استجابة ضعيفة لاحتياجات جرحى الشمال السوري

09 ابريل 2023
يحتاج تعافي مصابين بالزلزال في سورية إلى وقت طويل (عبد النعمان عيسى/ Getty)
+ الخط -

يحاول السوري أحمد صبحي البكري، منذ إصابته في الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 فبراير/ شباط الماضي، التغلب على جروحه الجسدية والنفسية، لكن إصاباته بالغة، ويحتاج تعافيه منها إلى وقت طويل، كما أن تأثيراتها النفسية متواصلة رغم مرور أكثر من شهرين على الكارثة. 
لم يكن أحمد النازح من بلدة كفربسين في ريف حلب والذي يقيم في مخيم إيواء، الوحيد من أفراد عائلته الذي أصيب في الزلزال، بل إن زوجته وأطفاله الثلاثة يعانون حتى الآن من كسور وجروح. يقول لـ"العربي الجديد": "يعالجني مع أولادي طبيب داخل الخيمة، وهناك صعوبات في الحصول على الأدوية، خصوصاً المضادة للالتهاب، وأيضا الضمادات، والأصعب من ذلك عدم وجود مركز طبي في المخيم ليُخفف الأعباء التي نواجهها. ننتظر مجيء الطبيب لتقديم العلاج لنا، وهو يحاول مساعدتنا، ويحضر معه ما يتوفر من أدوية وضمادات".

يصف البكري ليلة حصول الزلزال بأنها كانت عصيبة. كان يقيم في منزل بمدينة جنديرس، إحدى المناطق الأكثر تضرراً بالزلزال، وانهار المنزل، وكذا المحل الذي كان مصدر رزقه، يقول: "كنت أبيع أبواب حديد وألمنيوم في المحل الذي انهار، وأحتاج إلى إجراء عملية جراحية ثانية بعد ستة أشهر، علماً أنني أعاني من تمزقات في الأمعاء والشرايين، وابني الصغير مصاب بكسرين وكان يعاني من نزيف قبل أنّ يتوقف وتبدأ حالته في التحسّن. أما زوجتي فتعاني من كسر وجرح في الرأس احتاج تضميده إلى 30 قطبة، لكن حالتها بدأت تتحسن أيضاً".
يضيف: "سيصعب أن أتغلب على الآثار النفسية لما حصل خلال الفترة القادمة، وحالياً أخاف من دخول أي بناء أو التفكير حتى في العيش في بناء من طوابق عدة حتى لو كنت أملكه. إذا تحركت كأس الماء أخاف. ما حصل أمر صعب للغاية، وما مررنا به لا يُعقل، لكنني أشكر الله على أننا نجونا".
بدورها، عاشت الطفلة سوزان وقتاً عصيباً تحت الأنقاض في مدينة جنديرس. لم يكن سقوط الأنقاض عليها وحده ما تسبب بآلام لها، إذ عانت أيضاً من حروق. تقول لـ"العربي الجديد": "كنت أزور ابن عمتي وزوجته وابنه الصغير عندما حدث الزلزال. خفت وقلت لهم لنغادر المنزل، لكن ابن عمي قال لي إن هذا أمر غير مخيف، ثم انقطعت الكهرباء وانهار البيت فعلقنا تحت الأنقاض. كانت هناك مياه ساخنة على المدفأة، وعندما انهارت علينا الأنقاض بقيت عالقة تحتها، وسقطت المياه الساخنة التي كانت على المدفأة علي فأصابتني بحروق، وبقيت ساعتين على هذه الحالة حتى استطاع أخي ومن معه إخراجنا من تحت الأنقاض. أسعفوني إلى أقرب مستشفى لكن الضغط كان كبيراً عليه فلم يستقبلني، ونقلت إلى مستشفى آخر ضمّد الأطباء فيه جروح يدي، وقالوا لي إن فيها حرقا فقط، لكن الألم كان شديداً فنقلوني مجدداً إلى مستشفى في عفرين حيث عرفوا أن يدي مكسورة، وضعوا لي الجبس، والآن تحتاج يدي إلى عملية تركيب صفائح بسبب الكسور. عموماً كان الألم مخيفاً وصعباً وما زال". 

فقدان التجهيزات المتطورة المشكلة الأكبر في الشمال السوري المنكوب بالزلزال (فرانس برس)
فقدان التجهيزات المتطورة المشكلة الأهم في الشمال السوري (فرانس برس)

يوضح مدير صحة حلب الحرة، محمد رضوان كردي، لـ"العربي الجديد"، أن "المتابعة الطبيّة للإصابات الناجمة عن الزلزال تحصل من خلال تقييم حجمها ونوعها، وفعلياً هناك حالات بتر كثيرة تستوجب تأمين الأطراف الاصطناعية والعلاج الفيزيائي، كما تحتاج إصابات إلى تدخلات جراحية عديدة، منها في الشرايين والعظام وأخرى دقيقة جداً، كما تتطلب حالات أخرى عمليات تجميل وترميم، وصولاً إلى العلاج النفسي والتأهيل الاجتماعي، خاصة للأشخاص الذين فقدوا العديد من أفراد أسرهم، وما زالوا تحت تأثير الصدمات النفسية".
يضيف كردي: "يوجد في المنطقة مراكز عديدة تتابع العلاجات الطبية، وكذلك مستشفيات متخصصة، مثل مستشفى شمارين لعمليات العظام ومستشفى الحروق والجراحات التجميلية في مدينة مارع. وجميع هذه المراكز تحتاج إلى رفدها بمعدات طبية وأدوية ضرورية خصوصاً أنها لم تكن في الأصل مهيأة لاستقبال أعداد كبيرة من المصابين دفعة واحدة. وعموماً تتطلب المتابعة الطبية بذل جهود كبيرة مع تخصيص الأوقات المناسبة لها، علماً أن المنطقة تفتقر إلى عيادات ومراكز العلاج النفسي والكوادر المتخصصة في هذا العلاج".
ويضيف: "بالنسبة إلى المراكز المتوفرة لغسل الكلى فهي تواجه ضغوطاً كبيرة، وقد استجابت بعض الجهات الداعمة لتأمين الكيتات الخاصة بغسل الكلى، لكن جميع هذه المراكز تحتاج إلى (كيتات) ومعدات توفرها مبادرات استجابة دائمة ومستمرة، ونحن كمديرية صحة محافظة حلب رفعنا إلى الجهات الداعمة كافة المطالب الخاصة بالمستلزمات الطبية والأدوية، وكمياتها التي يفترض أن تؤمن استدامة لا بأس بها في توفير العلاجات، في حال إمداد مستودعاتنا بها".
يتابع كردي: "يتطلب علاج الحالات الصعبة الوقت والجهد والاستدامة الطبية، ولا بدّ من اجراء عمليات ذات تكلفة عالية والتي قد لا تتوفر أيضاً إمكانات إجرائها في المنطقة بسبب عدم توفر الأجهزة المطلوبة، أو فقدان الكادر الطبي المتخصص بجراحات مثل الشرايين والقلب والدماغ. وقد أطلقت مديرية الصحة رابطاً إلكترونياً في المنطقة لجميع الأخوة المواطنين من أجل تسجيل إصاباتهم، وتحديد أنواع العمليات التي يحتاجون إليها كي يجري العمل لوضع خطط علاج تتوجه إلى المراكز والمشاريع الطبية بحسب الاختصاص، ومحاولة تأمين متطلبات هذه العمليات".

وكشفت وحدة تنسيق الدعم في تقرير أصدرته في 30 مارس/ آذار الماضي، أن أعداد المصابين بالزلزال في شمالي سورية بلغت 10,485، وأوصت بتعزيز نظام المعلومات الصحية في المنطقة، وتوفير برامج تدريب للعاملين في مجال الرعاية الصحية تشمل جمع البيانات وإدارتها في شكل فعّال تمهيداً للوصول إلى جميع المصابين. 

المساهمون