تُعَدّ جريمة الاتجار بالبشر إحدى أبرز الجرائم التي نشطت في العراق خلال السنوات الأخيرة، وتُسجل السلطات وقائع شبه يومية يجري فيها استغلال فئات مثل المعوقين والمشردين والفقراء في العمل تحت ظروف صعبة، أو في مجالات بعضها مجرم في القانون، مثل الدعارة أو التسول أو تهريب الممنوعات، فضلاً عن توجه آلاف الشباب نحو الهجرة السرية بسبب الظروف التي تعيشها البلاد، وسط انتقادات متكررة لإجراءات وخطط مكافحة تلك الجرائم.
يعرّف القانون العراقي جريمة الاتجار بالبشر بأنها أي تجنيد، أو نقل، أو إيواء، أو استقبال لأشخاص من خلال التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر، أو الاختطاف، أو الاحتيال، أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف البيع، أو الاستغلال، أو العمل القسري، أو الاسترقاق، أو التسول، أو المتاجرة بالأعضاء، ويفرض القانون عقوبات مشددة بالسجن والغرامة المالية على المتاجرين بالبشر.
وألقت قوات الأمن العراقية القبض على عشرات المتورطين في قضايا الاتجار بالبشر خلال الأشهر الماضية، كان آخرها ما أعلنته خلية الإعلام الأمني، مؤخراً، بشأن القبض على 13 متهماً بالاتجار البشر وتهريب المخدرات في محافظة بغداد.
وذكرت الخلية في بيان، أنّ "العصابة التي تتاجر بالبشر مكونة من 13 متهماً من بينهم خمس سيدات، وكانوا ينقلون النساء إلى خارج البلاد، وجرت عملية القبض عليهم في منطقة الكرادة".
ويقول ضابط في مديرية مكافحة الاتجار بالبشر التابعة لوزارة الداخلية العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "جرائم الاتجار بالبشر تعد الأخطر حالياً بعد ملف تهريب وتجارة المخدرات، والجريمة تساهم في انتشار المخدرات من خلال تخصيص أفراد لعمليات توزيع المخدرات في الأحياء والمدن، وخلال الأشهر الماضية سجلت السلطات ارتفاعاً كبيراً في حالات الاتجار بالبشر، وأكثرها كان في بغداد".
وأكد المسؤول في وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، موسى حميد، لـ"العربي الجديد"، أن "الوزارة مشغولة منذ أشهر بمنع كل أشكال الاتجار بالبشر، سواء من العراقيين، ومن بينهم معوزون وفتيات قاصرات، أو الاتجار بالبشر العابر للحدود، وهناك تنسيق بين وزارات الهجرة والداخلية والعمل، إضافة إلى هيئات إنسانية ومنظمات مجتمع مدني، ويوجد توجه إلى اقتراح مشروع قانون لطرحه على البرلمان لإقراره كمحاولة لكبح تفشي هذه الجريمة، ويتضمن مشروع القانون عقوبات وإجراءات جديدة، ويدعم التنسيق بين المؤسسات الرسمية، وإمكانية الاستعانة بخبرات الناشطين في هذا المجال".
ويضيف حميد أن "معدلات الاتجار بالبشر، خصوصاً المعوقين والأطفال والفتيات، في ارتفاع مستمر من جرّاء كثرة العصابات التي تمارس هذه الجريمة، ورغم أن السلطات الأمنية تلاحقهم، وتعتقل الكثير من العصابات، إلا أن الظاهرة لا تزال موجودة، وتهدد المجتمع العراقي، ويمكن القول إن الهجرة السرية من إيران وسورية ولبنان إلى العراق، أدت إلى زيادة رواج الجريمة".
ولفت المسؤول العراقي إلى أن "أشكال الاتجار بالبشر، وما تؤدي إليه، تتوزع على قطاعات عمل واضحة لدى وزارة الهجرة وبقية الوزارات والجهات ذات العلاقة، ومن بينها الدعارة، والعمل في الملاهي الليلية، وتهريب الممنوعات، وخصوصاً المخدرات، إضافة إلى ظاهرة التسوّل، وهناك عصابات مسؤولة عن إدخال معوقين من بلدان من بينها باكستان وبنغلادش وإيران، ونشرهم في الشوارع بهدف التسول، فضلاً عن استخدام الاتجار بالبشر كوسيلة للتجارة بالأعضاء البشرية".
وتعمل بعض منظمات المجتمع المدني العراقية في الدفاع عن حقوق الفئات الفقيرة التي عادة ما تكون ضحية لعصابات المتاجرة بالبشر، وتتواصل عدد منها مع المؤسسات والدوائر الرسمية في مجالات رسم الخطط واتخاذ الإجراءات للحد من تفاقم تلك الجريمة، لكن بعضها تتعرض إلى تهديدات من قبل مجهولين ينتمون إلى تلك العصابات لثنيهم عن أنشطتهم في مكافحة استغلال الفئات الفقيرة والضعيفة.
تقول عضو رابطة المرأة العراقية، مريم سلمان، إنّ "معظم منظمات المجتمع المدني تخصص ضمن برامجها السنوية وأنشطتها التطوعية حملات لمكافحة الاتجار بالبشر، وتعمل على الكشف عن الجهات التي تقف ورائها، وجميع المعلومات التي تصل إليها المنظمات تشير إلى وجود جماعات نافذة في الوسط السياسي والمليشيات المسلحة تحمي هذه العصابات".
وتضيف سلمان في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تحالفات تضم أعداد كبيرة من الناشطين والمنظمات على تواصل دائم مع الجهات ذات العلاقة، ومن بينها وزارتا الهجرة والداخلية، ويجري عقد مؤتمرات وندوات، وتنظيم فعاليات تثقيفية للتوعية من مخاطر الهجرة السرية التي تُعَدّ أحد أسباب تفشي الاتجار بالبشر، لكن المنظمات التي تركز على النشاطات الخاصة بمكافحة الاتجار بالبشر عادة ما يتعرض أفرادها إلى تهديدات".
وفي مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، أكدت منظمة "المصير" العراقية، توثيقها "ارتفاعا صادما" في أعداد جرائم الاتجار بالبشر التي يقع ضحيتها النساء والأطفال، معتبرة أن الأسباب المباشرة ترجع إلى زيادة نسب الفقر والبطالة، وتصاعد قوة عصابات الجريمة المنظمة، وزيادة عمليات بيع الأعضاء عالمياً، فضلاً عن تفشي الاستغلال الجنسي والتسول والإكراه على العمل.
وخلصت المنظمة في تقرير، إلى أن القضاء العراقي ما زال يتجنب في بعض أحكامه اللجوء إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر في 2012، ويصدر أحكامه وفقاً لقانون العقوبات الصادر في 1969، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الاستغلال الجنسي، كما أنّ المؤسسات الحكومية تفتقر إلى وجود تعريف موحد لمفهوم الاتجار بالبشر، وهناك حاجة ملحة لمنح إجازات لفتح منظمات المجتمع المدني مراكز لإيواء ضحايا الاتجار بالبشر.