الحصبة تهدّد دول البلقان

05 مارس 2022
تشجع الوالدة على تلقّي اللقاح المضاد للحصبة (سافو بريليفيتش/ فرانس برس)
+ الخط -

بعدما لقّحت طفلها البكر ضد الحصبة، رفضت عالمة النفس فانيا، المقيمة في بودغوريتشا عاصمة مونتينيغرو، تطعيم ابنها الأصغر لحمايته من المرض نفسه، متأثرة بسيل من الآراء والمعلومات المنشورة من جهات مناهضة للتلقيح عبر مجموعة إلكترونية.

وتقول فانيا (44 عاماً): "لا أثق في نظام التطعيم، ونفتقر إلى المعلومات والتعليم"، مضيفةً: "أشعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي، ولم يكن اتّخاذ القرار بسيطاً وسهلاً". ويتّخذ الكثير من الأهل الخيار نفسه في الدولة الصغيرة الواقعة في منطقة البلقان.

وتسجّل مونتينيغرو أدنى معدّل في التطعيم المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR) في العالم. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ 23,8 في المائة من الأطفال فقط تلقّوا الجرعة الأولى عام 2020.

ويخشى الخبراء من تفشٍ وشيك للحصبة في مونتينيغرو ودول البلقان المجاورة لها، حيث تتراجع نسبة التطعيم إلى جرعتين بسبب انتشار معلومات مضللة، خصوصاً في زمن جائحة كوفيد-19.

مرض قاتل
ويقول المسؤول عن برامج التحصين في منظمة الصحة العالمية، دراغان يانكوفيتش، إنّ "خطر تفشي الحصبة كبير"، مضيفاً أنّ "نقل الفيروس ليس إلا مسألة وقت. بمجرد أن ينتقل إلى مجموعة معرضة للإصابة سيتفشى الوباء".

وفي مقدونيا الشمالية المجاورة، تلقّى 63 في المائة من الأطفال جرعة من اللقاح المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية. أما في صربيا، فبلغت النسبة 78 في المائة.

ويشير خبراء إلى أن منع انتشار الحصبة يحتاج إلى تلقيح 95 في المائة على الأقل من السكان بالجرعات كلّها من اللقاح المضاد للمرض شديد العدوى والذي يمكن أن يكون قاتلاً.

ويزداد عدم الثقة باللقاح المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية منذ عقدين، بسبب دراسة خاطئة أجريت عام 1998 وأشارت إلى وجود صلة بين اللقاح واضطراب طيف التوحد.

وضاعفت الأمم المتحدة تحذيراتها، موضحةً أنّ الظروف مثالية لانتشار أمراض يمكن الوقاية منها، بينما صعّبت جائحة كورونا إمكانية الحصول على اللقاحات الروتينية.

وتسببت الحصبة في مقتل أكثر من 207 أشخاص في العالم عام 2019، ولم يحدّ هذا الرقم من انخفاض نسبة التطعيم في أماكن عدّة.

عدم ثقة 
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ معدّل التطعيم بالجرعة الأولى انخفض من 86 في المائة إلى 84 في المائة في العالم بين عامي 2019 و2020، في حين بلغت نسبة الملقحين بالكامل، أي بجرعتين، خلال الفترة الزمنية نفسها، 70 في المائة.

ويمثّل عدم الثقة بالسلطات في دول البلقان أحد عوامل توسع موجة مناهضة التطعيم، بالإضافة إلى التراخي في تطبيق القوانين، وسيل من المعلومات المضللة المنتشرة عبر مواقع التواصل منذ بدء جائحة كوفيد-19.

ودعا الأطباء في مونتينيغرو، الحكومة، إلى التعامل بجدية أكبر مع الأمور، معتبرين أنّ الغرامات البسيطة المفروضة على أهل يرفضون تطعيم أطفالهم لم تساهم في تغيير الوضع.

اللقاح المضاد للحصبة (سافو بريليفيتش/ فرانس برس)
اللقاح المضاد للحصبة (سافو بريليفيتش/ فرانس برس)

وتقول عالمة الأوبئة في معهد مونتينيغرو للصحة العامة، ميلينا بوبوفيتش ساماردزيتش، إنّ "التطعيم ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية ليس شرطاً لالتحاق الأطفال بالمدارس والحضانات".

وأظهر استطلاع للرأي أعدته شركة "إيبسوس" عام 2021، أنّ نحو ثلث سكان مونتينيغرو يؤيدون نظرية مؤامرة تتهم السلطات برغبتها في حقن الأطفال بمواد تسبّب اضطراب طيف التوحد. كما بيّن أن أكثر من نصف السكان مقتنعون بأنّ "النخب العالمية" أوجدت فيروس كورونا لتقليص عدد سكان الأرض.

أما في صربيا، فاللقاح إلزامي للتلاميذ، لكنّ الخبراء يتهمون السلطات بغض الطرف عن المخالفين، وبالتحرّك فقط في حالات تفشي الفيروس.

لا مسؤولية 
ويرى رئيس جمعية أطباء الأطفال في صربيا يورغوس كونستانتينيديس أنّ "الدولة يجب أن تلتزم بقوانينها"، لافتاً إلى "عدم التزام أي جهة، لا الأهل ولا أولئك الذين يسجلون أطفالهم في الحضانات عبر اللجوء إلى الوساطات".

ويعود آخر وباء انتشر في صربيا إلى عام 2017، إذ سجلت 3800 إصابة و12 حالة وفاة من بينهم طفلان.

وبدأت النيابة العامة محاكمات ضد 43 من مناهضي التطعيم المتهمين بـ"نشر الذعر" لكن لم تتم إدانة أي منهم، على ما يوضح فلاديمير سيمرمان، وهو طبيب من بلغراد رفع إحدى الدعاوى.

وفي ظل احتمال تفشٍ جديد للفيروس يلوح في الأفق، يشعر الأطباء بأنّ تحذيراتهم لا تلقى آذاناً صاغية. ويقول كونستانتينيديس: "نفتقد إلى المسؤولية الجماعية. سئمت من كل شيء"، مضيفاً "اختفت القيم الإنسانية الأساسية من مجتمعنا ومن العالم كله على السواء".
(فرانس برس)

المساهمون