يتزامن انتشار الأمراض التحسسية والتنفسية في مخيمات الشمال السوري، مع عدم وجود نقاط طبية لعلاج الحالات المرضية، ما يضطر كثيرين لقطع مسافات طويلة للوصول إلى المراكز الصحية.
تشكو الطفلة نور الحلبي (6 سنوات) من مرض الرمد الربيعي، والذي يصيب كلتا عينيها من وقت لآخر، وهي تعاني من الحكة المستمرة، واحمرار العينين، وتشوش الرؤية من جراء الحساسية التي تشكو منها على مدار السنة. تقول والدتها رولا المرعي لـ"العربي الجديد"، إنها لم تستطع الحصول على علاج دائم لابنتها، وإنها جربت علاجات عدة من دون نتيجة، والسبب هو الغبار الدائم في المخيم الذي يقطنونه، ضمن تجمع مخيمات دير حسان.
وتضيف: "لا نستطيع الخروج من خيامنا من جراء انتشار الهواء المحمل بالرمال والأتربة، وبضع لحظات خارج الخيمة كفيلة بإصابة الشخص بالتهاب العين، وحالة من العطس المستمر".
وتشهد مخيمات ريف إدلب انتشاراً كبيراً للعديد من الأمراض، كونها بؤرة لنقل العدوى، في ظل قلة الوعي بالنظافة الشخصية، وعدم التقيّد بالإجراءات الوقائية للحفاظ على الصحة العامة، كما أرغم ارتفاع أسعار المحروقات النازحين على استخدام مواقد الطهي البدائية، والاعتماد في إشعالها على مواد مثل البلاستيك والكرتون، مما أدى إلى ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض الصدرية والتنفسية لدى الأطفال.
يحاول الطفل لؤي العبيد (خمس سنوات) التعايش مع مرض الربو التحسسي، وهو أحد أكثر أمراض الجهاز التنفسي شيوعاً في المخيمات. تقول والدته لمى البراء إن "ما يعانيه متعلق بإقامتنا في مخيم بائس، حيث نعتمد، نتيجة الفقر وقلة فرص العمل، على حرق النفايات للطبخ، بعد ارتفاع سعر الغاز بشكل لا يمكن مجاراته، إذ وصل سعر أنبوبة الغاز إلى 300 ليرة تركية، عدا عن الصرف الصحي المكشوف، والغبار، والنفايات المتراكمة، فضلاً عن وجود مقالع حجرية على مقربة من المخيم الواقع في بلدة مشهد روحين، ما يضيف سبباً آخر لانتشار الأمراض التنفسية التحسسية، وكل ذلك يتزامن مع عدم توافر المراكز الصحية".
ومن داخل خيمة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، تظهر معاناة الطفلة رنيم السلور (13 سنة) من التهاب الجيوب الأنفية التحسسية الناتج عن غبار الطرق الترابية القريبة من المخيم. تقول رنيم إنها تتناول حبوب السيتامول بشكل مستمر، لكنها لم تعد تفيدها في تخفيف الألم، بل تسبب لها آلاماً في البطن، من دون سبيل لعلاج حقيقي، موضحة أنها رافقت والدها إلى مراكز طبية عدة، لكن لم تصل إلى الشفاء التام نتيجة حاجتها لعلاج دائم، وهو ما لا يتوفر في مخيمات أطمة، حيث تقيم مع عائلتها.
من جانبه، يؤكد الأخصائي في الأمراض التحسسية والمناعية، محمد الرحمون، لـ"العربي الجديد"، أنه يستقبل عشرات الحالات داخل عيادته الواقعة في مدينة سرمدا بشكل يومي، وغالبيتها من سكان المخيمات التي تغيب فيها النظافة، وينتشر الماء الملوث والغبار الكثيف. يتابع: "أمراض الحساسية تحدث عند استجابة الجهاز المناعي لمادة غريبة، مثل حبوب اللقاح أو وبر الحيوانات، وترجع إصابة النازحين وأطفالهم بالأمراض إلى سكنهم في بيئة محفوفة بالمخاطر، بينما تقام المخيمات في مناطق بعيدة عن مراكز المدن، وبالتالي بعيداً عن المشافي".
وأشار الرحمون إلى أن "معظم الأمراض متعلقة بالربو التحسسي، والتهاب الأنف التحسسي، وحساسية الأغذية، أو حساسية الأدوية، وأمراض الجهاز الهضمي، وأمراض الجلد، كما يجري تشخيص أمراض أخرى مثل حساسية الحشرات. أكثر الأدوية التي أصفها لمرضاي هي العقاقير المضادة للهيستامين، والتي تعمل على تخفيف أعراض الحساسية، مثل الحكة والعطس، إضافة إلى العقاقير المزيلة لاحتقان الأنف. أوصي الجميع باتباع قواعد النظافة العامة، وتقليل فرص التعرض للعوامل المثيرة للحساسية، كالغبار والأدخنة".
وقال فريق "منسقو استجابة سورية" في بيان، إن مخيمات النازحين التي تضم أكثر من 1.8 مليون نازح، من بينهم نحو مليون يعانون من انتشار الحرائق، نتيجة عوامل مختلفة، أبرزها الاعتماد على وسائل التدفئة والطهي غير المناسبة، وانتشار الصرف الصحي المكشوف، وتبلغ نسبة المخيمات المخدمة بالصرف الصحي 37 بالمائة فقط، في حين أن جميع المخيمات العشوائية لا تحوي مشاريع للصرف الصحي.
ولفت البيان إلى أن المياه الصالحة للشرب غائبة عن 47 في المائة من المخيمات، وعدد المخيمات التي لا يتوفر فيها مياه نظيفة أكثر من 658 مخيماً، إضافة إلى زيادة الأمراض الجلدية، نتيجة انتشار الحشرات، إذ تسجل إصابة 22 في المائة من سكان المخيمات بأمراض جلدية، إضافة إلى تزايد الإصابات المسجلة بمرض الكوليرا.