الألغام ومخلفات الحرب تؤجل عودة النازحين من الشمال السوري

08 ديسمبر 2024
أحد مخيمات شمالي إدلب. 29 سبتمبر 2024 (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- يتوق النازحون في شمال غربي سوريا للعودة إلى مدنهم وقراهم بعد خروج قوات النظام، لكن الألغام ومخلفات الحرب تعيق عودتهم الفورية، حيث ينتظرون إزالة هذه المخاطر.
- بدأ العديد من النازحين، مثل حسان الحجي وسميرة الخالد، في العودة رغم الأضرار، ويخططون لإعادة بناء حياتهم، معبرين عن سعادتهم بالعودة بعد سنوات من العيش في المخيمات.
- تواجه العودة تحديات مثل نقص الخدمات الأساسية وضرورة ترميم المنازل، لكن الجهود مستمرة لإزالة الألغام وتأمين المناطق، مما يبعث الأمل في عودة آمنة ومستقرة.

يتوق الكثير من النازحين والمهجرين في مناطق شمال غربي سورية إلى مغادرة المخيمات والعودة إلى مدنهم وقراهم بعد خروج قوات النظام منها، مفضلين العيش في بيوتهم التي خرّبها عناصر جيش النظام بعد سنوات من التمركز فيها وسرقة محتوياتها، على الحياة في الخيام البالية والمهترئة.
وهؤلاء مجبرون على الانتظار ريثما تزيل الفرق المختصة الألغام ومخلفات الحرب عن الطرقات والمنازل في البلدات التي غادرها جيش النظام، كما علمت "العربي الجديد" من نازحين يقيمون في مخيمات الشمال السوري. العودة صعبة في الوقت الراهن مع انتشار القنابل والألغام والعبوات الناسفة.
يؤكد مدير مخيم طيبة، عبد الله السلوم، لـ "العربي الجديد"، أن نازحي المخيم يتوقون للعودة إلى بلداتهم بعد طرد جيش النظام والمليشيات منها، إلا أن هذه العودة لن تكون فورية لأسباب عدة، منها وجود الألغام. يضيف أن الكثير من الأهالي زاروا بلداتهم أخيراً، وأصيبوا بالخيبة، لكونها غير صالحة للسكن، مضيفاً: "البيوت مسروقة ومخربة وغير قابلة للسكن في الوقت الحالي".
يتابع السلوم: "فرحة العودة إلى الديار لا توصف بالتأكيد. الجميع يريد العودة، والحياة في المخيمات أتعبتنا، لكن المنازل بلا أبواب ولا نوافذ ولا حتى صنابير مياه. جيش النظام سرق كل شيء منها". ويلفت إلى أن الأهالي قد يبدأون في الفترة المقبلة بتجهيز المنازل للسكن وترك المخيمات خطوة أولى للاستقرار في بلداتهم وقراهم.
من جهته، قرر حسان الحجي العودة إلى قريته إحسم، إحدى قرى جبل الزاوية، بعد إبعاد جيش النظام عن المناطق القريبة منها، مفارقاً حياة الخيام وبؤسها. يقول لـ"العربي الجديد" إنه رغم أن قريته لم تكن محتلة من قبل النظام، إلا أنها كانت تتعرض للقصف المستمر من الطائرات والمدفعية والراجمات من قواته المنتشرة في القرى المجاورة، ولم يكن في وسعه العودة وتعريض حياة أسرته للخطر. لكن مع ابتعاد النظام عن تلك المناطق، أصبح في إمكانه العودة دون خوف. وينوي إعادة بناء حياته من جديد في قريته بعد سنوات من النزوح والعيش في مخيمات تخلو من كل مقومات الحياة. ورغم تضرر منزله في القصف المتواصل، فهو عازم على إصلاحه والاستقرار فيه من جديد.
أما النازحة سميرة الخالد، فعادت مع أسرتها إلى مدينة حلب التي هُجِّرت منها منذ سنوات طويلة. وتقول لـ"العربي الجديد": "الحمد لله الذي أتاح لي العودة وخلّصنا من ضنك العيش في الخيام. منزلنا لا يزال موجوداً بعد هرب المليشيات التي كانت تحتله. عاد الحق إلى أصحابه". تتنهد وتتابع: "اشتقنا إليكِ يا حلب".

بعض من الدمار في إدلب (بلال الحمود/ فرانس برس)
جانب من الدمار في إدلب (بلال الحمود/فرانس برس)

ينتظر علاء البرغل بفارغ الصبر تمشيط قريته كفروما من الألغام والمواد المتفجرة من قبل فريق تفكيك الألغام الهندسي، ليعود مع أسرته، كما يقول لـ "العربي الجديد". ورغم انهيار سقف منزله الذي هدمه النظام من أجل سرقة حديد السقف منه، فهو عازم على بناء خيمة مجاورة لمنزله والعيش فيها ريثما يتسنى له إعادة بناء منزله المهدم من جديد. يقول: "ذقنا الأمرّين في رحلة النزوح التي طالت أكثر من خمس سنوات. تجرعنا فيها مرارة البرد والفقر والتشرد. حان الوقت لتنتهي هذه الغمة. سنعاود إصلاح قريتنا ونعود لزراعة أراضينا التي هي مصدر رزقنا الوحيد، وجعلها أفضل مما كانت عليه".
ويكشف نازحون لـ "العربي الجديد" أن الألغام ومخلفات الحرب هي العائق الأول والأساسي أمام عودتهم في الفترة الحالية، وأنهم يترقبون انقضاء فصل الشتاء لتكون عودتهم الفعلية مع حلول فصل الربيع، حتى يتمكنوا من زراعة أراضيهم وبدء حياة جديدة في منازلهم بعد إصلاحها، بعيداً عن حياة النزوح في المخيمات وترقب المساعدات الإنسانية.
ويقول مدير مخيم بلدة أم نير (في منطقة جبل شحشبو - الجزء الغربي الشمالي من حماة)، عبد المنعم المحمد، الذي يحمل اسم البلدة التي نزح منها سكان المخيم، لـ"العربي الجديد": "لا نستطيع العودة في الوقت الحالي. ربما بعد انتهاء فصل الشتاء يمكن التفكير في العودة، لأن معظم البيوت مهدمة، ولا أحد لديه مأوى. بالنسبة إلى العودة الآن، الأمر صعب للغاية بسبب غياب الخدمات الأساسية في المنطقة، مثل المياه والخبز، وهذان هما الأهم. بالتأكيد، بعدما تعمل الفرق الهندسية على إزالة الألغام وتنظيف الأرض بالكامل، يمكن للناس أن يفكروا في العودة. البلدة كانت عبارة عن ترسانة عسكرية مزروعة بالألغام، وحتى بعد عمل فرق الهندسة على تنظيفها، لن يستطيع أحد العودة بسهولة. الطرقات كلها مزروعة بالألغام".

قضايا وناس
التحديثات الحية

بدوره، يقول فيصل عبد الغني لـ"العربي الجديد": "كنا مراراً وتكراراً نقول إن الحل الأمثل للنازحين هو العودة إلى قراهم وديارهم، واليوم بدت ملامح حل معضلة النازحين والمهجرين بتحرير تلك القرى والبلدات من سيطرة النظام. ذهبت إلى قرية معر شمشة في ريف معرة النعمان الشرقي (جنوبي محافظة إدلب)، وتفقدت المنزل الذي سُرقَت كل محتوياته وأثاثه وأسلاك النحاس والنوافذ والأبواب. لكن رغم ذلك، سنُعيد ترميم المنزل من جديد بشكل بسيط لنعود إليه في المرحلة المقبلة".
يتابع عبد الغني: "الفصائل الثورية تقوم بعمليات تمشيط تلك القرى والبلدات من فلول قوات النظام وإزالة الألغام ومخلفات الحرب، إذ إن قوات الرئيس بشار الأسد عملت على تفخيخ عدد من منازل القرية لإيقاع أكبر عدد من القتلى المدنيين، وهذه الطريقة الوحشية تدل على أن النظام يتفنن بكل أنواع الإجرام أينما وُجد. المنزل يحتاج إلى ترميم كامل، ولكننا الآن سعداء جداً لأننا سنعود إلى منازلنا وقرانا وأهلنا وجيراننا، وستنتهي معاناة المخيمات عما قريب. لكن هذا الترميم للمنازل والقرى والبنى التحتية يحتاج إلى جهود كبيرة من المنظمات الدولية والإنسانية لتكون عوناً للأهالي في إنهاء معاناة استمرت لأكثر من عقد".
وبدأت فرق الدفاع المدني العمل في عدة مناطق من ريف إدلب، بهدف تسهيل العودة الآمنة للمدنيين، حيث تعمل على نزع الألغام وإزالة الركام من الطرق، ضمن حملة أطلقت عليها "أمل العائدين.. نحو عودة آمنة للمهجرين".

المساهمون