الإنكليزية في مدارس المغرب لكسر الهيمنة الفرنسية

07 يونيو 2023
تعلّم الإنكليزية في المغرب لن يكون أمراً ثانوياً (فرانس برس)
+ الخط -

يتجه المغرب نحو المزيد من التمكين للتلاميذ باللغة الإنكليزية، من خلال بدء تدريسها في المرحلة الإعدادية خلال العام الدراسي المقبل، في خطوة أثارت تساؤلات حول الابتعاد عن التبعية اللغوية لفرنسا.
وتراهن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في المغرب على الوصول إلى تدريس اللغة الإنكليزية في المرحلة الإعدادية بشكل تدريجي، من خلال تغطية تصل إلى 10 في المائة للسنة الأولى، و50 في المائة للسنة الثانية. وفي العام الدراسي 2024 ــ 2025، سيتم توسيع تدريس اللغة الإنكليزية بنسبة تغطية تصل إلى 50 في المائة بالسنة الأولى، ومائة في المائة خلال السنة الثانية.
وفي العام الدراسي الذي يليه 2025 ـ 2026، سيتم تعميم تدريس اللغة الإنكليزية بنسبة 100 في المائة بالسنة الأولى من التعليم الإعدادي. وبحسب مذكرة صادرة عن الوزارة، يراعى في عملية التعميم اعتماد جداول حصص تنص على تخصيص 24 ساعة في الأسبوع و12 قسماً لكل مدرس، واعتماد ساعتين أسبوعياً لتدريس اللغة الإنكليزية لكل قسم.
وبهدف إنجاح تعميم اللغة الإنكليزية المعتمدة حالياً بدءاً من الصف الثالث إعدادي فقط، تشدد مذكرة الوزارة على أن التكوين الأساسي والمستمر لمعلمي ومعلمات اللغة الإنكليزية يحظى بأهمية خاصة في توسيع نطاق تدريسها وتعميمها، وهو ما يتطلب التكوين الأساس للمدرسين وفقاً لخريطة وبرنامج تكويني ينسجمان مع الأهداف، ويسمحان بتقوية القدرات اللغوية والمهنية للمعلمين والمعلمات، ولا سيما ما يتعلق بالتمكن من المقاربات والطرق البيداغوجية الفعالة في تدريس اللغات.

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهة أخرى، بدا لافتاً رهان الوزارة على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تعزيز القدرات اللغوية للأطر التعليمية، وخصوصاً من خلال دمج الأدوات الرقمية في تدريس مادة اللغة الإنكليزية، واعتماد منصات رقمية، وتمكين المعلمين والمعلمات من استعمالها، بالإضافة إلى تكوين الأطر التربوية من أجل التحكم بالتكنولوجيا الحديثة والمضامين الرقمية ذات الصلة بمنهجية تدريس هذه اللغة.
كذلك تقوم خطة الوزارة على العمل على تزويد المؤسسات التعليمية بالمكتبات، لتقوية قدرات التلاميذ اللغوية، وتزويد المعلمين والمعلمات بالمواد البيداغوجية الضرورية، التي من شأنها أن تساعدهم في تدريس اللغة. 

في طريقه إلى المدرسة (راكيل ماريا كاربونيل/ Getty)
في طريقه إلى المدرسة (راكيل ماريا كاربونيل/ Getty)

وخلافاً للغة الفرنسية التي تطغى على المناهج الدراسية في المغرب، لا يزال حضور اللغة الإنكليزية ضعيفاً، إذ لا تدرس في المدارس الحكومية قبل الصف الثالث الإعدادي. أما في مرحلة الثانوية العامة، فقد تراجع عدد ساعات التدريس من 4 أو 5 ساعات أسبوعياً إلى 3 فقط.
ويلجأ المغاربة بشكل متزايد إلى المعاهد الخاصة الأجنبية والوطنية التي تدرس اللغة الإنكليزية لتعلمها، على غرار المدارس الخاصة التي توفر هذه الفرصة. وعلى الرغم من مرور أكثر من 6 سنوات على اعتماد المغرب نظام المسالك الدولية في البكالوريا (تعتمد على نظام الدراسة الرسمي وعلى المناهج الدراسية الرسمية المعتمدة من قبل الوزارة)، والذي يتيح للطلاب اختيار دراسة المواد العلمية باللغة الإنكليزية، فإن الإقبال على هذا المسلك لا يزال محدوداً مقارنة بذلك الذي يعتمد على اللغة الفرنسية.
ويأتي توجّه الوزارة نحو تعميم تدريس الإنكليزية في التعليم الإعدادي انطلاقاً من العام الدراسي المقبل، في وقت تزايدت في الآونة الأخيرة المطالب باعتماد الإنكليزية كلغة أجنبية أولى في المدارس عوضاً عن الفرنسية، وهي المطالب التي رافقها إطلاق عريضة في سبتمبر/ أيلول الماضي لإلغاء تدريس المواد العلمية بالفرنسية في المدارس ووقف استخدام هذه اللغة في المؤسسات الرسمية.

يرغب الكثير من التلاميذ في تعلم الإنكليزية (فرانس برس)
يرغب الكثير من التلاميذ في تعلم الإنكليزية (فرانس برس)

وبحسب الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب عبد الإله دحمان، فإن مطلب التدريس بالإنكليزية هو مطلب شعبي، لأنه يعمل على تحرير المدرسة والجامعة المغربية من تركة وإرث الاستعمار الفرنسي ولغته التي لم تعد لغة البحث العلمي والتربية الحديثة، وسيمكنها كذلك من مواكبة عصر المعرفة والتقدم التكنولوجي. ويقول دحمان لـ "العربي الجديد" إن المغاربة سيحتضنون هذا التوجه نحو اللغة الإنكليزية، إذ إن عدد المغاربة الذين يستخدمون الإنكليزية سيشهد ارتفاعاً متزايداً خلال الأعوام العشرة المقبلة.

من جهته، يقول رئيس المنتدى المغربي للحق في التربية والتعليم هشام الهواري إن "تعميم تدريس اللغة الإنكليزية في المرحلة الإعدادية بدءاً من العام الدراسي المقبل هو قرار سيادي يعكس تحرر المنظومة التربوية من عوالق الماضي المرتبط بالتاريخ الاستعماري، من خلال اعتماد المصلحة الفضلى للمتعلم كمعيار أساسي لاختيار اللغات الأجنبية، التي ستفتح له آفاق التواصل مع باقي شعوب العالم وتيسر مساره المعرفي لاكتساب العلوم والانفتاح على باقي التجارب العالمية الرائدة، بعدما ثبت قصور اللغة الفرنسية في الاستجابة للمتطلبات التي يحتاجها الطلاب المغاربة لتطوير ملكاتهم التواصلية والعلمية وتأهيلهم للتنافس مع باقي شعوب العالم في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية".
ويلفت الهواري في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى وجود اعتراضات يفترض مواجهتها لتحقيق هذه الغاية، موضحاً أن أي انتقال وتحوّل لغوي من هذا النوع قد يعارضه البعض، وخصوصاً في ما يتعلق بتأهيل الموارد البشرية الكافية والكفوءة لتدريس اللغة الإنكليزية، وإدماج هذه اللغة في مقاربة التناوب اللغوي في تدريس المواد العلمية. يتابع أن "هذه الإكراهات تتطلب من الوزارة الوصية اعتماد تخطيط بيداغوجي للتخفيف من اعتماد اللغة الفرنسية لصالح الإنكليزية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الإيقاعات الزمنية للتعلم والقدرة الاستيعابية للمتعلمين تفادياً للحشو التراكمي الذي قد يفضي إلى إفشال التجربة. وأخيراً وهو الأهم، لا بد من توفر إرادة سياسية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار كل هذه الإكراهات من أجل تذليلها، وتترصد جميع القوى ذات المصالح الخاصة التي قد تعاكس هذا الاتجاه، للعمل على تحييد فعاليتها السلبية حيال مسارات الإصلاح".

المساهمون