يشهد الأردن زيادة في انتشار التدخين، كما أعلن خبراء ومتخصصون أردنيون، في ظل ضعف تطبيق قانون الصحة العامة بالإضافة إلى عوامل اجتماعية أخرى. وأكد تقرير جديد لمنظمة الصحة العالمية بعنوان "اتجاهات انتشار تعاطي التبغ 2000 ـ 2030"، أن المعدلات تشهد ارتفاعاً في 6 دول من بينها الأردن ومصر وعُمان، في وقت يستمر في الانخفاض في مختلف أنحاء العالم.
وصنف التقرير الأردن في المرتبة الأولى في تعاطي التبغ في منطقة شرق البحر المتوسط بنسبة 36.3 في المائة، يليه لبنان بنسبة 34 في المائة، ثم مصر بنسبة 24.7 في المائة.
وتقول أمينة سر جمعية "لا للتدخين" الدكتورة لاريسا الور، لـ "العربي الجديد"، إن المشكلة في الأردن تتمثل في عدم تطبيق القوانين الموجودة؛ فتطبيق القوانين هو السبيل لخفض استهلاك التبغ ونسب انتشاره في البلاد، وهذه القوانين هي جزء من مجموعة تشريعات يفترض أن تحدّ من انتشاره. فالأردن موقّع على الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، والتي يشكل تطبيقها خطوة مهمة لمكافحة هذه الآفة، خصوصاً أن قانون الصحة العامة الأردني متوافق مع الاتفاقية.
وتوضح أنه في مجال مكافحة التدخين، فإن القوانين موجودة على الورق فقط وليس على الواقع. القانون يمنع التدخين في الأماكن العامة، لكن هذا الأمر غير مفعّل، مشيرة إلى ضرورة الالتزام بالقوانين التي تمنع الترويج للتبغ. وعلى الرغم من عدم وجود إعلانات تبغ على شاشات التلفزيون وفي الصحف، إلا أنها موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي والمسلسلات، بالإضافة إلى رعاية شركات التبغ لأحداث فنية أو بازارت ومناسبات تنظمها جمعيات خيرية واجتماعية.
وتقول الور إن تغليف التبغ أحياناً يكون جاذباً، خاصة في المعسّل المستخدم مع النرجيلة، مشيرة إلى أهمية وجود صور تحذيرية كبيرة لتكون فاعلة على علب التبغ والمعسل، وزيادة حجمها لتصل الى 60 في المائة بدلاً من 40 في المائة حالياً.
لا يوجد منع اجتماعي أو قانوني للتدخين السلبي في الأماكن العامة الأردنية
وتوضح أنه من بين القوانين غير المفعلة بيع التبغ لمن هم دون سن 18 عاماً، فيما رفعت دول مثل الولايات المتحدة السن القانونية إلى 21 عاماً. وكشفت الدراسات أن بداية ارتباط 90 في المائة من الناس بالتدخين تكون تحت سن 18 عاماً، ورفع السن القانونية إلى 21 لا يحمي طلاب المدارس وحدهم، بل يحمي طلاب الجامعات أيضاً.
كما تلفت الور إلى أهمية زيادة نسبة الضرائب على منتجات التبغ، موضحة أن مقارنة أسعار التبغ بالأردن مع بعض دول المنطقة ومنها السعودية تظهر أنها منخفضة، ورفع السعر سيخفض من استهلاك الأطفال واليافعين للتبغ، وترى أن من أهم أسباب زيادة انتشار التدخين هو القبول الاجتماعي له، ما جعله منتشراً في غالبية الأماكن والجلسات الاجتماعية، إذ إن غالبية المقاهي والمطاعم في الأردن تقدم النرجيلة، والجميع يدخنون إما مباشرة أو تدخيناً سلبياً، حتى إن بعض الجهات تربط التدخين وتقديم النرجيلة بالسياحة، وأصبح غير المدخن يجد صعوبة في إيجاد مطعم يمنع التدخين.
تضيف أن انتشار السجائر الإلكترونية ساهم في زيادة نسبة التدخين في الأردن، والمطلوب هو منع المنكهات، مبينة أن الكثير من المدخنين في الأردن يتأقلمون مع البيئة المناسبة للتدخين، فيدخنون النرجيلة والسجائر الإلكترونية وتلك العادية بحسب جلساتهم.
بدوره، يرى الرئيس السابق للجنة الصحة النيابية والنائب في البرلمان الأردني فريد حداد، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن أسوأ اختراع بعد الرصاص الذي يقتل الناس هو صناعة التبغ، إذ تبحث الشركات عن المال ولا تتحمل تبعات الآثار الجانبية والضرر المباشر للدخان على البشر، ويشير إلى أن للأدوية أعراضاً جانبية تُكتب على عبوات الدواء والشركة المصنعة تتحمل التبعات، لكن شركات التبغ في بلادنا لا تتحمل تبعات أضرار التدخين.
يضيف حداد أن شركات صناعة التبغ والحكومات التي تفرض الضرائب تستغل هذه العادة التي أصبحت تضاهي الإدمان، وتستغل أن غالبية المواطنين يظنون أن التدخين يخرجهم من أزماتهم الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، فيما يعتبره بعضهم أحد مظاهر الرجولة. وهناك من يحاول توظيفه لدى النساء بأنه أحد مظاهر الحرية والمساواة. يتابع: "لم نفعّل قوانيننا لمحاربة التدخين السلبي، في وقت يجب أن تكون الضوابط مطلقة في حماية من لا يدخن"، لافتاً إلى أنه "لا يوجد في الأردن منع اجتماعي أو قانوني للتدخين السلبي في الكثير من الأماكن العامة. وإذا كان هناك إرادة صادقة، يجب تطبيق القوانين المتعلقة بالتدخين كما يطبق قانون السير".
وبحسب حداد، فإن الشركات وبعض وسائل الإعلام قدمت السجائر الإلكترونية بديلاً أفضل عن التبغ، مطالباً الحكومة الأردنية التي تستفيد من رسوم التبغ المكافحة بجدية، فالنظرة أننا نكسب من هذه التجارة على حساب صحة المواطنين معادلة خاطئة، مشيراً إلى أن الدول تدفع على علاج مواطنيها أضعافاً مضاعفة مما تكسبه من رسوم بيع التبغ وصناعته. فحوالي 95 في المائة من سرطانات الرئة مرتبطة بالتدخين، بالإضافة إلى أمراض القلب وتصلب الشرايين وغيرها. ويوضح أن البلاد تتحدث كثيراً عن محاربة التدخين، لكن القضية تشريعات وأداء وتطبيق للقوانين.
أما مدير التوعية والإعلام الصحي في وزارة الصحة غيث عويس، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه أصبح للتدخين عادات اجتماعية جديدة انتشرت في السنوات الأخيرة، وباتت ثقافة اجتماعية في السهرات العائلية وبين الأقارب والأصدقاء في المنازل والمقاهي. ولا ينظر إلى النرجيلة نظرة سلبية ما زاد من انتشارها بين الإناث والشبان، وأصبحت مدخلاً لتعاطي أنواع أخرى من التبغ، عدا عن ضعف إدراك الناس لأضرار التدخين على الأطفال، وانتشار السجائر الإلكترونية. يضيف أن "بعض الأهالي يسمحون بها لأطفالهم أحياناً ويعتبرونها أقل ضرراً من السجائر التقليدية، علماً أنها مدخل للإدمان، إذ إن وجود منتجات ناشئة جذابة من حيث الشكل والنكهات، وانتشار المقاهي والمطاعم التي تقدم النرجيلة، سهل الوصول إليها".
وحول جهود مكافحة التدخين، يقول إن وزارة الصحة تسعى من خلال الحملات التوعوية إلى محاربة انتشار التدخين في الجامعات والمدارس عبر التعريف بأضرار التدخين والتعريف بقانون الصحة العامة، والغرامات المتعلقة به، لافتاً إلى وجود 400 ضابط ارتباط يقومون بمهام الضابطة العدلية لإنفاذ قانون الصحة العامة وتطبيقه ويراقبون المدارس والمحال المجاورة ومحلات البيع. ويشير إلى أن عمليات ضبط المخالفات في السنوات الأخيرة. خلال عام 2022، وجّه ألف إنذار وحوالي 150 غرامة مالية لإغلاق 23 منشأة. أما عام 2023، فقد وُجّهت إنذارات إلى حوالي 3000 منشأة وغرامات إلى حوالي 500 منشأة، وهناك زيادة في الرقابة وجهود لإنفاذ قانون الصحة العامة.
ويلفت إلى افتتاح 29 عيادة للإقلاع عن التدخين في مختلف المحافظات، تقدم الإرشادات والعلاجات للمراجعين مجاناً، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي. ويوضح أنه في عام 2023، سجلت حوالي 12 ألف زيارة لهذه العيادات، منها 5 آلاف زيارة جديدة في وقت أقلع ألف شخص عن التدخين. ويوضح أن الوزارة تسعى مستقبلاً إلى مضاعفة جهودها التوعوية، على أن تكون عيادات الإقلاع عن التدخين في كل المراكز الصحية في البلاد. وبحسب عويس، تسعى الوزارة مع مختلف الوزارات والمؤسسات الشريكة للتعاون في تنفيذ قانون الصحة العامة بصرامة.
وبحسب القانون المعدل لقانون الصحة العامة رقم 11 لسنة 2017، فإن المادة 63 تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على 3 أشهر أو بغرامة لا تقل عن مائة دينار (140 دولاراً) ولا تزيد على 200 دينار (280 دولاراً) كل من دخّن أيّاً من منتجات التبغ في الأماكن العامة المحظور التدخين فيها.
كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار (1400 دولار) ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار (4200 دولار) لسماح المسؤول عن المكان العام المحظور التدخين فيه لأي شخص بتدخين أي من منتجات التبغ في المكان وعدم إعلان منع التدخين في المكان العام وبيع السجائر بالمفرد، ولمن هم دون الثامنة عشرة وتوزيع مقلدات منتجات التبغ أو بيعها.