعد ذلك انتهاج سياسة خاصة بها تقوم على عدم الكشف عن أرقام الإصابات بهدف الحفاظ على معنويات المواطنين وعدم التهويل بشأن مرض كوفيد-19 للحفاظ على المناعة.
وأدى تهاون سلطات الحوثيين في اليمن مع الوباء إلى تفشّ واسع لعدوى كورونا. ويؤكد مصدر طبي في صنعاء لـ"العربي الجديد" أنّ "الوفيات المسجلة في الشهر المنصرم، تحديداً منذ منتصف مارس/ آذار الماضي حتى منتصف إبريل/ نيسان الجاري، تخطّت 50 وفاة، من بينها وفيات مسؤولين بارزين في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً".
وفي السياق نفسه، ساهم تساهل تلك السلطات في مضاعفة أعداد الإصابات بالفيروس في خلال الموجة الثانية. فوزارة الصحة في صنعاء أجبرت المرافق الحكومية والخاصة على استقبال كل الحالات المشتبه فيها والتعامل معها على أنّها حالات أمراض تنفسية فقط، وهو ما أدّى إلى التخالط ما بين مصابين بكوفيد-19 ومرضى آخرين وطواقم طبية. ويشير مواطنون إلى أنّ عشرات الأسر تعرّضت بجميع أفرادها إلى الإصابة في خلال الأسابيع الأربعة الماضية بأعراض الفيروس، غير أنّ التوجّه إلى المرافق الصحية ظلّ محصوراً بالحالات الحرجة التي تستدعي أجهزة تنفس صناعي أو أكسجين.
تجدر الإشارة إلى أنّ سلطات الحوثيين رفضت تزويد منظمة الصحة العالمية في صنعاء بالبيانات الخاصة بكورونا منذ مطلع مارس/ آذار الماضي، وقد أكد تقرير أممي حديث أنّ الأرقام "غير متاحة". لكنّه، على الرغم من التعتيم الحاصل، أشار إلى أنّ المعطيات غير الرسمية تدل على ارتفاع في الإصابات في كل المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين في شمال اليمن. وتعتمد منظمة الصحة العالمية في خلال تحديث الوضع الصحي في اليمن، على الأرقام الواردة من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً. يُذكر أنّ وزارة الصحة في عدن، أحصت حتى 14 إبريل/ نيسان الجاري، 5582 إصابة، من بينها 1083 وفاة.
وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، فإنّ معدّل الوفيات في وحدات العناية المركزية في المستشفيات ارتفع إلى 21 في المائة، وأرجع ذلك إلى "تأخّر وصول المرضى (إلى المستشفيات) وانعدام الموارد البشرية من ذوي الخبرة والإمكانات". وأوضح المكتب في تقرير اطّلع "العربي الجديد" عليه، أنّ عدد الإصابات في اليمن ارتفع من 10 إصابات في الأسبوع الواحد في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 إلى 691 إصابة في الأسبوع الأخير من مارس/ آذار الماضي، كذلك ارتفعت حصيلة الوفيات إلى 95 وفاة في الأسبوع الواحد.
ولا يُعَدّ إخفاء الأرقام التعاطي السلبي الوحيد لسلطات الحوثيين مع أزمة كورونا، فوزارة الصحة في صنعاء عمدت إلى بيع محاليل فحوصات "بي سي آر" في السوق السوداء، على الرغم من أنّها مقدّمة من منظمة الصحة العالمية مجاناً.
ويخبر أحد المصابين في صنعاء، فضّل عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية، أنّه خضع لفحص كورونا في المختبر المركزي بالعاصمة يوم الإثنين الماضي، بعد دفع مبلغ 60 ألف ريال يمني (نحو 100 دولار أميركي). يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "على الرغم من أنّ نتيجة فحصي أتت موجبة، فإنّ السلطات الصحية لم تطلب منّي الذهاب إلى مركز عزل حكومي، بل تركت لي خيار المغادرة، وذلك في تهاون غير مسبوق مع الوباء". بالنسبة إليه، فإنّ "الهدف من بيع محاليل فحوصات كورونا بهذه المبالغ الباهظة، هو الحدّ من اكتشاف الإصابات، إذ يصعب على المواطن العادي تحمّل التكاليف"، لافتاً إلى أنّ "الذين يقصدون المختبر المركزي لإجراء الفحوصات هم في الغالب موظفو منظمات دولية".
في المقابل، يوضح مسؤول في وزارة الصحة في عدن لـ"العربي الجديد"، أنّ "المختبرات المركزية في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية رفعت سقف الفحوصات اليومية إلى أكثر من ألفَي فحص للحالات المشتبه فيها ومجاناً"، لافتاً إلى أنّ "السلطات الصحية هي التي تحثّ المواطنين على التوجه إلى المختبرات لإجراء الفحوصات، على الرغم من رفض كثيرين خشية من الوصم".
وبعيداً عن فحوصات كورونا، تخشى منظمات دولية أن تتعامل سلطات الحوثيين مع اللقاحات المضادة لكوفيد-19 والمقدّمة من ضمن مبادرة "كوفاكس" المعنية بتوفير اللقاحات، بالطريقة الاستثمارية ذاتها بهدف جني الأموال فقط. يُذكر أنّ وزارة الصحة في عدن سلّمت وزارة الصحة في صنعاء 10 آلاف جرعة من اللقاحات فقط عبر منظمة الصحة العالمية، في اليومَين الماضيين. وبحسب منظمة الصحة العالمية، من المقرر أن يتسلم اليمن 1.9 مليون جرعة لقاح مضاد لكوفيد-19 في خلال العام الجاري، علماً أنّه حتى منتصف إبريل/ نيسان الجاري، لم تصل سوى دفعة واحدة في 31 مارس/ آذار الماضي، تضمّ 360 ألف جرعة من لقاح "أوكسفورد-أسترازينيكا" مع 13 ألف صندوق آمن لحفظ الجرعات.