استمع إلى الملخص
- تنشط شبكات التهريب في تنظيم رحلات هجرة غير نظامية من ولايات ساحلية، وتحصيل عائدات مالية كبيرة، وتلجأ لترميم قوارب قديمة لاستخدامها في التهريب.
- تواجه شبكات التهريب عقوبات مشددة بموجب تعديلات قانون العقوبات لعام 2020، مع سجن من ثلاث إلى عشر سنوات، خاصة في حالات تهريب القُصّر أو تعريض حياة المهاجرين للخطر.
تُظهر السلطات الجزائرية في الفترة الأخيرة حزماً كبيراً ضدّ شبكات تنشط في مجال تهريب مهاجرين غير نظاميين عبر البحر، وتعلن السلطات عن تفكيك مزيد من هذه الشبكات واعتقال أفرادها وملاحقتهم قضائياً، مع تشدّد قانون الجزائر في العقوبات الخاصة بهؤلاء.
في أسبوع واحد، أعلنت السلطات الجزائرية تفكيك خمس شبكات نشطة في مجال الهجرة غير النظامية وتهريب المهاجرين نحو سواحل إسبانيا وإيطاليا. وفي أحدث تلك العمليات، أطاحت السلطات اليوم الاثنين شبكة إجرامية تنظّم رحلات هجرة غير نظامية تتألف من 13 شخصاً.
وقد نجحت فرقة مكافحة الجرائم السيبرانية بولاية غليزان غربي الجزائر في تتبّع نشاطها، وذلك منذ الحصول على أولى المعلومات المتعلقة بشبكة أشخاص ينظّمون هذا النوع من عمليات تهريب المهاجرين عبر البحر. وقد حُجز في هذا الإطار قاربان بمحرّك وآخر مطاطي مع توابعها، بالإضافة إلى عدد من أوعية وقود وسترات نجاة تُستخدَم في رحلات الهجرة. كذلك أُحيل أفراد الشبكة إلى القضاء بتهمة تدبير وتسهيل الخروج غير المشروع من الأراضي الجزائرية لشخص أو عدد من الأشخاص بهدف الحصول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منفعة مالية في إطار جماعة إجرامية منظّمة وعدم التبليغ عن تهريب المهاجرين.
وهذه المرّة الثانية في أسبوع، في الولاية نفسها، التي تنجح فيها الأجهزة الأمنية الجزائرية في تفكيك شبكة تنظّم رحلات الهجرة غير النظامية عبر البحر وفي توقيف أعضائها، انطلاقاً من إحدى الولايات الجزائرية الساحلية المجاورة. فهي كانت قد اعتقلت أفراد شبكة أخرى، يوم الخميس الماضي، مع حجز قاربَين ومنفاخ ومبالغ مالية وأوعية وقود وعتاد يُستخدَم في عمليات الهجرة غير النظامية. وقد وجّهت لهؤلاء تهم الشروع في تهريب المهاجرين من خلال القيام بتدابير إخراج أشخاص بطريقة غير مشروعة من الأراضي الجزائرية، بقصد الحصول على منفعة مالية أو أيّ منفعة أخرى.
وفي الفترة تنفسها، أطاحت السلطات شبكة مختصة بتنظيم رحلات هجرة غير نظامية في ولاية مستغانم غربي الجزائر، علماً أنّها من أكثر المناطق التي تشهد انطلاق قوارب الهجرة غير النظامية من سواحلها. وقد أُحبطت العملية في مرحلة الترتيبات، وأُوقف رأسان مدبّران بارزان في هذا المجال. وفي ولاية الشلف غربي البلاد كذلك، فُكّكت شبكة تضمّ 11 شخصاً، كانوا يتولّون الاتصال بالشباب واستقطابهم وترتيب عمليات تهريب المهاجرين عبر البحر.
وتحصل هذه الشبكات على عائدات مالية كبيرة من عمليات تهريب المهاجرين التي تنفّذها، تتراوح بين ألف يورو وألفَين (ما بين 1.050 دولاراً أميركياً و2.100 تقريباً)، علماً أنّها تصل في عمليات التهريب بالقوارب السريعة والآمنة إلى حدود سبعة آلاف يورو (نحو 7.360). وقد تمكّنت مصالح الأمن في بلدة الأرهاط بولاية تيبازة، الواقعة على بعد 120 كيلومتراً غربي العاصمة، من تفكيك شبكة تنشط في مجال الهجرة غير النظامية عن طريق البحر، وذلك في أعقاب ورود اتصال إلى غرفة العمليات الأمنية يفيد بانقلاب قارب بالقرب من الساحل، خلال محاولة ترتيب رحلة هجرة غير نظامية. وقد أُوقف سبعة أشخاص، وفُتح تحقيق أفضى إلى تحديد هوية كامل أعضاء الشبكة وتوقيفهم، وحجز أدوات تخصّ عمليات الإبحار مثل الوقود وسترات النجاة ومبالغ مالية سدّدها مهاجرون غير نظاميين لمصلحة الشبكة.
وقبل ذلك، كانت مصالح الأمن في منطقة الدواودة بالقرب من العاصمة الجزائرية وكذلك في منطقة قوراية بالولاية ذاتها قد أوقفت شبكتَين لتنظيم "الحراقة" (الهجرة غير النظامية) وتوقيف 19 شخصاً، من بينهم ستّة من أبرز مدبّري عمليات الهجرة غير النظامية، استناداً إلى معلومات وردت إلى الأجهزة الأمنية. وحُجزت قوارب وعائدات مالية جُمعت من الشبّان المغرّر بهم، الذين جرى استدراجهم وإغراؤهم بإمكانية تهريبهم في رحلات هجرة غير نظامية عبر البحر.
وبسبب صعوبة الحصول على قوارب يمكن استخدامها في عمليات الهجرة غير النظامية، تلجأ شبكات عدّة تنشط في مجال تهريب المهاجرين إلى ترميم قوارب قديمة مهملة وإعادة تأهيلها للإبحار فيها. وهذا ما عمدت إليه شبكة مؤلّفة من ثلاثة أفراد في ولاية سيدي بلعباس غربي الجزائر، كانت تعمد إلى جمع قوارب وصيانتها على أمل إعادة بيعها بطريقة غير قانونية لاستخدامها لاحقاً في الهجرة غير النظامية عبر البحر. لكنّ الاستنفار الأمني اللافت ضدّ شبكات تهريب المهاجرين في الجزائر، سمح بالوصول إلى هذه الشبكة وتفكيكها، وكشف الورشة السرية التي كانت تُستخدَم لترميم القوارب. وقد حُجزت بالفعل خمسة قوارب، وخمسة قوالب تُستخدَم في صناعة القوارب.
وفي سياق متصل، يقول الباحث المتخصص في قضايا التحوّل الاجتماعي مصطفى راجع لـ"العربي الجديد" إنّ "نشاط شبكات تهريب المهاجرين عبر البحر في الجزائر برز في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، ولا سيّما مع تقارير إعلامية نُشرت في إسبانيا خصوصاً، أشارت بوضوح إلى زيادة كبيرة في أعداد من المهاجرين غير النظاميين الواصلين إليها انطلاقاً من السواحل الجزائرية. وهذا ما دفع سلطات الجزائر إلى تكثيف جهودها لتفكيك الشبكات التي تقف وراء عمليات الإبحار غير النظامي". يضيف راجع أنّ "هذه الشبكات تستغلّ الشبّان وتحصّل منهم عائدات مالية كبيرة، في مقابل المغامرة بهم في عرض البحر، ولا سيّما أنّ رحلات كثيرة تنتهي بمأساة حقيقية".
وتوجّه السلطات الجزائرية إلى أفراد شبكات تهريب المهاجرين تهماً جنائية تستوجب عقوبات بالسجن المشدّد، من بينها تعريض حياة الأشخاص وسلامتهم للخطر، وتشكيل جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود، والحصول على منفعة مالية، والتدبير للخروج غير النظامي من الأراضي الجزائرية عبر منفذ غير حدودي، وجناية تهريب المهاجرين، وتكوين جمعية أشرار لغرض الإعداد لجناية، وعدم التبليغ عن جناية تهريب المهاجرين في إطار جماعة إجرامية منظمة.
ومنذ إقرار تعديلات قانون العقوبات الجزائري في عام 2020، يفرض القضاء عقوبات مشدّدة على المتورّطين في شبكات تهريب المهاجرين، تقضي بالسجن من ثلاث سنوات إلى خمس، كذلك قد تُشدَّد العقوبة لتصير الحبس من خمس سنوات إلى عشر في حال كان الأمر يتعلّق بمهرّبي مهاجرين قصّر، بالإضافة إلى تعريض حياة المهاجرين المهرَّبين وسلامتهم للخطر أو ترجيح تعريضهم لذلك.