أصدرت حكومة الوحدة المؤقتة الليبية، في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، قراراً يخوّل وزارة التربية والتعليم بالتعاقد خلال عام 2022، على بناء 1500 مدرسة موزعة على مختلف مناطق البلاد، وذلك خلال فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات، بواقع 500 مدرسة في كل سنة.
وأوصى القرار الحكومي بأن تكون الأولوية لإنشاء مدارس بديلة لتلك المتهالكة ومدارس الصفيح، ووفقاً للمواصفات المعتمدة من مصلحة المرافق التعليمية، وطالب بضرورة العمل على وضع تصور للمراحل الفنية، وما يلزمها من تمويل، مشيراً إلى أن خطة بناء المدارس بدأت فعلياً في نهاية عام 2021، عبر البدء ببناء 146 مدرسة جديدة، على أن يُشرَع ببناء 200 مدرسة أخرى خلال عام 2022.
ويؤكد تربويون أنّ عدد المدارس الجديدة المعلن غير كافٍ لتجاوز أزمة ندرة المدارس التي تعاني منها جميع مناطق البلاد، خصوصاً بعد أن تضرر الكثير من المدارس القائمة خلال سنوات الحرب الأخيرة.
وفيما عبّرت الحكومة عن استنكارها لإهمال صيانة المدارس بعد بنائها، الذي يسبّب سرعة تهالكها، أكدت ضرورة متابعة مصلحة المرافق التعليمية لأوضاع المدارس العاملة، وإجراء الصيانة اللازمة لها بصفة دورية.
وتضررت مئات المدارس في مختلف المناطق، وخصوصاً مناطق المواجهات مثل بنغازي، ودرنة، ومناطق الهلال النفطي، وفي العاصمة طرابلس، وترهونة، وغربان، بالإضافة إلى مناطق الجنوب مثل أوباري، ومرزق، وسبها وغيرها.
وتشكك هبة الأنصاري، المعلمة بإحدى المدارس الثانوية في حيّ قصر بن غشير، جنوبيّ طرابلس، في صدق النيّات الحكومية الخاصة بإعادة النظر في أوضاع المدارس، مشيرة إلى بيان سابق لوزارة التعليم، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت فيه عن حاجة أربعة أحياء في طرابلس إلى عشرات المدارس البديلة، ما يعني أن العدد المطلوب في كل مناطق البلاد أكبر بكثير من 1500 مدرسة.
وقالت الأنصاري لـ"العربي الجديد"، إن "البيان كان يتحدث عن الحاجة إلى 170 مدرسة بديلة من مدارس الصفيح التي يدرس فيها الطلاب، فإذا كان هذا عدد مدارس الصفيح التي بُنيت بديلاً من المدارس المتضررة من الحرب، فماذا عن عدد المدارس المتهالكة بمرور الزمن؟ يمكن القول إن أحدث مدرسة في البلاد قد شيدت قبل نحو 30 سنة، وبالطبع لا تجري صيانتها".
وتعاني المدارس الحكومية من اكتظاظ كبير للطلاب، إذ ضُمَّ طلاب مدارس تهدمت، أو تضررت بشكل كبير، إلى المدارس القريبة كأحد الحلول المؤقتة، وتؤكد الأنصاري أن "أغلب تلك المدارس المتضررة والمهدمة لا يزال في انتظار قرارات الحكومة بإعادة تأهيلها، ومنها عدد من مدارس بلدية عين زاره، التي لم تستقبل الطلاب هذا العام، ونقل طلابها إلى مدارس أخرى".
وأشار بيان لمراقبة التعليم في بلدية عين زارة، في شهر نوفمبر الماضي، إلى بدء العام الدراسي في 31 مدرسة فقط، وتأجيله في ثماني مدارس أخرى لـ"عدم جاهزيتها لاستقبال الطلاب"، مشيراً إلى توزيع طلاب المدارس المتضررة على المدارس العاملة "إلى حين صيانتها".
وفي سرت، التي شهدت حرباً ضروساً ضد تنظيم الدولة خلال عام 2016، تضرر أغلب المدارس، والحال نفسه في بنغازي، ودرنة اللتين عانتا من حروب لمدة أربع سنوات.
ويؤكد حسين درباش، وهو مهندس في مصلحة التقنيات وصيانة المرافق التعليمية الحكومية، أنه "حتى المدارس التي خرجت من الحروب من دون أضرار، تضررت بسبب النازحين، بعد أن تحولت إلى ملاجئ لهم عقب فقدانهم لمنازلهم".
وأضاف درباش لـ"العربي الجديد"، أنّ "عدد المدارس المستهدف إنشاؤها من قبل الحكومة قد يسد نسبة كبيرة من العجز القائم، لكنه لن ينهي الأزمة، ولن تكون مبالغة إن قلت إن كل مدارس البلاد تحتاج إلى صيانة بسبب قدم بنائها. نجحت بعض البلديات في صيانة عدد من المدارس بجهود فردية، لكن العجز لا يزال كبيراً".
وأوضح: "في بنغازي، عانت أكثر من 160 مدرسة من ويلات الحرب، وبعضها سُوِّيت بالأرض بسبب تمترس المقاتلين فيها، والأمر نفسه حدث أيضاً في مناطق جنوب طرابلس، إذ اتخذها طرفا القتال مقرات، وأدارا من داخلها عمليات حربية، والعديد منها لم تعد قادرة على استقبال الطلاب بسبب الألغام التي وجدت مزروعة فيها، ويحتاج الأمر إلى وقت طويل لتنظيفها، وإخراج مخلفات الحرب منها".
اضطرت مدرسة الوحدة للطلاب المكفوفين، في مدينة الخميس شرقي طرابلس، إلى تحويل مطبخ المدرسة إلى فصل دراسي بسبب تزايد عدد الطلبة، وكشف عبد السلام ضو، وهو والد أحد طلاب المدرسة، لـ"العربي الجديد"، أنها "المدرسة الوحيدة للمكفوفين، ليس في مدينة الخميس، بل في كل المنطقة المجاورة لها، ولا حلول أمامي سوى قطع مسافة تزيد على 100 كم يومياً من منطقتي في قصر الأخيار إلى مدينة الخميس، كي يتعلم طفلي الكفيف، على الرغم من أن المدرسة لا تتوافر فيها كل اشتراطات تعليم المكفوفين اللازمة، إذ كانت مجرد مبنى حكومي حُوِّل إلى مدرسة في عام 2015، وحصل ذلك بطريقة عشوائية".