التسرّب الجامعي... نقطة سوداء في نظام التعليم في المغرب

05 يناير 2021
ماذا ينتظرهم بعد الانتقال إلى الجامعة؟ (Getty)
+ الخط -

لا مبالغة في القول إنّ المغرب يواجه أزمة كبيرة مع ارتفاع أعداد المتسربين من الجامعات لأسباب مختلفة، الأمر الذي يتطلب العمل على إصلاح النظام التعليمي، وخصوصاً في المرحلة الثانوية، ما يُسهّل على الطلاب متابعة الدراسة الجامعية.

منذ أكثر من عام، ينتظر محمد الشهيري (21 عاماً) أن يتمكّن من متابعة دراسته الجامعية في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - أكدال في جامعة محمد الخامس في العاصمة المغربية الرباط، وقد اضطر إلى ترك التعليم مكرهاً. وحتى هذه اللحظة، يعجز الشهيري عن العودة إلى مقاعد الدراسة لعدم حصوله على منحة جامعية تعينه على تأمين تكاليف الدراسة في وقت تعجز أسرته عن مساندته. يدرك جيّداً أن الأمر صعب، لا سيما مع عدم توفر الإمكانيات، لكنّه يواظب على العمل في إحدى الشركات من أجل كسب قوت يومه وتوفير المال الذي قد يعينه على العودة إلى الدراسة.


ويقول الشهيري لـ "العربي الجديد": "كنت مضطراً إلى ترك الجامعة بسبب ظروفي المادية الصعبة، وخصوصاً أنني لم أستفد من المنحة الجامعية، وكان علي تأمين كلفة الكتب والسكن في الحي الجامعي والطعام".


ويسأل: "أليس من حقي كشاب أن توفر لي الدولة الظروف الملائمة من أجل الدراسة بدلاً من أن أجد نفسي مضطراً للعمل حتى 12 ليلاً من أجل 2500 درهم (نحو 250 دولار) أتقاضاها شهرياً، لأعيل نفسي وعائلتي بدلاً من الانقطاع عن الدراسة؟".


ولا تختلف قصة الشهيري عن قصص مئات الطلاب المغاربة الذين اضطروا إلى الانقطاع عن الدراسة الجامعية، وإن اختلفت الأسباب. من بين هؤلاء رضا الصنهاجي الذي لم يجد أمامه ملاذاً آخر غير الالتحاق بجامعة عبد المالك السعدي في تطوان لدراسة القانون، بعدما وجد صعوبة في الدراسة في كلية العلوم. ويقول الصنهاجي لـ "العربي الجديد": "بعد شهر من إلتحاقي بكلية العلوم، وجدت الكثير من الصعوبات بسبب اعتماد اللغة الفرنسية بدلاً من العربية كما هو الحال في التعليم الثانوي، الأمر الذي دفعني إلى دراسة القانون، قبل أن أترك الجامعة نهائياً بعدما رسبت في السنة الأولى لعدم قدرتي على الحفظ". يتابع: "بسبب اختلاف اللغة، وخصوصاً في المواد العلمية، وغياب التوجيه، كان مصير العديد من الطلاب الانقطاع عن الدراسة".

 

 


وينقطع أكثر من 50 في المائة من الطلاب عن الدراسة، في حين يتمكن 47 في المائة فقط من التخرج من الجامعات، بحسب ما كشف أخيراً الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، إدريس أوعويشة، خلال مناقشة الموازنة الفرعية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في لجنة التعليم والثقافة والاتصال في مجلس النواب. وقال إن 13 في المائة من الطلاب فقط هم من يحصلون على شهادة الإجازة خلال 3 سنوات، و17 في المائة من الطلاب ينقطعون عن الدراسة في السنة الجامعية الأولى. 
وتشير إحصائيات صادرة عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إلى أن متوسط سنوات تخرج الطالب في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية يصل إلى أربع سنوات وربع السنة، ليرتفع إلى 4.32 سنة بالنسبة للطالب في كلية العلوم، وبمتوسط يصل إلى 4.36 سنة في كلية الآداب والعلوم الانسانية، وفق آخر المؤشرات الرسمية للمردودية الداخلية لسلك الاجازة لدى الوزارة.


وإلى جانب هذه الأرقام التي تجعل الانقطاع عن التعليم الجامعي نقطة سوداء في منظومة التعليم في المغرب، تعدّ الموازنة المالية السنوية كبيرة، وتصل بحسب وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، سعيد أمزازي، إلى 3 مليار و700 مليون درهم (نحو 413 مليون دولار).


ويقول عضو اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية في المجلس الأعلى للتعليم، والكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم (اتحاد عمالي) يوسف علاكوش، إنه لا يمكن الحديث عن الانقطاع عن التعليم الجامعي بمعزل عن الانتقال من المرحلة الثانوية إلى الجامعية، ما يخلق صدمة معرفية بين التعليم الثانوي والتعليم العالي. ويقول لـ "العربي الجديد": "رغم العمل على تطوير التعليم الثانوي على مستوى اللغة، إلا أن واقع التعليم الثانوي لا يؤهل للالتحاق بالتعليم العالي".


ويقول علاكوش إن الصدمة الناتجة عن الإشكالية المعرفية، ولاسيما الهوة اللغوية بين التعليم الثانوي والجامعي، تزيد من نسبة التسرب الجامعي، مشيراً إلى أن الحل يتمثل في العمل على الاصلاح التربوي، وخصوصاً في المرحلة الثانوية. 


وفي وقت تراهن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي على اعتماد نظام البكالوريوس، والذي يحدّد عدد سنوات الدراسة وهو الحصول على الإجازة بعد أربع سنوات بدلاً من ثلاث، وذلك في إطار المساعي لتجاوز المشاكل المتعلقة بنظام "إجازة، ماستر، دكتوراه"، يؤكد علاكوش أن الرهان الأساسي يتمثل في ربط التعليم الثانوي بالجامعي وردم الهوة المعرفية.


ويشدّد على ضرورة تطوير الجامعة المغربية وتشجيع البحث العلمي وإرساء اقتصاد العلم والمعرفة، وإعادة الاعتبار للشهادة الجامعية. 

 

 


يشار إلى أنه هذا العام، أقرّت الوزارة تعديل سنوات الدراسة في الجامعات. وأصبح الحصول على درجة الليسانس يستوجب الدراسة لأربع سنوات عوضاً عن ثلاث، وهو ما يشابه النظام الدراسي المتبع في عدة دول عربية كمصر والأردن وسورية وبعض دول الخليج. كما يشترط النظام الجديد التمكن من اللغات الأجنبية بشكل أساسي لحصول الطالب على شهادة التخرج. ويتضمن النظام الجديد سنة تحضيرية يتم خلالها دعم معارف الطلاب وتطوير مهاراتهم اللغوية بما يؤهلهم للدراسة الجامعية بشكل أفضل.


من جهته، يرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، رشيد لزرق، أنه حتى الساعة، ما من رؤية متكاملة للحد من هذه الظاهرة في ظل ضعف المنظومة التعليمية والحاجة إلى إجراء صلاحات. ويقول: "دخلنا في حلقة مفرغة لإصلاح الاصلاح"، لافتاً في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن فرص التدارك ما زالت قائمة إذا ما توفرت الرؤية والإرادة الحقيقيتان. 


ويؤكد لزرق أن تحقيق ذلك يتطلب نظم فاعلة لإدارة الجودة على مستوى كلّ المؤسسات الجامعية في مختلف مراحل التعليم الجامعي، ودعم استقلالية المؤسسات الجامعية، بالإضافة إلى إرساء منظومة حقيقية لإدارة الموارد البشرية على مستوى التعليم العالي، ومواكبة التطورات، وتسوية أوضاع الأساتذة، ورد اعتبار أستاذ التعليم الثانوي.

انتقادات:

يواجه النظام التعليمي الجديد في المغرب انتقادات واسعة من قبل بعض أساتذة الجامعات لعدم إشراكهم في النقاش حوله. ويلفت هؤلاء إلى مشاكل أساسية تتعلق بآلية التطبيق التي تجعلهم يتوقعون فشله في حال عدم الأخذ ببعض التوصيات الهامة التي ينبغي أن تكون مواكبة لتطبيقه، في إشارة إلى أنه لا يمكن تعديل النظام الجامعي دون النظر إلى النظام المدرسي. 

المساهمون