أنشئت حديقة التجارب العلمية في عام 1832، وتُعَدّ من حدائق التنوع البيئي والنباتي، وكانت ولا تزال مقصداً لعشاق الطبيعة والسياحة والسينما، وهي تجمع الكثير من أنواع النباتات التي جُلبت من أنحاء العالم، وتقابل البحر المتوسط من الجهة الشمالية، ما يبعث نسيماً محملاً بالأملاح، ورذاذاً يلطف الجو، فضلاً عن حماية النباتات من الرياح الساخنة التي تضرب المنطقة من الجهة الجنوبية المواجهة للتلة الغابية التي يرتكز عليها "مقام الشهيد".
قبل إنشاء الحديقة، كان المكان يضم بعض الأشجار الفريدة من نوعها التي غرسها الأتراك، ومن بينها "البلاتان"، ومنها جاء اسم "مقهى البلاتان"، وهو مكان يتجمع فيه الشعراء والأدباء والكتاب.
يقول الباحث المهتم بتاريخ الحديقة، عبد الوهاب بو عباس، إن فكرة إنشائها ظهرت في عام 1982، من طرف الحاكم الإداري الفرنسي بيار جانتي بيسي، والجنرال أنطوان أديسا، وصممت الحديقة لتكون مكاناً للتجارب العلمية، ومختبراً للبحوث الزراعية، على أن تُنقَل النباتات والأشجار لتسويقها في القارة الأوروبية. ويضيف بو عباس: "واجهت الفرنسيين في البداية صعوبات كبيرة بسبب المستنقعات التي كانت في المنطقة، فجفّفوا منطقة أسفل تلة غابات المداخل الموجودة في أعالي مدينة الجزائر، وكان الاتفاق الأولي على تخصيص مساحة تقارب 5 هكتارات لحديقة تجارب صغيرة، وفي عام 1837، ضُمَّت أراضٍ أخرى، لتصير مساحة الحديقة نحو 18 هكتاراً، ثم وُسِّعَت مجدداً في 1900، بعد تخصيص مساحة أخرى لتربية الحيوانات، ليُبدأ في 1929 بإنجاز حديقتين على الطراز العالمي من قبل المهندسين المعماريين الفرنسيين رينييه وجيون، لتتحول إلى واحدة من أكبر الحدائق في العالم". وتُعَدّ حديقة الحامة فضاءً طبيعياً نادراً من حيث التنوع البيولوجي والثراء النباتي، إذ تضم أكثر من 2500 نوع من أشجار ونباتات، بعضها يزيد عمره على قرن ونصف قرن، وأكثر من 25 نوعاً من أشجار النخيل، ونباتات فريدة أحضرت من مختلف أرجاء العالم.
وتقول المكلفة بالإعلام في الحديقة، سناء جبالي، إنّ "الحديقة تضم العديد من الأنواع النباتية، ومن بينها شجرة ورد يبلغ ارتفاعها ثلاثين متراً، وعمرها مائة سنة تقريباً، وأشجار نخيل من أنواع مثل (البلميط) و(البيلسان) التي قد يصل ارتفاعها إلى 40 متراً، إضافة إلى الكافور والخيزران، وشجرة (الجنكة) وأشجار الكزبرة التي يطلق عليها عشبة الذكاء، وشجرة الدارسينا التي تعرف أيضاً بأشجار التنين، وتشكل ممراً مظللاً لتشابك أغصانها المورقة، وأشجار الشنار السامقة، وهي أشجار استوائية". تضيف جبالي: "ضمن المساحة الخضراء الكبيرة حديقة صممت على الطرازالفرنسي الكلاسيكي، وتشبه الحدائق الملكية الموجودة في قصر فرساي بباريس، وجرى تنسيقها ليظهر الممشى محفوفاً بالعشب، ومحاطاً بصفوف منتظمة من الأشجار الكبيرة التي تتوسطها مسطحات مائية مغلقة، وحديقة أخرى ذات طابع بريطاني تتشكل من مساحات خضراء كبيرة، وبرك الماء التي تحتوي على أنواع عديدة من الأسماك، فضلاً عن وجود عشرات من أنواع الطيور والحيوانات الأليفة والمتوحشة".
وجلبت نوعية الأشجار المغروسة في الحديقة اهتمام عشاق السينما منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إذ صُوِّرَت إحدى نسخ فيلم "طرزان" الشهير فيها، وعُرض في سنة 1932، وحاز ملايين المشاهدات وشهرة فاقت الحدود. ولا تزال شجرة اللبخ ذات الجذور الهوائية المتدلية تحكي مشاهد تسلق وقفزات الممثل وبطل السباحة الأميركي، جوني ويس ميلر.
ومع شهرة الحديقة، أصبحت مقصداً للعديد من المفكرين والفنانين والكتّاب العالميين، ومن بين هؤلاء كارل ماركس، وألبير كامو، وأوغست رينوار، وجاك دريدا، وأندريه جيد، وغيرهم، إضافة إلى اختيار المكان لتجسيد فترة طفولة رائد النهضة الجزائرية، عبد الحميد بن باديس، وتصوير أعمال رمضانية وكليبات عالمية.
وتستقطب الحديقة الآلاف من الزوار من مختلف محافظات الجزائر سنوياً، ويزيد الإقبال عليها في عطلة نهاية الأسبوع، والعطل المدرسية، وعكفت محافظة الجزائر العاصمة، ومؤسسة حدائق العاصمة على إعادة تهيئتها عبر إغلاقها لسنوات، قبل فتحها من جديد أمام الزوار بعد إضافة المصعد الهوائي ومحطة مترو الأنفاق، وكلها وسائل تشجع على زيارتها، فضلاً عن وجود مرافق متنوعة، ومحال تقدم خدمات مثل الوجبات السريعة والهدايا التذكارية.
ولا تستقطب الحديقة الجزائريين فقط، بل يقصدها سائحون من عدة جنسيات، وتكون ضمن برامج الزيارات الرسمية للوفود الأجنبية ورؤساء الدول، إذ أصبحت الحكومة الجزائرية تنتهز فرصة توافد الأجانب للترويج للمناطق السياحية والتراث الطبيعي والتاريخي للبلاد، وخلال العام الماضي، استقبلت الحديقة أكثر من مليوني زائر، وهو رقم اعتبرته إدارة الحديقة "قياسياً".