اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 200 سيدة من غزة منذ بدء حملات الاعتقال التي تكررت في مناطق عدة، خصوصاً في مدينة غزة وشمالي القطاع، ولا يزال معظمهن معتقلات مع قرابة 3 آلاف من الذكور الرجال والأطفال.
ووثق المرصد الأورومتوسطي أن من بين المعتقلات مسنات إحداهن يتجاوز عمرها 80 سنة، وأمهات مع أطفالهن، وطفلات قاصرات، وجميعهن خضعن لظروف اعتقال سيئة، ومعاملة مهينة، وأجبرن على خلع الحجاب. وأكدت سيدات أُفرج عنهن أخيراً تعرضهن للتعذيب، وتهديدهن بالاغتصاب والقتل لإجبارهن على الإدلاء بمعلومات.
من بين هؤلاء منال عمر (38 سنة) التي أفرج عنها قبل عشرة أيام بعد ان دام احتجازها مدة ستة أيام، وقد اعتقلتها قوات الاحتلال مع آخرين من داخل إحدى المدارس في بلدة بيت لاهيا. وسردت عمر لـ"العربي الجديد" تفاصيل اعتقالها قائلة: "حاول الجنود تجريدي من ملابسي مثل ما فعلوا مع الرجال الذين كانوا يجبرونهم على البقاء بالملابس الداخلية، لكني رفضت، فقاموا بتهديدي، وعندها تصدى لهم بعض الرجال، فقام الجنود بضربهم بقسوة". وتضيف: "عندما اقتحموا مدارس بلدة بيت لاهيا، ومنطقة مشروع بيت لاهيا، كانوا يتمعنون في أجساد السيدات، ويسألونهن إن كن يخفين أشياء تحت ملابسهن أو في حقائبهن، واعتقلوا بعض النساء اللواتي رفضن التفتيش، أو الانصياع لأوامرهم".
تعمل منال عمر مُعملةً في إحدى المدارس الخاصة، وتتقن الإنكليزية، ولديها معرفة جيدة بالفرنسية، وقد سمعت جنود الاحتلال يتحدثون الإنكليزية والفرنسية، كما ميزت لغات تشبه الروسية أو الأوكرانية، كونها كانت تتردد على طبيبة روسية متخصصة في النساء والولادة، متزوجة من مواطن فلسطيني مقيم في غزة، وأصبحت لاحقاً صديقتها.
تقول: "لم أتصور أن يحقق معي جندي صهيوني بهذا الشكل، فالمرأة في العالم كله لها حقوقها، ولم أتخيل أن امرأة قد تتعرض للتعذيب من جيش يدعي أنه نظامي، لكني شاهدت الحقد في أعينهم لكوني فلسطينية، وكذلك الحقد على هويتي الدينية، إذ حرصوا على نزع الحجاب من فوق رأسي بشكل مهين. عندما حاولت فرنسا منع المحجبات من العمل، اتحد المسلمون أمام تلك المساعي، وأصدروا بيانات إدانة. أنا فلسطينية مسلمة، وأعيش في أرضي، وقد تعرضت للإهانة والتعذيب، ومحاولة تدنيس عقيدتي، فلم يتحرك أحد لرفض ذلك، وأخشى أن يصبح ما جرى معي جريمة معتادة في المستقبل".
لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد المعتقلات الغزيات بسبب سياسة الإخفاء القسري
ويؤكد المرصد الأورومتوسطي أنه لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد المعتقلين من غزة، نظراً لسياسة الإخفاء القسري التي تنتهجها إسرائيل، وصعوبة تلقي البلاغات بسبب تشتت الأهالي، وانقطاع الاتصالات، وضعف شبكة الإنترنت وتقطعها، غير أن تقديرات أولية تشير إلى أكثر من 3 آلاف حالة اعتقال، بينها ما لا يقل عن 200 امرأة وطفلة.
وتعرّف المرصد الحقوقي خلال عمليات الرصد على بعض السيدات اللواتي ظهرن في أحد مقاطع الفيديو وبعض الصور، التي نشرتها حسابات جيش الاحتلال الإسرائيلي على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف استعراض سيطرته على مناطق في قطاع غزة، كانت من بينهم هديل يوسف الدحدوح، التي ظهرت داخل شاحنة مليئة بالمعتقلين مع مجموعة من الرجال شبه عراة.
وتعرضت بعض النسوة المفرج عنهن إلى تهديدات بالاغتصاب من جنود الاحتلال، وتعرض بعضهن للتحرش الجنسي واللفظي، لكنهن رفضن الحديث مع وسائل الإعلام لأسباب اجتماعية وأمنية، إضافة إلى عدم تعافي أغلبهن من الصدمة النفسية.
تواصلنا مع إحدى السيدات المُفرج عنهن بعد اعتقال دام ستة أيام، وهي ثلاثينية طلبت عدم التصريح باسمها لأن عدداً من أفراد أسرتها لا يزال معتقلاً لدى جيش الاحتلال، وبعضهم مجهول المصير، فقالت إنها شاهدت أربعة من أصل عشرة أفراد معتقلين من عائلتها، قبل أن ينقلوها إلى مكان مجهول للتحقيق معها.
تضيف: "كان المكان الذي نقلونا إليه خالياً من المباني، وبارداً جداً، وأعتقد أنه مكان بالداخل الفلسطيني المحتل، لأني رأيت على مسافة قريبة أرضاً زراعية خضراء، وعلى مدار يوم كامل، حرمونا كنساء من استخدام الحمام، وكانت بعض المعتقلات معهن أطفالهن. وجهوا لي الكثير من التهم، من بينها اتهامي بمساعدة فصائل المقاومة، وقاموا بسؤالي عن جميع نساء المنطقة، وأسماء أزواجهن، وماذا يعملون، وجميعنا تعرضنا لسؤال ما الذي كنا نفعله يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتهديدنا في حال لم ندل باعترافات ومعلومات باحتجازنا كمشاركين في أعمال إرهابية".
وتوضح: "عندما اقتحموا الحي، كنا نعتقد أنهم لن يعتقلوا الأطفال ولا النساء، لكننا صدمنا عندما اعتقلونا مع كثير من الأطفال، وإحدى السيدات أصيبت بانهيار عصبي بعد أن صرخ عليها جنود الاحتلال، وكان مشهد نزع الحجاب قاسياً، وبعض النساء كن يرتجفن من البرد، وتعرضنا للضرب والتوبيخ، ويمارسون نفس أسلوب التحقيق مع الرجال، والتهديد بمستقبل مظلم، والملاحقة حتى بعد انتهاء الحرب. بعد أيام من التحقيقات، أفرجوا عن بعضنا عند الحاجز، وطلبوا منا التوجه إلى جنوبي القطاع، وعدم العودة إلى مناطقنا. ما زلت أعيش صدمة كبيرة، والكوابيس تلاحقني كل يوم منذ الإفراج عني".
وأكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، في بيان صدر في منتصف ديسمبر/كانون الأول، أن من بين المعتقلات رضيعات ونساء مسنات، وأن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل منذ الاجتياح البري لقطاع غزة 142 سيدة وفتاة على الأقل، ووفقاً للمعطيات المتوفرة، فإنهن محتجزات في عدة سجون، منها سجن الدامون وسجن هشارون.
وبينما رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الكشف عن مصير المعتقلات، شددت المؤسستان الفلسطينيتان في بيان مشترك على أن إدارة سجون الاحتلال أعلنت، في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجود 260 معتقلة من قطاع غزة، وأنهن صُنّفن مقاومات.
يقول المحامي أيمن أبو حسين: "ارتكب الاحتلال الإسرائيلي انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني باعتقال نساء مدنيات وأطفال، ومن خلال الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة، لم يراع جيش الاحتلال الفصل الذي حددته اتفاقيات جنيف الأربع حول فصل الأطفال والنساء في مرافق يحصلون فيها على رعاية خاصة، وقد بينت الصور أن الاحتلال يخضع الأطفال والنساء للتحقيقات العنيفة، وينقلهم في شاحنات مع الرجال".
ويضيف أبو حسين: "يكفل القانون الدولي الإنساني الحماية للأسيرات والمحتجزات والمعتقلات في النزاعات المسلحة، وتضم اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولان التابعان لها الصادران عام 1977، تفاصيل الأحكام الخاصة بمعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم، بما في ذلك الظروف المادية والمعنوية للاحتجاز، ومعاملة الأسيرات، لكن الاحتلال لا يعير اهتماماً لكل هذا".
ويبين أن "اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب تنص على معاملة أسرى الحرب في جميع الأوقات معاملة إنسانية، خاصة خلال النزاعات المسلحة الدولية، وقد استخدمها الاحتلال في تصريحاته بالنسبة للمختطفين الذي كانوا بحوزة المقاومة في بداية العدوان، لكن المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية لم يجب حين سؤاله بشأن سوء معاملتهم للأسرى الفلسطينيين".
وتنص المادة (14) من اتفاقية جنيف على منح النساء حماية خاصة، وأنه "تجب معاملة النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن"، وتتبع العديد من الأحكام المبدأ نفسه، الذي يشير صراحة إلى ظروف احتجاز النساء في السجون أو معسكرات أسرى الحرب، مثل الالتزام بتخصيص مهاجع منفصلة للنساء عن تلك المُخصصة للرجال، بالإضافة إلى مرافق صحية منفصلة.
يقول المحامي أبو حسين: "النساء المعتقلات من غزة هن فئة مستضعفة، ولا يجوز قانوناً وضع الاحتلال حججاً كالظروف الاستثنائية، او أنها حالة طوارئ، أو التعلل بأوضاع الحرب، او اتهام المعتقلين بأنهم مصدر للإرهاب كما ظهر في كثير من المحاكمات السابقة التي تعرضت لها أسيرات فلسطينيات سابقات، كما أن الاحتلال يرتكب جريمة الإخفاء القسري لنساء وأطفال ورجال ومسنين منذ أكثر من شهرين، وهذه جريمة أخرى يعاقب عليها القانون الدولي".