عادت قضية السجناء الإسلاميين في التسعينيات إلى الواجهة في الجزائر، على خلفية وفاة سجين سياسي قضى أكثر من ربع قرن في السجن بسبب انتمائه إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، دون أن يتم الإفراج عنه، لا في سياق العفو ولا في إطار تدابير المصالحة الوطنية المقررة منذ عام 2005.
وتوفي السجين السياسي محمد عبدلي في سجن تازولت بباتنة عن عمر يناهر 58 عاماً، قضى منها 28 سنة في الاعتقال السياسي على خلفية انتمائه إلى جبهة الإنقاذ التي تم حظر نشاطها في مارس/آذار 1992، بعد تدخل الجيش لتوقيف المسار الانتخابي.
ولا تعرف الظروف التي توفي فيها عبدلي، لكن تنسيقية عائلات السجناء السياسيين، أكدت أن الفترة الطويلة التي قضاها في السجن، أصيب خلالها بأمراض عدة بينها ضيق التنفس.
وطالبت عائلة السجين مجموع الهيئات الحقوقية بالنضال من أجل كشف المظلمة السياسية التي يتعرض لها 160 سجينا سياسيا معتقلا منذ ما يقارب الثلاثة عقود. ووجد أنصار جبهة الإنقاذ في مراسيم تشييع جنازته، التي حضرها ناشطون وحقوقيون، فرصة لتجديد العهد مع الحزب المحظور وإطلاق شعاراته السياسية.
ونشر أستاذ في التعليم الثانوي يدعى سمرة بوعزة كانت إدارة سجن تازولت بباتنة شرقي الجزائر تعتمده لتدريس السجناء المقبلين على امتحان البكالوريا، أن الضحية محمد عبدلي "كان بجسم هزيل ويدين لا تقويان على شيء بسبب آلام المفاصل، وكان يتابِع الأخبار يومِيًا وينتظر قدومي ليسألني إلى أين وصلت الثورة في تونس ومصر، وقد علق آمالا كبيرة وكان يَتمنَّى بِقوَّة أن تصل رياح التغيير إلى الجزائر ويُطلَق سراحه ومَن معه"، مضيفا أنه أبلغه أن ملفات سجناء رأي ضاعت خلال حريق مس الأرشيف.
ووصفت حركة البناء الوطني وفاته في سجنه بعد أن قضى فيه أكثر من ربع قرن وهو ينتظر تطبيق بنود قانون السلم والمصالحة "بالخبر الحزين"، وطالبت السلطات "وفي مثل هذه الظروف التي تحتاج فيها الجزائر إلى تضميد جراحها، وتناسي خصوماتها من أجل تشييد قواعد سليمة لتأسيس الجزائر الجديدة على قيم التسامح، بضرورة طي هذه الصفحة المأساوية من تاريخ الوطن، واستكمال مسار مصالحته الوطنية الذي لا يزال بحاجة إلى ترقية".
وفي 20 أغسطس/آب الماضي، أبلغت شخصيات سياسية من قادة مبادرة قوى الإصلاح قابلت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بمطالبات سياسية لاتخاذ خطوة للعفو عن 160 إسلاميا من معتقلي التسعينيات، ونقلت عنه تعهدات بمعالجة ملف سجناء التسعينيات، "بما يحقق ترقية المصالحة الوطنية ويطيب الخواطر ويجبر الكسر".
وتحصي تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين ما يقارب 160 سجينا سياسيا كانوا ضحايا لما تصفه بالتعسف الأمني والقضائي بين 1991 و1997، وأغلب هؤلاء السجناء هم من المحكوم عليهم بأحكام بالإعدام والسجن المؤبد، عن تهم الانتماء إلى مجموعات مسلحة والسعي لقلب نظام الحكم والتمرد على الأوامر العسكرية بالنسبة لبعض العسكريين المتعاطفين مع جبهة الإنقاذ، من قبل محاكم خاصة غير دستورية أنشئت في ظل حالة الطوارئ التي أقرها الجيش بعد توقيف المسار الانتخابي في يناير 1992، ولم تكن تتوفر فيها بحسب المنظمات الحقوقية ظروف المحاكمات العادلة.
وتعد قضية السجناء السياسيين المنضوين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، من بين القضايا العالقة من المأساة الوطنية في التسعينيات في الجزائر، إذ لم يجر تطبيق قانون المصالحة الوطنية الذي استفتي عليه الجزائريون في سبتمبر/أيلول 2005، والذي يتضمن العفو عن السجناء في قضايا الإرهاب، بالرغم من أنهم ليسوا من الفئات التي يستثنيها القانون من العفو (المتورطين في جرائم تفجيرات في أماكن عمومية واغتصاب وارتكاب مجازر خلال الأزمة الأمنية). باعتبار أن الجزائر لم تكن حين تمّ اعتقالهم بداية التسعينيات قد عرفت هذا النوع من الأحداث.