ارتفاع غير مسبوق منذ عقود في مياه البحيرات الكينية

20 أكتوبر 2020
بلغت المياه في كينيا مستويات غير مسبوقة (Getty)
+ الخط -

يراقب زعيم قروي سطح بحيرة كينية مغطى بالنباتات المائية، لكنه يواجه صعوبة في تحديد موقع المزرعة التي أمضى فيها حياته بعدما غمرتها المياه تماما هذا العام.

وحده أعلى سقف القش يظهر من المياه العكرة لبحيرة بارينغو على بعد 300 كيلومتر إلى الشمال من العاصمة نيروبي والتي بلغت مستويات قياسية، لدرجة أنها غمرت قرى بأكملها مع مدارس ومستوصفات ومجمعات سياحية.

ويقول ريتشارد ليتشان ليكوتيرير: "أنا في سن الستين ولم يسبق لي أن رأيت أو خبرت شيئا من هذا القبيل"، وذلك لدى مراقبته نبتات أكاسيا بالكاد تطل من المياه، في مؤشر إلى الاضطرابات الطبيعية الكبيرة.

بلغت بارينغو وباقي البحيرات الكبيرة في سهل ريفت في كينيا مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من نصف قرن

وقد بلغت بارينغو وباقي البحيرات الكبيرة في سهل ريفت في كينيا مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من نصف قرن، إذ وصلت المياه في بعض هذه البحيرات إلى علو أمتار عدة في هذه السنة وحدها، بعد أشهر شهدت كميات غير اعتيادية من المتساقطات يعزوها العلماء إلى التغير المناخي.

ومع أن المنطقة شهدت في السابق ارتفاعا متفاوتا في منسوب المياه في البحيرات، غير أن المستوى المسجل هذا العام يتخطى كل ما شهده السكان في السابق.

ويقول ليكوتيرير: "حصل ذلك بسرعة الريح". وهو اضطر إلى النزوح إلى منطقة داخلية أكثر في مارس/آذار من باب التحوط، في ظل الارتفاع المتواصل لمنسوب المياه.

وتؤدي هذه الظاهرة إلى فيضانات كبيرة على طول سلسلة البحيرات الممتدة على أكثر من 500 كيلومتر عند فالق جيولوجي، من بحيرة توركانا شمالا إلى نايفاشا في الجنوب.

المياه تواصل الارتفاع

واضطر عشرات آلاف الأشخاص إلى النزوح في ظل اجتياح المياه للمزارع والمراعي.

ويقول موراي روبرتس الذي عاش ما يقرب من سبعة عقود على ضفاف بحيرة بارينغو حيث عمل على استصلاح أراض تضررت جراء تآكل التربة: "الوضع لم يكن يوما بهذا السوء".

وقد تضخمت بحيرة بارينغو بأكثر من 70 كيلومترا مربعا منذ 2011، في ظاهرة تسارعت بدرجة كبيرة. وقد غمرت المياه مكاتب روبرت ومركزا صحيا مجاورا.

 

كذلك زال منزل الطفولة الذي عاش فيه روبرتس ومجمع سياحي يضم مركز تخييم ومنازل للتأجير، بالكامل تحت المياه التي "تستمر في التصاعد".

وكما في بارينغو، بدأ ارتفاع المياه في بحيرة نايفاشا بصورة خجولة قبل عشر سنوات، ما أثار نوعا من الارتياح بعد سنوات من الجفاف.

لكن في إبريل/نيسان، تسارع ارتفاع منسوب المياه وبلغت البحيرة أحد مستوياتها القصوى التاريخية كانت قد سجلته سابقا في 1960. وهو يقترب من المستوى القياسي المسجل في مطلع القرن العشرين.

قطع الأشجار 

وبحسب بيانات الهيئة العامة للموارد المائية، ارتفع مستوى البحيرة بواقع 2,7 متر بين إبريل/نيسان ويونيو/حزيران، مع تقدم المياه مسافة 500 متر داخل الأراضي.

ويدقق العلماء في أسباب عدة لمثل هذه الظاهرة، ويستكشفون خصوصا المسؤولية المحتملة في هذا المجال لقطع الأشجار عند المنبع، في غابة ماو الشاسعة إذ لم تعد هذه الغابة تستوعب مياه الأمطار التي باتت تنسكب في البحيرات محملة بالطين الخشن.

كذلك تخضع فرضيات أخرى للتحليل لكنها أقل ترجيحا حتى الساعة، بما يشمل الأنشطة الزلزالية وتسرب المياه الجوفية ودورات طبيعية لحركة التيارات المائية.

ويقول مدير الهيئة العامة للموارد المائية عالم الجيولوجيا محمد شوريه: "الأمور تغيرت... التبعات أكثر حدة مقارنة بما كانت عليه قبل 50 عاما".

وتسببت ظاهرة مناخية خاصة بالمحيط الهندي في السنوات الأخيرة بهطول كميات أكبر من المتساقطات في السنوات الأخيرة مقارنة بتلك المسجلة بالأوضاع الطبيعية في شرق أفريقيا، ما رفع مستوى مياه الأنهر التي تنسكب في البحيرات.

 معاناة مزدوجة 

وإضافة إلى الأثر على السكان، يؤدي الارتفاع المفاجئ في المياه إلى اضطرابات في النظام البيئي الهش والغني للغاية في هذه المنطقة التي تشكل جنة لعلماء الطيور، كما تضم موئلا لطيور النحام الأكبر في بحيرة بوغوريا القريبة من بارينغو.

وتبدي الحكومة قلقا إزاء تمازج محتمل بين مياه بارينغو العذبة وتلك المالحة في بوغوريا، إذ إن طيور النحام الأكبر تحتاج إلى مياه مالحة في غذائها.

وفي الجنوب، طافت المياه أيضا في بحيرتين تؤديان دورا أساسيا للطيور المهاجرة، وهما إيليمنتايتا وناكورو. وقد سجلت هذه الأخيرة أعلى مستوى لمياهها منذ نصف قرن.

وغمرت المياه تماما مدخل متنزه ناكورو الوطني المحبب لدى السياح والمحيط بالبحيرة. وتمددت المياه مسافة أكثر من كيلومتر من السياج الداخلي.

أما في نايفاشا المعروفة بزراعاتها الكثيفة ووجهة العطلات المحببة لدى سكان نيروبي، فالمعاناة مزدوجة.

وقد دفع الموظفون في الفنادق والمطاعم المنتشرة حول المتنزه فاتورة باهظة بفعل التوقف المفاجئ للقطاع السياحي بسبب جائحة كوفيد-19. ومع استئناف الأنشطة الاقتصادية إثر تخفيف القيود، جاء طوفان المياه ليأتي على مواقع العمل والسكن.

(فرانس برس)

 

المساهمون