الإخلاء القسري يضاعف معاناة أهالي غزة: النزوح الأخير أو الموت

20 اغسطس 2024
النزوح المتكرر يضاعف معاناة أهالي غزة، 18 أغسطس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

لم يجد أهالي غزة سبيلاً أمام قرارات جيش الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء مناطقهم سوى تكرار النزوح من منطقة لأخرى، بحثاً عن الأمان في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، غير أنّ قرارات الإخلاء لا تنتهي والنزوح لا يتوقف، حتى أصبح النزوح الأخير أو الموت أمنية عبّرت عنها العديد من الفلسطينيين في القطاع.

رحاب الرفاتي التي تعرضت وأسرتها للنزوح عشر مرات تقول لـ"العربي الجديد" إنها تفضل الموت على سماع كلمة إخلاء أو كلمة نزوح جديد، إذ تعرضت أسرتها للنزوح المتكرر داخل مراكز الإيواء في مدينة غزة، وصولاً إلى النزوح جنوباً، مع كل تهديد للاحتلال بضرورة التوجه نحو المناطق التي يدعي أنها "آمنة" في المحافظات الوسطى والجنوبية.

الصورة
النزوح المتكرر يضاعف معاناة أهالي غزة، 18 أغسطس 2024 (فرانس برس)
النزوح المتكرر يضاعف معاناة أهالي غزة، 18 أغسطس 2024 (فرانس برس)

وكما تتساقط صواريخ الاحتلال على الغزيين، تتساقط كذلك مناشير الاحتلال بإخلاء المناطق السكنية، أو قد يلجأ الاحتلال أحياناً إلى الاتصال المباشر بالمواطنين، أو إرسال الرسائل إليهم أو حتى عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما قد لا ينتبه له الكثير من الأهالي، فيسارع الفلسطينيون لبث الخبر لضمان خروج الجميع وعدم تعريض أنفسهم للخطر، ويبدأ حينها التفكير في وجهة جديدة للنزوح في ظل عدم وجود أماكن مهيأة لاستقبالهم واستنزاف العدوان قدرتهم على التحرك، سواء بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية والتي تصطدم بالأسعار الباهظة للنقل والمواصلات نظراً لنقص الوقود في ظل إغلاق المعابر، أو نتيجة الخوف والقلق من الاستهداف، خاصة في ظل المجازر المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال بحق النازحين.

النزوح ورحلة من الشقاء لا تنتهي

تقول الرفاتي وهي أم لأربعة أطفال إن كل عملية نزوح تعتبر أصعب وأسوأ من سابقتها، خاصة بعد استنزاف الحرب الطويلة لقدراتهم المالية، والجسدية، والنفسية، مشيرةً إلى أنّ كل نزوح يترافق مع أمنية وحيدة، وهي أن يكون النزوح الأخير، إلا أن ذلك لا يحصل، إذ ننزح مجدداً، مضيفة: "الأمر مرهق ومتعب وبات أكبر من طاقتنا وقدرتنا على التحمل".

الصورة
النزوح المتكرر يضاعف معاناة أهالي غزة، 18 أغسطس 2024 (فرانس برس)
النزوح يكلف اهالي غزة أثمانا باهظة في ظل نقص أساسيات الحياة، 18 أغسطس 2024 (فرانس برس)

وتبين الرفاتي، والتي نزحت برفقة أسرتها من المنطقة الشرقية لمخيم البريج للاجئين شرقي وسط القطاع، إلى منطقة المشاعلة غربي مدينة دير البلح، أن "الإخلاء المتكرر لمكان النزوح مكلف للغاية، ومرهق، ومحبط، إلى جانب أنه يصيب النازحين باليأس الشديد، لدرجة أن نسبة منهم باتت تعتقد أنهم سيقضون حياتهم في التنقل من منطقة إلى أخرى من دون أي قدرة على الاستقرار".

قد لا يعرف الفلسطينيون في غزة وجهتهم الأولى للنزوح، إلا أن اهتمامهم الأول ينصب على مغادرة المناطق التي أنذرها الاحتلال أملاً في النجاة، حيث تجسد عبارة "إخلاء المنطقة" كل تفاصيل الألم كما يصفها الفلسطيني أمجد أبو زيد، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن نزوحه الأول كان نحو مدرسة إيواء في معسكر الشاطئ غربي مدينة غزة بسبب اشتداد القصف وزيادة الأحزمة النارية في محيط أبراج المخابرات شمال غرب المدينة، والتي أدت إلى استشهاد عدد من جيرانه وأقاربه إلى جانب تدمير منزله ومنطقة سكنه، وقد تبعتها عدة عمليات تنقل قسري في المحافظات الوسطى والجنوبية.

ويلفت أبو زيد، الذي حزم أمتعته البسيطة على عربة كارو نقلته من داخل مدرسة تقع على خط صلاح الدين شرق مدينة دير البلح إلى منطقة الـ17 غربي المدينة، جراء التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للمناطق الشرقية، إلى الكلفة الباهظة لكل عملية نزوح على كل الأصعدة، واصفاً تفاصيل رحلته القسرية الأخيرة قائلاً: "كنا نتابع كغيرنا الأخبار المتعلقة بمفاوضات صفقة التبادل، إلا أننا فوجئنا بنشر خريطة إخلاء جديدة، تتضمن المنطقة التي تضم خيمتنا، قمنا على الفور بفك الخيمة الخشبية ولملمة أغراضنا، حينها اضطررت للانتقال عبر عربة كارو بسبب عدم توفر سيارات أجرة، أو توفرها بأسعار مرتفعة، وتحركنا من دون أن نعرف وجهتنا أو المكان الجديد للنزوح، إلى أن وصلنا للمناطق الغربية وأقمنا خيمة جديدة في مكان يفتقر لوجود الماء أو أدنى مقومات الحياة".

الصورة
النزوح المتكرر يضاعف معاناة أهالي غزة، 18 أغسطس 2024 (فرانس برس)
تعكس أماكن النزوح الحياة الشاقة والمرهقة لعموم الفلسطينيين، 18 أغسطس 2024 (فرانس برس)

وفوجئ الفلسطيني مصطفى صبح، الذي نزح للمرة الثامنة من مخيم النصيرات إلى مدينة رفح جنوباً، ظناً منه أنه النزوح الأخير، بطلب إخلاء المدينة تمهيداً لاجتياحها البري مطلع مايو/أيار الماضي، ما اضطره إلى النزوح للمرة التاسعة نحو منطقة الزوايدة، كما يعيش حالة نزوح عاشرة نحو منطقة المواصي التي يطلق عليها الاحتلال مناطق إنسانية آمنة.

ويلفت صبح إلى صعوبة عمليات الإخلاء المتكررة والمرهقة، حيث تزداد مأساوية الواقع المعيشي مرة تلو الأخرى، مضيفاً: "يبدأ الإرباك منذ لحظة سماع نبأ الإخلاء بالطرق التي باتت معروفة، سواء عبر الإنترنت أو مناشير الطائرات أو الاتصالات أو الرسائل". ويوضح صبح أن الانتقال القسري من مكان نزوح إلى آخر يتسبب بحالة من الإرهاق الشديد، خاصة في ظل النقص الحاد في الأدوات والإمكانيات، "نضطر إلى فك الخيام، ما يتسبب بتكسير الأخشاب، وتمزيق النايلون والأقمشة المهترئة بفعل طول المدة، نحزم أمتعتنا ونبدأ بالبحث عن وسيلة نقل في ظل النقص الشديد، والارتفاع الخيالي في الأسعار، في الوقت الذي يعاني فيه الجميع من وضع اقتصادي منهك".

وتعكس أماكن النزوح الحياة الشاقة والمرهقة لعموم الفلسطينيين في القطاع الذي يتعرض منذ أكثر من عشرة أشهر لحرب إبادة قاسية. كما تخلق أوامر الإخلاء المتلاحقة حالة من الإرباك والتيه والقلق والتوتر بين المواطنين، بسبب أعداد النازحين الكبيرة والتي يقدرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بنحو مليوني مواطن، لا تتوافر أماكن مناسبة لاستيعابهم.

المساهمون