الأمن العراقي عاجز أمام تهديدات المسلّحين عن ضمان الأمن لعودة 540 أسرة إلى قرية نهر الإمام
تتواصل معاناة المئات من الأسر العراقية التي نزحت نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، من قرية نهر الإمام، ضمن محافظة ديالى شرقي العاصمة بغداد في رحلة نزوح هي الأوسع من نوعها التي تشهدها البلاد منذ انتهاء القتال ضد تنظيم "داعش"، وتحرير كامل المدن العراقية من سيطرته مطلع العام 2017، وذلك عقب هجمات انتقامية نفذتها مليشيات مسلحة طاولت القرية وقرى أخرى صغيرة مجاورة لها.
وتقيم أكثر من 540 أسرة من أهالي قرية نهر الإمام، المنكوبة في خيام وخرائب ودور غير مكتملة تتوزع بمدن بعقوبة وحمرين وخانقين والقاطون، كما أن آخرين نزحوا إلى الأنبار وبغداد، وسط تقارير تحذر من أوضاع إنسانية صعبة تحيط بتلك الأسر، إذ ترفض مليشيات مسلحة عودة الأهالي وتفرض سيطرتها على منازل القرية وبساتينها، في ظل عجز حكومي عن فرض القانون والنظام في المنطقة.
وبحسب مرصد "أفاد"، الحقوقي في العراق، فإن السكان من أهالي قريتي نهر الإمام والميثاق الأولى والثانية يعيشون أوضاعا سيئة خاصة النساء والأطفال منهم، مع تسجيل حالتي وفاة حصلت أخيرا بينهم إحداهما لسيدة توفيت خلال موجة البرد الأخيرة التي ضربت مناطق شمال وشرقي العراق داخل خيمة في منطقة حمرين ضمن محافظة ديالى.
وحمّل المرصد حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مسؤولية الإخفاق في حمايتهم من هجمات المليشيات المسلحة التي نفذت عمليات إعدام ميدانية داخل منازل الضحايا.
بيان #مرصد_أفاد حول جرائم التطهير الطائفي في محافظة #ديالى. pic.twitter.com/yyMD1EP3DY
— مرصد أفاد (@Afada_iraq) November 2, 2021
وفي هذا السياق، قال مسؤول في جهاز الشرطة المحلية بمحافظة ديالى لـ"العربي الجديد"، إن محاولات إعادة سكان القرية باءت بالفشل، بسبب تهديدات لجماعات مسلحة وعدم ضمان الجيش والشرطة أمنهم".
وأضاف أنّ فصيلا مسلحا يُحمّل أهالي القرية مسؤولية هجوم إرهابي على قرية الرشاد المجاورة، رغم أن التحقيقات الأمنية التي أشرف عليها جهاز الأمن الوطني والاستخبارات أكدت أن المهاجمين لا علاقة لهم بأهالي القرية وأنهم لم ينطلقوا في تنفيذ الهجوم منها، خاصة وأن قوات الأمن قتلت الخلية الإرهابية المتورطة في أغلب هجمات مناطق شمال شرقي ديالى وتم الكشف عن هوياتهم"، معتبرا أن "دوافع استيلاء وتغيير ديموغرافي تقف وراء عمليات التهجير التي تنفذها فصائل مسلحة، بحجج مختلفة".
وحول المليشيا التي تقف خلف منع أهالي القرية من العودة إلى منازلهم، أوضح المسؤول الأمني أنهم ينتمون إلى "منظمة بدر"، التي يتزعمها هادي العامري، لكنه أكد أن المليشيا نجحت في منح الموضوع "طابعا قبليا وعشائريا، مثل كثير من الملفات الأخرى الأمنية بالمحافظة".
وكشف عن أن "عدة محاولات ووساطات لإعادتهم إلى منازلهم تصطدم بحقيقة أن قوات الجيش لن تكون قادرة على ضمان أمنهم من أي هجمات جديدة".
واليوم السبت، قالت وزارة الهجرة العراقية، إن البلاد بحاجة إلى ما وصفته بـ "الميثاق العشائري والاتفاق السياسي"، من أجل إعادة جميع النازحين إلى مناطقهم.
وأوضح وكيل الوزارة كريم النوري في معرض تعليقه على استمرار أزمة النزوح في البلاد، أن إعادة الأسر النازحة مرهونة بتوفير الأمن في مناطق سكن النازحين الأصلية، فضلا عن حل النزاعات العشائرية التي تمنع أغلبها من العودة"، مشددا في حديث لصحيفة "الصباح" الرسمية على أهمية التوصل إلى "ميثاق عشائري من خلال تعزير المصالحة الوطنية وكذلك الاتفاق السياسي".
ولفت إلى أن "وزارة الهجرة عازمة على إعادة أكبر عدد من النازحين الذين لا يزالون في مخيمات الإقليم بعد حلّ هذه الإشكاليات، من أجل إنهاء ملف النزوح"، مشيرا إلى "التنسيق مع منظمات دولية مانحة لتقديم الدعم اللازم للنازحين في إقليم كردستان، من خلال دعم الشباب وإنشاء مشاريع النقد مقابل العمل ومشروع مساعدة سبل العيش".
وخلال الأسابيع الأخيرة الماضية، قاد وجهاء القرية وأعيانها عدة محاولات في بغداد لتأمين عودة السكان إلى القرية التابعة لمدينة المقدادية ضمن محافظة ديالى شرقي بغداد، شملت سياسيين وزعماء مليشيات مسلحة ومسؤولين بالحكومة، لكن بحسب مصادر مقربة، فإن تلك الجهود لم تنجح في تحريك قضيتهم حتى الآن.
النائب عن المحافظة، رعد الدهلكي، انتقد تقصير الحكومة بهذا الملف، على الرغم من المعاناة الإنسانية لتلك العوائل التي تحتاج إلى تدخل، وقال الدهلكي في بيان: "كنا نتمنى من رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي أن يكون له موقف إيجابي يضمن عودة نازحي ديالى، خصوصا أبناء قرية الإمام وأن يعمل على ترصين اللحمة المجتمعية في القرية".
وأشار إلى أنه، "كما يبدو فإن قضية عودة نازحي المحافظة من الملفات التي لا يكترث لها رئيس الوزراء، على اعتبار أن تركيزه ينحصر في هذه المرحلة على تجديد ولايته لدورة ثانية، أكثر من اهتمامه بمظلومية العوائل وحقوق المكونات وغيرها".
وقاد ناشطون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، للتذكير بمعاناة أهالي القرية والقرى المجاورة المهجرين، مطالبين الحكومة بإعادتهم وضمان أمنهم.
اذا كل واحد منا تخيل ان بيته وملكه سيكون مصيره كما في هذه الصورة من قرى #نهر_الامام لاختلف كل شيء بما في ذلك ضميره #أنت_النازح_القادم pic.twitter.com/Xh4MPDpOZj
— ميمونة الباسل🇮🇶 (@MemonaAlbasl) February 18, 2022
افراغ المدن من ساكنيها هو الطريقة التي تتبعها المليشيات لاحداث تغيير ديموغرافي في اي محافظة،
— محي الانصاري (@muhesaleh1) February 17, 2022
تكرار تجربة جرف الصخر هو الوعد الذي توفي به هذه الجماعات يوماً بعد اخر ولنا في قرى نهر الامام في المقدادية خير مثال في الامس القريب، واليوم قرى مكحول !!#انقذوا_عوائل_ناحية_مكحول
ويؤكد وجهاء وشيوخ عشائر في المحافظة، أن الوضع الأمني في المحافظة شبه مستقر، وعلى الجهات المسؤولة تحمل مسؤوليتها إزاء إنهاء معاناة المهجرين قسرا، وقال الشيخ عبد الله العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "على الحكومة في بغداد التدخل لإنهاء هذا الملف.. مئات العائلات بما فيها النساء والأطفال والشيوخ تسكن الخيام والهياكل في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية".
وأضاف أن "تفاقم هذه المعاناة يعود بالأساس إلى الإهمال الحكومي، وأن الحكومة هي الجهة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية ذلك"، مشددا: "يجب أن يكون هناك تدخل حاسم، وفرض هيبة الدولة بإرجاع العوائل إلى مناطقها، وتوفير الحماية لها".
ونهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، نفّذ مُسلّحون تابعون لتنظيم "داعش"، اعتداء إرهابيا، استهدف قرية الرشاد شمال شرقي ديالى، خلف 14 قتيلاً وأكثر من 15 جريحاً آخرين، وردّت مليشيات مسلحة تستقل سيارات تابعة لـ"الحشد الشعبي"، باقتحام قرية نهر الإمام المجاورة لها، وقامت بعمليات إعدام ميدانية لمواطنين داخل منازلهم بلغت حصيلتهم 12 شخصاً بينهم سيدة وطفل، كما أحرقوا مركزا صحيا ومسجدا وعددا كبيرا من المنازل والبساتين، قبل أن تطلب من الآخرين الخروج من منازلهم وترك القرية دون السماح لهم بأخذ ممتلكاتهم التي سُرق لاحقا قسم كبير منها، وسط عجز قوات الجيش والشرطة عن إيقاف الاعتداء على القرية وقرى أخرى مجاورة طاولتها أعمال انتقامية على نحو أقل في الوقت ذاته.