الجزائر: "القرى النظيفة" أكثر من مسابقة

09 مارس 2021
لمنطقة القبائل خصوصيتها الثقافية (مصعب رويبي/ الأناضول)
+ الخط -

تجري منذ سنوات في الجزائر مسابقات لاختيار أجمل قرية، لكنّ المسألة تتجاوز حدود التنافس للظفر بالجائزة، باتجاه ترسيخ مفهوم "القرى النظيفة" عموماً

شهدت قرى جزائرية عدة تدخلاً لتحصينها من زحف الإسمنت، مع ما في ذلك من تجميل المعمار وتنظيم المساحات المخصصة لرمي النفايات، ولعب الأطفال، مع تزيين الشوارع، وطلاء الجدران، وإنجاز رسوم متنوعة خاصة بكلّ قرية. يمتدّ ذلك إلى الناحية المجتمعية الثقافية مع تحديد مواعيد للملتقيات والأنشطة الأسبوعية، خصوصاً يوم الجمعة كيوم للتآزر والتلاقي بين الأسر. في هذا الإطار، يتفق الجزائريون على أنّ منطقة القبائل تتميز بمناطق سياحية ساحرة، بسبب موقعها الجغرافي بين أحضان سلسلة جبال جرجرة وانتشار الغابات، بما تحتويه من أشجار يغلب عليها الزيتون. في ولاية تيزي وزو، 80 كيلومتراً إلى الشرق من الجزائر العاصمة. تيزي وزو معروفة بزيت الزيتون وصناعة الفخار، وهناك تبرز طريقة محلية لإدارة القرى والمداشر الجبلية (مناطق سكنية)، إذ يجمع السكان هناك بين الطابع الزراعي لهذه القرى واستغلال نمطها العمراني لتحويلها إلى قرى جميلة، وإضفاء خصوصية على المنطقة برسوم ترمز للثقافة الأمازيغية المتجذّرة فيها بمختلف أنماطها. من بين هذه القرى تبرز قرية الساحل، ببلدية بوزقن بولاية تيزي وزو، التي تربعت على عرش القرى النظيفة في الولاية، خلال  مسابقة ضمت عشرات القرى. جميع هذه القرى شهدت نشاطات لجمعيات شبابية عدة تكفل بعضها بتنظيف الأحياء، في حملات منظمة، شارك فيها تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات من الذكور والإناث. وعملت الجمعيات رفقة المتطوعين على تزيين الأحياء وتنظيمها وتجهيز مجسمات فنية أضفت روحاً جميلة على القرى.

بكثير من الزهو، تشارك وهيبة قاسي (26 عاماً) وهي طالبة دكتوراه لغات أجنبية بجامعة الجزائر، في هذه المبادرة المحلية الشبابية منذ أربع سنوات. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تشارك لما في الحملات من جوانب إيجابية، تجعل من القرى مكاناً يجمع بين الأصالة والعصرنة. تضيف أنّ قرية الساحل تتميز بتقاليدها وطبيعتها الجغرافية الخاصة، لكنّ وجودها في الجبل "لم+ يمنعنا من أن فتح معابر وطرقات تسهل عملية التنقل من المدينة وإليها وصولاً إلى قلب ولاية تيزي وزو". وتشترك وهيبة كمثيلاتها في نشاطات عدة، كالرسم على الجدران: "للأمانة، شاركت في قرى أخرى عدة وليس في مسقط رأسي فقط، فالمهم بالنسبة لي أن أرى المكان جميلاً ونظيفاً، ويستقطب سكان المدن والولايات الأخرى".
أزرا قرية أخرى في منطقة تيقزيرت الساحلية بالولاية نفسها، تتربع على ربوة جبلية، وتضم منحدرات وعيون مياه. تنشط في هذه القرية جمعية "قريتي الخضراء" التي تتولى تنظيم مبادرات لقيت استحساناً لدى سكان المنطقة ككلّ، فقد شارك آلاف السكان في مبادرة تنظيف وتنقية الغابات، وغرس الأشجار، ثم طلاء الشوارع، وتخصيص أماكن لرمي النفايات أخيراً. واتحدت السواعد في أزرا من أجل التنظيف والتزيين والطلاء والرسم، ما جعل كلّ مدخل من مداخل الأزقة في تلك الأحياء، عبارة عن لوحات فنية مصنوعة من الفخار، ومزيّنة بأنامل أبناء القرية، بل يمكن أن نراها كجدارية أخذت قطعة من جبل مترامي الأطراف يسرّ الناظرين.

الصورة
تشتهر قرى تيزي وزو بالزيتون (بلال بنسالم/ Getty)

قبل تدهور الوضع الصحي بسبب فيروس كورونا الجديد، نظم المجلس الشعبي الولائي، لولاية تيزي وزو، النسخة السنوية السابعة لمسابقة "أنظف قرية" وقد حملت عنوان "رابح عيسات لأنظف قرية" وهي منافسة تضمّ جوائز تحفيزية للقرى الفائزة. وحظيت النسخة الأخيرة بمشاركة 57 قرية، مع توزيع جوائز نقدية على القرى العشر الأوَل. كان لافتاً أنّ العمل التطوعي الذي تشارك فيه أغلب الأسر في ولاية تيزي وزو، خلق نوعاً من التضامن والتعارف بين سكان المنطقة الواحدة، مع تحفيز الأطفال على الاعتناء ببيئتهم النظيفة، والتعريف بخصوصياتها الثقافية والزراعية أيضاً. كذلك، يلجأ الكبار في المنطقة إلى تقديم حلقات للتوعية، يشارك فيها الكبار والصغار، في إطار حملات يقول عنها رضوان أرزقي (32 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّها "ضمانة للعيش في بيئة نظيفة وصحية وسهلة العيش أيضاً". يضيف أرزقي أنّ للعيش في القرية خصوصيات تختلف كثيراً عن العيش في المدينة التي شوهها سوء تسيير حركة النقل والمواصلات، والازدحام، والغازات السامة، مشيراً إلى أنّ "القرى النظيفة هي عنوان الصحة والاستمتاع بالراحة، بعيداً عن ضوضاء المدن".
موجة الجمال والنظافة عدوى جميلة أصابت العديد من القرى والمدن الجزائرية، فبعدما انتشرت في منطقة القبائل، انتقلت إلى قرى وبلدات منطقة الأوراس، شرقي الجزائر، فقد نظمت ولاية باتنة أيضاً جائزة لأنظف قرية تحفيزاً للسكان على الاعتناء بأماكن سكنهم. وفازت قرية المعذر بالجائزة الأولى، بعد تنظيف شوارعها وأحيائها، وتزيين الأماكن الترفيهية فيها، فضلاً عن امتلاكها خصوصية المنطقة التي انطلقت منها الثورة الجزائرية، إذ تحمل كلّ زاوية من زواياها اسماً ورسماً لشهداء الثورة التحريرية.

يعتقد الباحث في العلوم الاجتماعية سليم عيفة أنّ موجة "القرى النظيفة" التي شهدتها الجزائر، خصوصاً منطقة القبائل في السنوات الأخيرة، نتيجة جيدة في المجتمع الذي ما زال يعاني من إهمال المكان والمحيط العمراني. يشير إلى أنّ هناك تأثراً إيجابياً كبيراً لدى الجزائريين ببعض المبادرات الأهلية المماثلة في كثير من الدول، ويلفت إلى "عاملين إيجابيين في ظاهرة القرى النظيفة، وهي انخراط السكان والمجتمع في العمل المجتمعي، وتحول الجزائريين للاهتمام بالقيم الجمالية والبيئية مؤخراً".

المساهمون