الحرب على غزة... "كابوس" يقلق الحوامل والأطفال الرضّع

14 نوفمبر 2023
أكثر من 180 سيدة حاملاً يلدن يومياً في غزة (Getty)
+ الخط -

نحو 50 ألف امرأة حامل، تلد أكثر من 180 منهنّ يومياً، في قطاع غزة المحاصر تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي التي لم تهدأ منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، يعانين من ويلات الحرب وألم المخاض، وولادة أطفال بدون توافر الحد الأدنى من مقومات الحياة.

"كل ما أريده أن أرى طفلي وأحضنه" قالتها أم إبراهيم عليان الحامل في الشهر الثامن وهي تربت على بطنها، موجزة معاناتها مع العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر.

أم إبراهيم، لديها 5 أطفال، غير جنينها المنتظر، الذي قاسى ألوانا متعددة من المعاناة قبل أن ترى عيناه الدنيا، من قصف متواصل وغبار جراء انهيار المباني السكنية، ورحلة نزوح من مدينة غزة استمرت لساعات سيرا على قدميها، تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي، إلى أن وصلت لوادي غزة عبر إحدى السيارات التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

الصورة
أطفال حديثي الولادة في غزة (الأناضول)
أطفال حديثو الولادة في غزة (Getty)

لجأت أم إبراهيم مع عائلتها إلى مدرسة تابعة لأونروا في رفح، منذ أكثر من أسبوعين، بعد تعرّض مستشفى النصر للأطفال في حي النصر لقصف عنيف وتضرر منزلهم المجاور، تقول عن رحلتها: "من جراء السير لمسافات طويلة وصوت الغارات ورائحة الفوسفور والدخان أصبت بسعال وبدت عليّ أعراض الولادة المبكرة".

تضيف: "ذهبت إلى مستشفى قبل ثلاثة أيام حيث أبقوني هناك ومنعوني من الحركة إطلاقاً. وجئت اليوم إلى المدرسة على مسؤوليتي لأطمئن إلى أطفالي بسبب عدم إمكانية الاتصال بهم وسأعود إلى المستشفى فوراً".

تتماسك أم إبراهيم حتى لا تبكي، مضيفة: "أعاني من أزمة صدرية ومناعتي ضعيفة، وأخبرني الأطباء أن الجنين أيضا قد يعاني من أزمة. أشعر بالرعب، أشعر بأنني قد أفقده في أي لحظة".

ولادة بدون توافر مقومات الحياة

الرضيع محمد كلاب، ولد قبل أسابيع من الحرب على غزة، حيث خرج نصف المستشفيات عن الخدمة في خضم انقطاع الكهرباء، ونقص مياه الشرب والمواد الغذائية والأدوية، واضطرار السكان إلى النزوح.

ومحمد هو سابع طفل لوالديه اللذين نزحا مع أطفالهما من منزلهم في جنوب شرق مدينة رفح إلى مدرسة تابعة للأمم المتحدة، تقول والدته فدوى كلاب: "ولادة هذا الطفل كانت أصعب تجربة مررت بها، فأنا أشعر بعجزي عن حماية أطفالي وتوفير أي نوع من متطلبات الحياة لهم، وسبّب لي ذلك اكتئاباً حاداً وأثّر على علاقتي بهم لأنني أصبحت متوترة جداً".

الصورة
سيدة نازحة تحتضن رضيعها في إحدى مدارس أونروا (Getty)
سيدة نازحة تحتضن رضيعها في إحدى مدارس أونروا (Getty)

تضيف فدوى: "أشعر بالحزن عليه، أتى إلى الدنيا في ظل غياب الحد الأدنى من المقومات الأساسية لضمان الحياة"، مؤكدة أن حتى إمكانية الرضاعة الطبيعية غير متوفرة.

تحتاج المرأة المرضعة إلى شرب حوالي ثلاثة لترات من المياه يوميًا وتناول كفايتها من الطعام، حتى تدر الحليب. ولكن في ظل نقص مياه الشرب تقول فدوى: "نتسابق على قارورة مياه واحدة لنتشاركها مع عائلاتنا".

وتابعت: "اضطررت إلى اللجوء للحليب الصناعي منذ ولادة طفلي لأنني أعاني من نقص التغذية، وحتى هذا الحليب غير متوفر باستمرار، فأجد نوعاً ولا أجده في المرة الثانية فأستخدم نوعاً آخر ما يسبّب له مغصاً"، مضيفة أن "الحفاضات غير متوفرة أيضاً أصيب الطفل بتسلّخات جلدية شديدة وبات ينزف لأنني حاولت ترك الحفاض عليه لأطول فترة ممكنة".

الصورة
موالد تحت القصف على غزة (Getty)
ولادات تحت القصف على غزة (Getty)

ولا يتوقف الرضيع عن السعال والبكاء بينما يخرج من عينيه ما يشبه الصديد من شدة الالتهابات. وتأمل فدوى أن تجد في المدرسة التابعة لـ"أونروا" حيث نزحت، ملاذاًَ آمناً يحميها من قصف الاحتلال الإسرائيلي المكثّف على القطاع.

"لا ضوء لعلاج طفلي من اليرقان"

تحمل نجوى سالم (37 عاماً) ابنها الثاني البالغ عشرة أيام ملفوفاً ببطانيات سميكة. إذ يعاني الرضيع من اليرقان بينما خرجت أكثر من نصف مستشفيات القطاع عن الخدمة، ولا تملك المستشفيات الأخرى ما يكفي من الوقود لتوفير جلسات العلاج الضوئي لحالته.

تقول: "وضع ابني الصحي صعب وليس لدي حفاضات أو حليب أو حتى ملابس"، مضيفة: "نزحت إلى المدرسة خلال الشهر الأخير من حملي مع زوجي وطفلي وعمتي. جلسنا في الساحة قبل أن يسجلوا أسماءنا لندخل إلى غرفة".

وروت أنها خضعت "لعملية قيصرية في 28 تشرين الأول/أكتوبر"، ومكثت في المستشفى ليلة واحدة. وأنها "طلبت أن أبقى يومين إضافيين لكن أخبروني أن ذلك غير ممكن بسبب كثرة المصابين. أعاني من التهابات مكان الجرح ويزداد وضعي سوءاً بسبب قلة النظافة ولا أملك نقوداً لدفع ثمن العلاج".

الغبار واليرقان وانتشار القمامة

ويشكل الغبار الكثيف الناجم عن القصف والمنتشر في كل مكان تهديداً آخر، وخصوصاً لصحة الأطفال، علماً أنه بهدف تقليل مخاطر الأضرار العصبية لليرقان، يجب أن يتعرض الطفل لضوء النهار.

تقول نجوى سالم: "أخاف أن أخرج من غرفة الصف في المدرسة رغم أنها مكتظة بنحو سبعين شخصاً، بسبب انتشار القمامة وروائح الطبخ والقصف في الخارج"، متذكرة أنه "منذ يومين اقترب القصف وانتشر الغبار والدخان، ولم أستطع أن أحمي طفلي الرضيع وأخاه البالغ عامين إلا بوضع محارم مبللة على أنفيهما".

لا مكان للحوامل في غزة

من جهته، أكد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية دومينيك ألين أن الحوامل "ليس لديهن مكان يذهبن إليه"، بينما تشير تقديرات الصندوق إلى أن "15 بالمائة من الولادات على الأقل سوف تنطوي على مضاعفات تتطلب رعاية توليدية"، وهو أمر غير متوفر في غزة التي مزقتها الحرب.

ويصف صندوق الأمم المتحدة للسكان، الوضع بأنه "كابوس"، مؤكدا أن نساء يغادرن المستشفى بعد ثلاث ساعات من الولادة، وأن المستشفيات تعاني من نقص في الدم ما يعرقل علاج المصابات بنزيف ما بعد الولادة، مضيفاً أن إغلاق الندبات القيصرية وقطع الحبل السري يتمان بدون أي محلول مطهر.

ويصف ألين "كابوس غزة" بأنه "أكبر بكثير من أن يكون مجرد أزمة إنسانية، إنه أزمة إنسانيتنا".

وتمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان من إدخال 8 آلاف "علبة من أدوات النظافة الصحية" تحتوي، من بين أشياء أخرى، على لوازم لقطع الحبل السري، وبطانية لتدفئة الأطفال حديثي الولادة"، ويمثل ذلك قطرة في بحر احتياجات 2.4 مليون شخص في قطاع غزة، وخصوصاً النساء الحوامل اللواتي يُجبرن أحيانًا على الولادة في مخيمات أو على الطريق.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون