تسبّب تسرّب النفط من أنبوب ضخّ رئيسي بتلوّث واسع لمياه نهر الجراح في ناحية القحطانية إلى الشرق من محافظة الحسكة، في حادثة ليست الأولى، لكنها الكبرى من نوعها. إذ وقعت عدة تسرّبات من المنشآت النفطية في مناطق شمال شرق سورية، خلال السنوات الماضية.
وبدأ تسرّب النفط من الأنبوب يصل إلى قرية كرحسنات، متجهاً نحو قرى "أوتلجاه وآل رش من ثم مزكفت"، حيث توجد محمية "سد مزكفت" التي تعتبر محمية طبيعية لأنواع عديدة من الطيور والأشجار. وتسبّب التسرّب الذي وقع، أمس الجمعة، بتلوّث الهواء والتربة والماء على طول المسافة التي وصلها النفط بعد أن حملته مياه النهر.
أوضح خليل (44 عاماً)، أحد مواطني القحطانية، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التسرّبات النفطية باتت أمراً مقلقاً للأهالي في المنطقة، خاصة في كلّ من القحطانية والرميلان، ولا يتم ضبطها إلّا بعد فوات الأوان، أي بعد أن يغطي النفط مساحات واسعة من الأراضي. والتسرّب الأخير الذي وقع، أمس الجمعة، هو تسرب كبير. رائحة النفط الكريهة في الجو لا تحتمل، كما أنّ النفط سيتسرّب إلى المحاصيل ويسبّب أضراراً فيها".
وحدث تسرّب مماثل في المنطقة تسبّب بأضرار بالغة، إذ أكدت منظمة "باكس للسلام" الهولندية، في تقرير صدر عنها مطلع يوليو/ تموز 2020، أنّ تسرّباً من إحدى المنشآت النفطية تسبّب بتدفّق عشرات آلاف براميل النفط إلى القنوات والجداول في منطقة وادي رميلة، عبر أحد الروافد النهرية فيها، الذي وُصف في التقرير بـ"نهر الموت"، ليصل تسرّب النفط إلى نهر الفرات بمسافة 160 كيلومتراً. وفقد المزارعون جرّاء هذا التسرّب حقولاً كاملة من المحاصيل الزراعية.
أمّا عن أضرار التسرّب وتبعاته على السكّان المحليين، ومعاناتهم من الأضرار الناجمة عن المنشآت النفطية، فقد أكّد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" أنّ "الإدارة الذاتية عملت على صيانة الأنبوب المتضرّر الذي تسبّب بتسرّب كميات كبيرة من النفط، لكنها لم تطلق أي حملة لتنظيف النفط المتسرّب".
وقال المصدر إنّ التلوث النفطي في المنطقة تسبّب بتلوث الهواء وتلوث غازي كما تلوث التربة بالعديد من المواد السامة. ومع انتشار النفط بشكل واسع في النهر، ستتلوّث المياه الجوفية، وستنتج عن ذلك كوارث كثيرة، خاصة على الأعشاب والمواشي في المنطقة. ويبقى الخوف الأكبر من تسرّب نفطي يصل إلى بحيرة سد مزكفت، الذي يعتبر محمية لتربية الأسماك ومقصداً سياحياً مهماً لأهالي المنطقة.
ولفت المصدر نفسه إلى أنّ سبب حادثة التسرّب هذه، وغيرها من الحوادث المماثلة، عائد لإهمال عمليات صيانة المنشآت النفطية، فضلاً عن عدم الاهتمام وعدم وجود الفنيين والاختصاصيين القادرين على التعامل مع هذه الأمور، بالإضافة إلى عملية الفوضى في التخلّص من المشتقات النفطية، حيث يتم حرق المخلّفات النفطية والغازات المنبعثة عنها، مع انتشار الحراقات النفطية البدائية. كما يخاف السكان أيضاً من تكرار هذه الحوادث في المستقبل، لما لها من تبعات كارثية عليهم وعلى البيئة.
وما زالت العديد من المناطق في محافظتي الحسكة ودير الزور تعاني من تبعات التسرّبات النفطية، والتكرير غير المضبوط للنفط باستخدام حراقات بدائية، لفصل المشتقات النفطية وطرح ما ينتج عنها من مخلفات لتختلط بالتربة وتسبّب انتشار السموم فيها.