التخفيف من آثار تغير المناخ على التنوع البيولوجي

14 نوفمبر 2022
مطالبة بحماية التنوع البيولوجي (ديدي استانتو/ الأناضول)
+ الخط -

يمثّل تغير المناخ تهديداً رئيسياً للتنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي ورفاهية الإنسان. وعليه، فلقد أصبح التخفيف من آثاره على الكائنات الحية والمجتمعات في صميم استراتيجيات الإدارة البيئية بشكل متزايد، والذي يحتاج إلى أن يكون مستنيراً بأفضل العلوم المتاحة من أجل تحقيق النجاح. وهنا تكمن أهمية تشجيع البحث العلمي في مجال تغير المناخ وآثاره وتخفيفها.

ويتطلّب توقع العواقب البيئية والاقتصادية والمجتمعية لتغير المناخ نهجاً علمياً جديداً يتجاوز البحوث البيئية التقليدية، كوننا نحتاج الآن إلى الاستفادة من التقنيات الجديدة، وتشجيع التعاون بين تخصصات البحث، والمشاركة مع المجتمع، ودعم عمليات صنع القرار على المستوى المحلي وضمن النطاقات الوطنية والإقليمية والدولية. 
يعمل البحث على تحسين فهمنا كيفية تأثير تغير المناخ على توزيع وعمل التنوع البيولوجي وكيف يتفاعل هذا التهديد مع التهديدات الأخرى، مثل فقدان الموائل، وتجزئة الموائل، والصيد الجائر، والأمراض والأنواع الغازية. وبينما تؤدي نتائج البحث إلى تقييم قابلية تأثر الأنواع والنظم البيئية بالتغير البيئي العالمي، واستكشاف كيف يمكن دمج جداول الأعمال البيئية المتعددة من أجل فوائد الحياة البرية والناس في مواجهة الظروف المناخية متزايدة الصعوبة.

ويهدف البحث أيضاً إلى تحديد الأنواع والنظم البيئية الأكثر عرضة للتغير في المناخ، وإعطاء الأولوية لإجراءات الحفظ الأكثر فعالية، وتحسين فهم الدوافع والعواقب المترتبة على إعادة توزيع الأنواع المدفوعة بتغير المناخ، وتطوير وتنفيذ وتعزيز التدابير القائمة على الحياة البرية للتخفيف من تغير المناخ. 
بناء عليه، فإن الدراسات المنجزة حتى الآن والاختبارات والتجارب التي نفذت حتى اليوم مهدت الطريق لتحديد الخطوات التي يجب اتخاذها لتخفيف أثر تغير المناخ على التنوع البيولوجي. أولاً، لا بد من تبني السياسة المناسبة في التخفيف من تغير المناخ، وهي تعزيز الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون، من بين أمور أخرى. أما السياسة المناسبة للحد من فقدان التنوع البيولوجي، فهي تقضي بإنشاء مناطق محمية، والحد من التلوث، والسيطرة على الأنواع الغازية وتقليل الإفراط في الحصاد.

وتسعى السياسة الثالثة إلى زيادة الممارسات الزراعية وتنويع محاصيلها، وإدارة الغابات المستدامة لتحسين القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وتعزيز التنوع البيولوجي، وزيادة تخزين الكربون وتقليل الانبعاثات الضارة. أما النظم الإيكولوجية للغابات فهي ضرورية للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال عزل الكربون. 
مع ذلك، فقد أثر تغير المناخ على عمل النظام الإيكولوجي للغابات بطرق سلبية وإيجابية على حد سواء، وأدى إلى تحولات في الأنواع والتنوع الوظيفي وخسائر في تنوع الأنواع النباتية، الأمر الذي قد يضعف الآثار الإيجابية للتنوع على عمل النظام الإيكولوجي. وربما يخفف التنوع البيولوجي من آثار تغير المناخ على التنوع البيولوجي نفسه، إذ يمكن أن تكون الأنظمة الأكثر تنوعاً أكثر مرونة في مواجهة تأثيرات تغير المناخ. 

واستناداً إلى تأثيرات التنوع البيولوجي على عمل النظام الإيكولوجي، فإنه يبدو أن هناك إمكانية لدى التنوع البيولوجي للتخفيف من آثار تغير المناخ على أداء النظام الإيكولوجي للغابات. وهذا يعني ضرورة حماية النظم البيئية الطبيعية واستعادتها من خلال وضع استراتيجيات التخفيف من حدة المناخ القائمة على النظام الإيكولوجي، بما في ذلك وقف تحويل النظم البيئية الأرضية الطبيعية واستعادتها، ومن خلال المساهمة في عزل الكربون العالمي من خلال عمليات التحريج، وتجنب إزالة الغابات وتحسين إدارتها.

من جهة أخرى، يمكن تطبيق التخفيف من أثر تغير المناخ من خلال إراحة مكونات التنوع البيولوجي من أنواع نباتية وحيوانية من الأخطار التي تتهددها، مثل التشدد بمنع صيد الأنواع القاطنة والأنواع المهاجرة، أو من خلال توفير حاضنات بيض للسلاحف البحرية المهددة بخطر الانقراض حتى يفقس البيض ومن ثم يطلق الصغار باتجاه البحر، أو من خلال وضع أقفاص شبك حديدية تحمي الأعشاش تحت رمال الشواطئ من الكلاب الضالة والثعالب وابن آوى والإنسان، أو من خلال تثبيت تربة أطراف الغابات منعاً لانزلاقها، أو من خلال منع تلوث مياه الشرب بالمبيدات أو المياه المبتذلة.

وهناك الآلاف من الوسائل المخففة لتأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي، وأهمها تحصين هذه الأنواع من أضرار أخرى قد تصيبها من مصادر أخرى، كالسدود ومزارع الطاقة الهوائية أو الشمسية وغير ذلك. وفي جميع الأحوال، يحتاج الأمر إلى التزام وتضافر دوليين لحماية الإنسان وباقي الكائنات الحية من أثر تغير المناخ.


(اختصاصي في علم الطيور البرية)

المساهمون