التغير المناخي يهدد المحاصيل الزراعية... قمح أقل

09 ديسمبر 2023
تعبئة مياه في كينيا وسط الجفاف في القرن الأفريقي (أرشيف/Getty)
+ الخط -

من القرن الأفريقي إلى الأرجنتين، تتسبب موجات الجفاف والحرارة في معاناة البشر والحيوان والنبات، حيث يفاقم التغير المناخي التهديدات التي تتعرّض لها المحاصيل الزراعية في العالم، حتى في المناطق التي كانت تُعتبر معتدلة سابقاً.

ليس هناك أي قارّة بمنأى عن ذلك. أدى الجفاف دوراً في زوال حضارة بأكملها، عندما سرّع سقوط الإمبراطورية الحِيثِّية التي كان موقعها في هضبة الأناضول في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وفق دراسة حديثة نشرتها مجلة "نايتشر" البريطانية. وبات الجفاف راهناً يهدّد محاصيل دول زراعية كبرى مثل الأرجنتين التي شهدت تراجع محصولها من الذرة بأكثر من 30% خلال موسم حصاد 2022-2023.

والزراعة التي تمثّل 23% من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم (جراء تربية الماشية واستخدام الأسمدة)، هي واحدة من أولى ضحايا الاحترار المناخي.

التغير المناخي يدمر المحاصيل

ويؤدي الاحترار إلى زيادة عدد موجات الجفاف وإطالة مدّتها، على غرار الموجة القياسية التي تشهدها منذ نهاية عام 2020 منطقة القرن الأفريقي، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى نفوق الملايين من رؤوس الماشية، وأصبح 23 مليون شخص مهددين بالجوع، وفق الأمم المتحدة.

في المجمل، يعيش أكثر من ثلاثة مليارات شخص في بيئة "شديدة التأثر" بسبب التغير المناخي.

ويؤدي التغير المناخي أيضاً إلى زيادة حالات هطول الأمطار الغزيرة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة: تدمير المحاصيل، واستحالة البَذر أو الحصاد، وتفاقم تآكل التربة مع جرف الفيضانات طبقاتها العليا الخصبة. ولوحظ حدوث هذه الظواهر في السنوات الأخيرة في باكستان وأستراليا.

تُضاف إلى ذلك الظاهرتان المناخيتان "إل نينيو" و"إل نينيا"، المتكررتان لكن غير المنتظمتين، واللتان تزيدان من حدة الجفاف في إندونيسيا (أول منتج لزيت النخيل في العالم) وفي الأرجنتين (من أبرز الدول المصدّرة للذرة)، وتؤثران على الرياح الموسمية في الهند، الدولة الأكثر تعداداً للسكان في العالم، وتفاقمان الأعاصير.

التغير المناخي يؤثر في القمح وإنتاج الحليب

يؤكد المدير العلمي لقسم البيئة في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية (Inrae) تييري كاكيه الذي يعمل على تكييف الزراعة مع التغير المناخي، أن "إذا كان هناك نقص في المياه في وقت الإنبات -أو نمو النبات- أو قبل الإزهار مباشرة، فسيكون لذلك تأثير كبير في إنتاج الحبوب".

ويضيف أن "ارتفاع درجة الحرارة، مع أو بدون مياه، سيعزز ظاهرة توقف امتلاء الحبوب"، موضحاً أنّ من الناحية التخطيطية، سيكون للمياه تأثير في كمية السنابل وتالياً حجم المحصول، ولدرجة الحرارة تأثير على جودتها ومعدل امتلاء الحبوب.

ويؤدي نقص المياه أيضاً إلى نقص الأعلاف. فقد تخلى المزارعون الكاتالونيون عن زراعتها في إبريل/ نيسان الماضي في وقت كانت تعاني فيه إسبانيا من جفاف تاريخي.

يؤدي جفاف نقاط تدفّق المياه ونقص العشب بشكل منتظم إلى القضاء على القطعان في منطقة الساحل والقرن الأفريقي

يؤدي جفاف نقاط تدفّق المياه ونقص العشب بشكل منتظم إلى القضاء على القطعان في منطقة الساحل والقرن الأفريقي. وحتى في المناطق التي تتمتع بطقس معتدل، مثل تونس وفرنسا، ينخفض إنتاج سلالات الألبان بسبب درجات الحرارة المرتفعة.

ويشرح كاكيه أن "الحيوانات المجترّة، التي تسخن أمعاؤها أثناء التخمير، حساسة بشكل خاص"، مشيراً إلى أن "ذروة الحرارة البالغة 40 درجة مئوية يمكن أن تقتل بقرة".

يجري توفير 60% من الأغذية في العالم من خلال الزراعة البعلية (تعتمد على مياه الأمطار بشكل أساسي)، فيما يُؤمن الباقي من الزراعة المروية.

مع ظاهرة الاحترار المناخي، يزداد الطلب على الريّ، حيث تحتاج المحاصيل إلى مزيد من المياه، لأنها تفقد أكثر من خلال التبخر.

ويقدر فقدان المحصول الزراعي بسبب الجفاف بنسبة 25% بين عامي 1961 و2006، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (فبراير/شباط 2022).

وبحلول الفترة الممتدة من 2071 إلى 2100، إذا ارتفعت حرارة الكوكب بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية، فإن هذه الخسارة المرتبطة بالجفاف ستزيد بنسبة 9 إلى 12% للقمح وأكثر من 18% للأرز، مقارنة بفترة 1961-2016.

الحلول موجودة، وهي وقف الزحف العمراني، والإدارة المحسّنة والمستدامة للغابات، والحفاظ على النظم البيئية ذات القدرة العالية على تخزين الكربون مثل الأراضي الخثية، وتطوير الزراعة الإيكولوجية.

لكن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحذر أيضاً من "سوء التكيف"، مؤكدة على سبيل المثال أن "الإفراط في استخراج" المياه بغرض تخزينها لري المناطق القاحلة، يمكن أن "يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية"، الأمر الذي ستكون له آثار ضارة على المدى المتوسط.

(فرانس برس)

المساهمون