الجزائر: أزمة أوكسجين في المستشفيات

28 اغسطس 2021
بالكاد يتوفر الأوكسجين لدى القطاع الصحي (رياض قرمدي/ فرانس برس)
+ الخط -

حدثَ ما كان خبراء وعاملون في قطاع الصحة يحذرون منه في الجزائر، إذ تشهد المستشفيات أزمة أوكسجين حادة في ظلّ ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا الجديد، وسط نداءات لتوفير أجهزة وأنابيب الأوكسجين للمرضى والمصابين، وخصوصاً في المستشفيات والمصحات الحكومية.
ولم يتصوّر الجزائريّون أن يصِل بهم الوضع الصحي والأزمة الوبائية إلى حد يواجهون فيه نقصاً بالأوكسجين. ويتهافت أهالي المرضى على المصانع المنتجة لها لتأمينها، في وقت يطالب الأطباء وعائلات المرضى المعنيين بتوفيرها. وقبل أشهر، كان مواطنون يقفون في طوابير لتأمين الغاز، فيما يقفون اليوم أمام مصانع إنتاج الأوكسجين بهدف ملء القارورات سواء كانت لهم أو للمستشفيات. 
يقول رئيس الجمعية الوطنية للطبّ المناعي، كمال جنوحات، إنّ "المستشفيات أخطأت التقدير ولم تتجنّد للموجة الوبائية الجديدة"، مشيراً إلى أن نقص صيانة الأجهزة تسبّب في قلّة ضخّ الأوكسجين، عدا عن وجود إصابات خطيرة ما يتطلب توفير 30 لتراً من الأوكسجين في الدقيقة لكل سرير (مصاب بكورونا)، محمّلاً السلطات الطبية مسؤولية التهاون في استباق هذه الأزمة، وعدم تلافي هذه الوضعية. يضيف أن القطاع الطبي في البلاد لم يستغلّ الموجة الأولى لتحضير مختلف القطاعات الطبية والمستشفيات والمراكز الصحية لأي طارئ، مشيراً إلى أنّ تفشي المتحور الهندي "دلتا" يعني أن المريض، ولو كان ملقحاً، يبقى عرضة للموت.  

ولا غنى عن الأوكسجين بالنسبة لمرضى كورونا الذين يعانون من صعوبات تنفسية حادة، الأمر الذي يدفع عائلات المرضى إلى بذل كل الجهود لتأمين أنابيب الأوكسجين من السوق السوداء بسعر يتجاوز الـ 400 دولار، علماً أن سعرها لم يكن يتجاوز 150 دولارا.
وترتبط أزمة الأوكسجين في المستشفيات بثلاثة عوامل أساسية، وهي الارتفاع المفاجئ في أعداد الإصابات بكورونا، وعدم جهوزية المستشفيات وعدم صيانة الأجهزة، بالإضافة إلى عدم وجود خطة واضحة من قبل السلطات الصحية، وهو ما اعترف به وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد مؤخراً.
في هذا الإطار، تقول المتخصصة في الأمراض المعدية في مستشفى مصطفى باشا الجامعي، فريدة آيت حمي، لـ "العربي الجديد"، إن ما ضاعف من خطورة الوضع الوبائي في الجزائر هو انتشار المتحورات سريعة العدوى، الأمر الذي جعل الكثير من المصابين في حاجة إلى الأوكسجين من دون أن يكون للأمر أي صلة بسن المرضى. وتتحدث عن عدم توفر أماكن لتخزين الأوكسجين في بعض المستشفيات الحكومية، ما يجعل توزيعها بشكل يومي أمراً محتوماً لتلبية الاحتياجات. 
هذه الأزمة دفعت بعض التجار إلى استغلالها على حساب صحة المواطنين أو "الاستثمار في الأزمة وجيوب الجزائريين"، بحسب رئيس المنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك مصطفى زبدي، الذي أوضح أن "الأزمة الصحية تستدعي تكاتف الجميع من طواقم طبية ومنتجين وتجار ومواطنين، وخصوصاً في هذا الظرف الذي ينذر بكارثة صحية، ويكلّف حياة المواطنين". ويحذّر من تجارة الأوكسجين الخارجة عن رقابة وزارة الصناعة الصيدلانية، ومتابعة المستورِد والموزّع والبائع، تفادياً لتعقيد أوضاع المصابين الصحية.

واضطرت العائلات الجزائرية التي أصيب فيها شخص بالفيروس أو أكثر، إلى شراء أنابيب الأوكسجين من السوق السوداء بسبب الضغط الموجود على المصانع، الأمر الذي أفسح المجال أمام المضاربين لبيع قارورة الأوكسجين وأجهزة توليد الأوكسجين بأسعار خيالية وصلت إلى 1200 يورو خلال الأيام الأخيرة، لمولدات الأوكسجين بسعة 5 ليترات، وأكثر من 1500 يورو لمولدات الأوكسجين بسعة 10 ليترات، وهو ما اعتبره المواطنون "تجارة بحياة الجزائريين"، في غياب الرقابة.
ودفعت هذه الأزمة عدداً من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى نشر أرقام شركات تؤمن أجهزة توليد الأوكسجين بأسعار معقولة، تفادياً لاستغلال جهات عدة هذه الأزمة، وخصوصاً الوسطاء الذين يتاجرون بحياة المصابين. كما أقدمت عشرات الجمعيات على إطلاق مبادرات لتوفير المعدات الطبية الخاصة بمرضى كورونا، بالإضافة إلى جمع تبرعات لمشاهير من رياضيين وفنانين ورجال أعمال داخل البلاد وفي أوساط الجالية الجزائرية في الخارج، في خطوة تهدف إلى "إنقاذ أرواح المصابين" وتوفير أجهزة التنفّس الاصطناعي لمرضى كورونا، وتأمين الأوكسجين للمستشفيات.

وأمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال اجتماع سابق لمجلس الوزراء، بتسريع صيانة محطات توليد الأوكسجين وإنتاجه على مستوى المؤسسات الطبية على كامل التراب الوطني، فضلاً عن تجديد المنشآت وأجهزة الإمداد بالأوكسجين في مختلف المؤسّسات الطبية، واستيراد هذه المادة لإنقاذ الأرواح في المستشفيات. كما أعلنت وزارة الصناعة الصيدلانية في الجزائر، عن ارتفاع إنتاج الأوكسجين من 120 ألف لتر إلى 500 ألف لتر يومياً، والاتفاق مع القطاع الخاص لإنتاج أكثر من 100 ألف لتر إضافي. كما تعّهدت الحكومة بوضع خريطة صحية لإنتاج الأوكسجين وتوزيعه على المستشفيات في مختلف ولايات الوطن وخصوصاً المناطق الأكثر تضرراً.
ودشنت الجزائر الأسبوع الماضي مصنعاً لمادة الأوكسجين في منطقة وهران سيتولى تغطية حاجات مستشفيات منطقة غربي الجزائر، كما أعلن مصنع قطري جزائري يعمل في مجال الحديد ويتواجد في منطقة جيجل شرقي الجزائر عن إطلاق خط لإنتاج مادة الأوكسجين، سيغطي حاجات مستشفيات شرقي الجزائر. كما كلفت الحكومة الجزائرية  شركة سوناطراك (عملاق النفط الجزائري) باقتناء شاحنات نقل الأوكسيجين تحسباً لرفع الإنتاج الذي سيبلغ خلال السداسي الأول من السنة المقبلة 800 ألف لتر يومياً.

المساهمون