بات ملف المرأة من بين أكبر وأهم الملفات المطروحة في أفغانستان، بعدما استعادت حركة طالبان الحكم في أغسطس/ آب 2021، بخاصة في ما يتعلق بحرمانها من العمل والتعليم، لكن الحديث عن سوء أحوالها متجذر منذ القدم في البلاد.
تحرم المرأة الأفغانية من حق اختيار شريك حياتها بنفسها، إذ يقرر الوالد ورجال الأسرة غالباً تزويج المرأة، كما لا يسمح لها بالخروج من المنزل في المناطق الريفية إلا في حالات الضرورة، ما يعني أن الأعراف تضطلع بدور كبير في سوء أوضاعها.
وبين المشاكل والمصائب الكثيرة التي تواجهها المرأة الأفغانية حرمانها من ميراث الآباء، فهي لا تُعطى عادة هذا الحق، بل شيئاً ضئيلاً منه فقط يمكن وصفه أيضاً بأنه مبادرة تهدف إلى خديعة، وتتمثل في أخذ الإخوة كمية من الحلويات لهن في الأعياد والمناسبات، في ما يسمى "حظ الأخت". وعند وفاة الأب يتولى الإخوة مراسم الدفن والتشييع مقابل أن تعفو المرأة عن ميراثها لهم في المنازل والأراضي، وكل ما كان يملكه الوالد.
تقول الناشطة الاجتماعية الأفغانية ورانكه نركس لـ"العربي الجديد": "لا يرفع أحد صوته ضد ظاهرة حرمان المرأة من الميراث، والنظام القبلي يلعب دوراً كبيراً في إبقاء هذا الأمر السيئ للمجتمع كله. ويحاول زعماء القبائل بكل قوتهم أن يحافظوا على تطبيق هذا النظام لأنهم يستفيدون منه، وهم ليسوا وحدهم المستفيدين من خدمة النظام القائم مصالحهم، بل كل الرجال، في حين لم يضطلع علماء الدين بأي دور للقضاء على الظاهرة السيئة لسمعة الرجل الأفغاني عموماً، والتي تخالف الدين وكل الأعراف الدولية والإنسانية".
تضيف: "ما يحصل هو أنّ الإخوة يجلسون بعضهم مع بعض قبل تقسيم الأراضي والمنازل، ويوزعون الحصص أو يضعون مخططها، ثم ينادون أخواتهم ويقولون لهن سؤالاً لن يقدم أو يؤخر في ميزات القرارات المتخذة، هل تأخذن حقكن أم تعفون عنه لإخوتكن، والمرأة الأفغانية عادة لا تتجرأ بحكم العادات والتقاليد على أن تقول إنها تطلب حقها، لأن فعلها ذلك يعني أن كل الإخوة سيقاطعونها، ولا يتعاملون معها كأخت".
ويخبر قريب الله خان الذي يسكن في ولاية ننغرهار شرقي أفغانستان، "العربي الجديد"، قصة امرأة تزوجت قريباً لها كان فقيراً ووضعه المعيشي والاقتصادي ضعيفاً للغاية. وعندما اجتمع إخوتها الثلاث، وهم أثرياء، ترك والدهم لهم أراضي شاسعة ومنزلاً كبيراً، مع الأخوات الخمسة قالت أربع منهن إنهن لا يردن أي حصة في الميراث ويتركنها بالتالي لهم، لكن هذه المرأة طلبت حقها، فرفض الإخوة ذلك في البداية، ثم أعطوها أرضاً بعيدة رديئة لا ماء فيها ولا يمكن زرعها، والتي لم يرغب أحد منهم بالحصول عليها، وكذلك قسماً من المنزل الكبير، لكنهم أبلغوها أيضاً بأنهم يقاطعونها بالكامل، ولن يتقربوا منها.
ويشير قريب خان إلى أن "الأمر المستغرب هو أن هؤلاء الإخوة ظلوا يعيبون تصرف المرأة مقارنة بباقي شقيقاتها، في حين كان الأقارب يرددون في أحاديثهم أن فلانة أخذت الأرض من إخوتها في تصرف لا يفعله نساؤنا عادة، وكأنها ارتكبت جريمة". وهو يلوم أيضاً رجال الدين الذين يحظون بتقدير واحترام واسعين في الأوساط القبلية بأفغانستان، لكنهم لا يلعبون أي دور في التصدي للظاهرة، وتثقيف الناس وتعليمهم بأن الميراث حق شرعي للمرأة كما للرجل".
ويعلّق: "لا يرفع علماء الدين عادة أصواتهم ضد العادات والأعراف القبلية غير الصحيحة أمام زعماء القبائل. وهم أنفسهم لا يعطون أخواتهم وبناتهم حق الميراث، وأنا أعرف كثيراً منهم فعلوا ما يفعله المواطن العادي، عبر الاكتفاء بسؤال المرأة إذا كانت تريد أن تأخذ حقها في الميراث أو تعفو عنه لإخوتها، في حين أن كل حصص الميراث تقسّم بين الرجال وحدهم، من دون أي نصيب للمرأة".
لكن عالم الدين الأفغاني الملا محمد يعقوب صميم، لا يوافق على هذا الرأي، ويقول لـ"العربي الجديد": "حصل تغيير ملحوظ في السنوات الأخيرة مقارنة بالفترات الماضية، لأن علماء الدين باتوا يرفعون أصواتهم ضد الظاهرة، وبدأ الآباء يوزعون ميراثهم قبل وفاتهم بين البنين والبنات وفق الشريعة الإسلامية".
ويشدد على أنه يعرف أشخاصاً كثيرين فعلوا ذلك، "لكن باعتبار أن الظاهرة متجذرة ولا يمكن استئصال جذورها خلال فترة قصيرة، فليس في يد علماء الدين سلطة التغيير، بل الوعظ والنصيحة فقط. وفي السابق كانت السلطة والقرار لزعماء القبائل، والآن الحكومة، ونأمل في أن تلعب حكومة طالبان دورها في هذا الشأن، وتضغط على الرجل كي يعطي المرأة حقها في الميراث، وهو حق ديني وشرعي وإنساني".