التربة مصدر 95% من غذائنا.. عدم تدهورها مسألة حياة

05 ديسمبر 2022
تدهور التربة يهدّد الأمن الغذائي والاستدامة عالمياً (رافاييل رودريغيز/ Getty)
+ الخط -

ثمّة وقائع أو حقائق عدّة قد يكون من المفيد استعراضها اليوم، من بينها أنّ 95 في المائة من غذاء سكان الأرض يأتي من التربة، وأنّ التربة السليمة هي الأساس لإنتاج أغذية صحية. كذلك فإنّ التربة تشكّل أكبر خزّانات الكربون، بعد المحيطات، وتؤدّي دوراً أساسياً في التخفيف من حدّة أزمة تغيّر المناخ. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ عدد الكائنات الحيّة في مقدار ملعقة كبيرة من التربة أكبر من عدد البشر على كوكبنا، فالتربة "عالم" مكوّن من الكائنات الحيّة والمعادن والمكوّنات العضوية التي تتيح الغذاء للإنسان والحيوان.

وتماماً كما هي حال البشر، كذلك التربة في حاجة إلى إمدادات متوازنة ومتنوّعة من العناصر الغذائية وبكميات مناسبة لتكون صحية. وتفقد النظم الزراعية المغذيات مع كلّ حصاد، وإذا لم تُدر التربة بطريقة مستدامة، فإنّ خصوبتها تتراجع تدريجياً، الأمر الذي تنتج عنه نباتات تفتقر إلى المغذيات.

ويُعَدّ فقدان مغذيات التربة من بين أبرز عمليات تدهورها التي تهدّد التغذية، ومن من بين أبرز المشكلات على المستوى العالمي في ما يخصّ الأمن الغذائي والاستدامة في كلّ أنحاء العالم. من هنا، كان يوم التربة العالمي الذي يحلّ في الخامس من ديسمبر/ كانون الأوّل، ويأتي هذا العام تحت عنوان "التربة: حيث يبدأ الغذاء".

وبحسب ما يوضحه القائمون على هذا اليوم المدرج في روزنامة الأمم المتحدة، فإنّ مستوى الفيتامينات والمغذيات في الغذاء انخفض بصورة كبيرة على مدى الأعوام السبعين الماضية. وبحسب التقديرات، فإنّ مليارَي شخص في كلّ أنحاء العالم يعانون من نقص المغذيات الدقيقة الذي يُعرف باسم "الجوع الخفي"، نظراً إلى صعوبة اكتشافه.

ويؤدّي تدهور التربة إلى خسارة أنواع من المغذيات فتفقد التربة بالتالي قدرتها على "دعم الحياة"، في حين أنّ أنواعاً أخرى تحتوي على تركيز عالٍ من المغذيات التي وللأسف تمثّل بيئة سامة للنباتات والحيوانات وتُلوّث البيئة وتساهم في تغيّر المناخ.

ويهدف يوم التربة العالمي هذا العام إلى إذكاء الوعي بأهمية صون النظم الإيكولوجية الصحية ورفاه الإنسان من خلال مواجهة التحديات المتزايدة في إدارة التربة، وإذكاء الوعي بالتربة، وتشجيع المجتمعات على تحسين صحتها.

ومن بين العناصر الكيميائية الـ18 ذات المصادر الطبيعية والتي تُعَد ضرورية للنبات، فإنّ 15 منها توفّرها التربة. ولا بدّ للإنتاج الزراعي أن يرتفع بنسبة 60 في المائة لتلبية الاحتياجات الغذائية بحلول عام 2050، علماً أنّ إدارة التربة المستدامة قادرة على زيادة الغذاء بنسبة 58 في المائة. لكنّ 33 في المائة من التربة في العالم متدهورة نتيجة النموّ الديموغرافي الذي يزيد الطلب على الإنتاج الغذائي، الأمر الذي يرهق التربة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الاتحاد الدولي لعلوم التربة كان قد قدّم اقتراحاً في عام 2002 لإقرار الاحتفال بيوم التربة العالمي للتربة في تاريخه المحدّد، نظراً إلى أهمية التربة وإلى كونها عنصراً حاسماً من النظام الطبيعي وإلى إسهامها الحيوي في رفاه الإنسان. لكنّ الأمر لم يقرّ إلا في عام 2013، بناءً على طلب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، وقد احتُفل به للمرّة الأولى في الخامس من ديسمبر 2014.

بحسب تعريف منظمة "فاو"، فإنّ وظيفة التربة المعترَف بها على أوسع نطاق هي دعم إنتاج الأغذية. وتشكّل التربة الأساس الذي تستند إليه الزراعة، وهي الوسط الذي تنمو فيه تقريباً كلّ النباتات المنتجة للأغذية. وما يُقدَّر بنحو 95 في المائة من أغذيتنا يُنتَج بصورة مباشرة أو غير مباشرة في التربة. وتوفّر التربة السليمة العناصر المغذية الأساسية والماء والأوكسيجين ودعم الجذور الذي تحتاج إليه النباتات المُنتجة للأغذية كي تنمو وتزدهر. كذلك تشكّل التربة الدرع الواقية لجذور النباتات الضعيفة من التقلّبات الشديدة في درجات الحرارة.

وكانت منظمة "فاو" قد دعت في بداية هذا العام إلى الحفاظ على التربة ومنع تدهورها، خلال المنتدى العالمي للأغذية والزراعة الذي يُعقَد سنوياً في برلين. وقد أوضح حينها مدير عام منظمة "فاو" شو دونيو أنّه لا بدّ من قلب مسار تدهور التربة في حال أردنا إطعام سكان العالم، مبيّناً أنّ الممارسات الزراعية غير المستدامة والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية وتزايد عدد السكان تضغط بصورة متزايدة على التربة التي يعاني أكثر من ثلثها من التدهور.

وتفيد تقديرات خبراء منظمة "فاو" الأخيرة، بإمكانيّة أن يؤدّي تدهور التربة إلى إزالة 75 مليار طنّ منها، بالإضافة إلى خسارة بنسبة 10 في المائة في إنتاج المحاصيل بحلول عام 2050. وقال شو دونيو إنّ سكان الأرض الذين يتزايد عددهم في حاجة إلى "مزيد من الأغذية المغذية والآمنة والخالية من الملوّثات ومسبّبات الأمراض"، وبالتالي "يتوجّب على البلدان التعهّد بالتزامات أقوى تتعلّق بإدارة التربة المستدامة".

المساهمون