أنشأ الشاب الجزائري علي، مشروعاً خاصاً بجمع النفايات القابلة لإعادة التدوير، كالبلاستيك والكرتون (الورق المقوى) والحديد، مما يجري بيعه إلى الورش والمصانع المختصة في هذا المجال. هكذا، تمكن علي رفقة بعض الشبان الذين وظفهم معه من الخروج من عالم البطالة الذي عاشوا فيه لسنوات. واغتنم علي ورفاقه، توجه الحكومة الجزائرية للاقتصاد الأخضر، وتشجيعها الاستثمار في المجال البيئي، فأنشأ مشروعه، بشكل مؤسسة، بدعم من الدولة في إطار أحد برامج الدعم المعروف بـ"أونساج". اشترى أربع شاحنات صغيرة، وظف سائقين لها يجوبون مختلف الأحياء والقرى ويجمعون الأطنان من نفايات البلاستيك والحديد والكرتون، فيتولى رفقتهم فرزها في مستودع استأجره لهذه الغاية. بعد ذلك، يبدأ في بيع ما فرز للورش المختصة في تحويل النفايات، في ولايات البليدة ووهران وتيبازة.
لم يكتفِ علي بالطريقة التقليدية في إدارة مؤسسته، وجمع النفايات، بل طورها بعد خضوعه لدورات تدريبية خاصة في مجال إدارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فابتكر طريقة جديدة في جمع النفايات، توفر الجهد والوقت. وتعتمد الطريقة على وضع 3 حاويات للقمامة على مستوى بعض الأحياء، بألوان مختلفة لكلّ نوع من النفايات، فيساعد السكان في الفرز منذ البداية، ما يسهّل على عمال مؤسسته فرز النفايات في مصدرها قبل توجيهها إلى الورش الصناعية. ويقول علي إنّ مئات العائلات أصبحت تجني رزقها من جمع النفايات لإعادة تدويرها، فالمؤسسات الناشئة في هذا المجال والطلب المتزايد على النفايات المسترجعة، دفعت الشباب إلى التوجه للمكبات العمومية، والأودية، والورش الخاصة بأشغال البناء، وبعض المتاجر الكبيرة، لجمع كميات كبيرة من البلاستيك والحديد والكرتون، وانتظار مرور شاحناته لبيعها. وهكذا يجني البعض ما يتجاوز 2000 دينار جزائري (15 دولاراً أميركياً) يومياً، أي ما يساوي 60 ألف دينار (450 دولاراً أميركياً) شهرياً، وهو ما يعادل راتب موظف في المؤسسات العامة. وحتى تلاميذ المدارس وبعض الطلاب الجامعيين وجدوا في عملية جمع النفايات فرصة لتأمين مصروف الجيب، ومساعدة عائلاتهم الفقيرة، في أيام الإجازات.
توجه مراسل "العربي الجديد" رفقة علي، إلى الورش الخاصة بجمع الحديد المستعمل بمنطقة فوكة، الواقعة على بعد 50 كيلومتراً، غرب الجزائر العاصمة. عند وصولنا، صادفنا عدداً كبيرا من الشاحنات وعربات النقل، في طابور لتفريغ حمولتها من الحديد المسترجع. وبالحديث مع صاحب إحدى الورش التي يتعامل معها علي، يقول لـ"العربي الجديد": "نستقبل يومياً كميات كبيرة من الحديد المسترجع من مختلف أنحاء تيبازة والولايات المجاورة. نشتريه بـ30 ديناراً (نحو ربع دولار) للكيلوغرام الواحد، ثم نعيد بيعه بما بين 40 و60 ديناراً (بين 0.30 و0.50 دولار)، بحسب نوعية الحديد. وهكذا، نجمعه في شاحنات كبيرة وننقله إلى المصنع التركي - الجزائري، في بطيوة، بولاية وهران، لإعادة تصنيعه مجدداً في شكل قوالب وشبابيك حديدية وأعمدة خاصة بالبناء، وإعادة استعماله في ورش البناء. كذلك، نستقبل كميات من البلاستيك، لكنّنا نعيد بيعها إلى متعاملين آخرين لنقلها إلى مصانع ولاية البليدة، التي تذوّبه وتعيد تصنيعه في شكل أوانٍ وتجهيزات منزلية بلاستيكية".
يجني البعض 15 دولاراً يومياً من جمع النفايات القابلة لإعادة التدوير
وعلى الرغم من التأخر الكبير الذي سجلته الجزائر في تطبيق سياسة ناجعة لاسترجاع النفايات والقضاء على الانتشار الكبير لها على مستوى شوارع المدن والبلدات وفي الأراضي الزراعية، تبنت في السنوات الأخيرة استراتيجية تعتمد على إنجاز مراكز للردم التقني، وصل عددها حالياً إلى 180 مركزاً مزوداً بورش للفرز، إذ يجري جمع كميات كبيرة من البلاستيك والكرتون والزجاج. وتتعامل المراكز مع البلديات والمؤسسات الخاصة بجمع النفايات. وكانت وزيرة البيئة، نصيرة بن حراث، قد أكدت خلال افتتاحها أحد مراكز الردم في ولاية مستغانم، غربي البلاد، أنّ "مراكز الردم التقني على مستوى الجزائر ستكون بمثابة ورش لانتقاء وفرز النفايات وإعادة تدويرها بعد تجهيزها بمحارق للتخلص من النفايات الخاصة، وتجهيز وحدات للتسميد العضوي، ما سيساهم في إطالة أمد استغلالها، وتوفير فرص للشباب للاستثمار في مجالات المهن النظيفة، لا سيما الرسكلة (إعادة التدوير)".
من جهته، كان المدير العام للوكالة الوطنية لتسيير النفايات محمد كريم ومان، قد كشف أنّ "الرسكلة" يمكن أن تضمن للجزائر 92 مليار دينار (697 مليون دولار) سنوياً كمداخيل، مع خلق مئات من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، من خلال الاستثمار في هذا المجال الهام والجديد، مؤكداً أنّ الوزارة الوصية وضعت استراتيجية وطنية لإدارة النفايات تمتد حتى 2035، وذلك لزيادة نسبة "الرسكلة" في مختلف الأنواع. وقال ومان إنّ الاستراتيجية الجديدة، تعتمد على الإدارة العصرية والمدمجة للنفايات، وترتكز على تحويلها إلى مواد أولية بدلاً من اعتبارها مجرد نفايات ومصدرا للتلوث، إذ لا يتجاوز المعدل الوطني الوسطي لإعادة التدوير 9.83 في المائة فقط، في ظلّ غياب الفرز الانتقائي حالياً، وعدم تشجيع المواطن الجزائري على الفرز من المصدر.
من جهته، يعتقد الخبير الاقتصادي، والأستاذ في جامعة "تيبازة" رضوان لامار، في حديثه إلى "لعربي الجديد" أنّ الجزائر سجلت تأخراً كبيراً في "الرسكلة" في الوقت الذي أصبح اقتصاد بعض الدول الكبرى يعتمد على هذا النشاط في المداخيل وتوليد الطاقة وتوفير فرص العمل. يضرب مثالاً على ذلك بألمانيا، التي حققت في السنوات الأخيرة مداخيل وصلت إلى 4 مليارات دولار، كما تعتمد على النفايات بنسبة 30 في المائة في توليد الطاقة البديلة، بالإضافة إلى البرازيل التي خطت خطوات كبيرة في هذا المجال، كما أنّ الأمم المتحدة تقدم مساعدات مالية للدول التي تستثمر في هذا المجال، لكنّ الجزائر لم تغتنم الفرصة، بل بقيت متأخرة عن الركب العالمي، كما يقول.