أعلنت تونس وليبيا، اليوم الخميس، التوصل إلى جملة من التوافقات بشأن أزمة المهاجرين على الحدود بينهما، بالإضافة إلى بحث عدد من القضايا الأخرى المتصلة بتنقل المواطنين والسلع بينهما.
وعقد وزير الداخلية التونسي كمال الفقي اجتماعاً مساء أمس الأربعاء مع نظيره الليبي اللواء عماد الطرابلسي، "للنظر في جملة من الملفات الأمنية المشتركة، أبرزها ملف مكافحة الهجرة غير النظامية، وسبل تذليل الصعوبات، بقصد تسهيل الخدمات المسداة بالمعبر الحدودي رأس اجدير، ومناقشة التحديات الأمنية المشتركة، في سبيل تحقيق الأهداف المرجوّة"، بحسب بيان للداخلية التونسية.
وأضاف البيان: "اتفق الطرفان على ضرورة مزيد من التنسيق والتعاون الثنائي في المجال الأمني، بما يعكس علاقة الأخوّة الحقيقية بين الشعبين، وعراقة الشراكة التي تجمع البلدين الشقيقين، خاصّة في مجال تبادل المعلومات، والتكوين، ومكافحة الجريمة المنظمة".
وتمّت خلال الجلسة أيضاً، وفق البيان، الإشارة إلى أهمية ملف المهاجرين الأفارقة من دول الساحل وجنوب الصحراء، وما له من تداعيات على البلدين، والحدّ من تدفقهم على الحدود، الأمر الذي يحتّم تضافر الجهود والتنسيق المشترك لإيجاد الحلول الكفيلة التي من شأنها مراعاة المصلحة العليا للبلدين، ودعوة المنظمات الدولية إلى دعم مجهود الدولة والهلال الأحمر التونسي، في تقديم الدعم الإنساني، وعدم التردّد في القيام بواجبها تجاه المهاجرين والإحاطة بهم.
وتمّ الاتفاق على تشكيل فريق ميداني مشترك يُعنى بمراقبة سير الحركة بالمعبر الحدودي رأس جدير، ورفع المقترحات الجديّة بكلّ المسائل المتعلّقة به، بغرض تطبيقها على أرض الواقع لتيسير مرور المسافرين من الجانبين، كما دعا الطرفان إلى ضرورة تدعيم عمل اللجنة الأمنية المشتركة الدائمة، ومواصلة عقد الجلسات التنسيقية المشتركة، لتوطيد إضافي للعلاقات الثنائية، والدفع بها إلى أرقى المستويات.
وتعليقاً على نتائج هذا اللقاء، اعتبر المتخصص في الشأن الليبي ورئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الزيارة تأخرت، وكان من المفترض أن تكون قبل أسابيع، لأن تونس تمكنت، في لقاء لم يتجاوز الساعتين، من إنهاء الخلافات الحدودية مع الجانب الليبي، والمتمثلة في تعطل حركة السير بين البلدين، وتعطل انسياب السلع، ومنظومة التشابه في الأسماء التي كثيراً ما تذمر منها الليبيون (تم منع العديد من الليبيين من دخول تونس بسبب تشابه في الأسماء الموجودة على قوائم تونسية لشخصيات تعتبرها خطيرة على أمنها).
وأضاف عبد الكبير أن "المشكلة الكبيرة هي طبعاً تدفق المهاجرين غير النظاميين، والحملة الإعلامية التي انخرطت فيها حتى وزارة الداخلية الليبية، في عملية بث صور وفيديوهات رأت تونس أنها مسّت بصورة الجيش والأمن التونسي، وأضرت بسمعة البلاد".
ولفت إلى أن "تونس رأت أن الحكمة تقتضي عدم الرد، إلى أن جاء هذا اللقاء المهم الذي وضع نهاية لكل هذه المشاكل، واليوم تم الاتفاق على إعادة كل المهاجرين غير النظاميين الموجودين داخل الحدود الليبية إلى ليبيا، أما من هم في الحدود التونسية، فسيدخلون تونس وتنتهي الإشكاليات، وبذلك يتم إنهاء أزمة العالقين وعددهم تقريبا 350 شخصاً".
وبيّن المتحدث أنه "سيتم منع تدفق أي مهاجر سيصل إلى الحدود مستقبلاً، سواء من الجانب الليبي أو التونسي، وهذا أمر بدأ تنفيذه اليوم الخميس"، مضيفاً أنه "في ما يتعلق بالمهاجرين في الجنوب التونسي، وعددهم حوالي 60 شخصاً، فقد تم أول أمس الثلاثاء، إيواء النساء والأطفال منهم في مأوى خاص تولت إقامته المنظمة الدولية للهجرة بالذهيبة جنوباً، والشباب والكهول في مقر آخر بتطاوين".
ولفت إلى أن "650 شخصاً آخرين تم توزيعهم على 3 محافظات، وهي مدنين وقبلي وقابس"، مبيناً أن "عدد المجموعات من المهاجرين الذين تم نقلهم إلى الجنوب التونسي يُقدّر تقريباً بنحو 1000 مهاجر".
وقال عبد الكبير: "كان من المفترض عدم تغييب الجزائر في هذا الملف، وتونس مطالبة بعقد اجتماع مماثل كما حصل مع الطرف الليبي"، مشيراً إلى أن "الجزائر، وطيلة سنتين، أغرقت الحدود الغربية بالمهاجرين من سوريين دخلوا تونس، وكذلك الأفارقة جنوب الصحراء، وفي سنة 2022 و2023 نجد أن نسبة 80 بالمائة من المهاجرين الذين دخلوا تونس قدموا من الحدود الجزائرية، واليوم الجزائر لا تمنع المهاجرين غير النظاميين من الوصول إلى تونس، في خرق واضح للاتفاقيات المبرمة بين البلدين"، مؤكداً أن "التنسيق في هذا الجانب ضعيف".
وأفاد بأن "الحلول الحالية بإيواء المهاجرين في الجنوب التونسي هي حلول ظرفية، ولا بد من حلول دائمة ضمن خطة وطنية واستراتيجية، تحدّد أهدافاً واضحة، وحسن التصرف في ملف الهجرة، عبر التنسيق مع دول الجوار المغاربية، والأفريقية، والمتوسطية، وإحداث وكالة خاصة".
وعبّرت تونس عن ازعاجها الشديد من انتقادات دولية طاولتها بعد نقل مئات المهاجرين إلى جنوبها، وقال وزير الداخلية كمال الفقيه، في تصريح سابق لوكالة الأنباء الرسمية، إن "ما تم نشره من قبل بعض المنظمات الدولية، وخاصة ما جاء في تصريح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة بتاريخ 1 أغسطس/ آب 2023 حول ضرورة حماية اللاجئين والمهاجرين الأفارقة على الحدود التونسية، يتسم بعدم الدقة ويرتقي إلى درجة المغالطة".
ولفت الفقي، إلى أنه تم إنقاذ 15327 مهاجراً غير نظامي، 95 بالمائة منهم يحملون جنسيات أفريقية من دول جنوب الصحراء، وذلك في الفترة الفاصلة بين شهري يناير/ كانون الثاني، ويوليو/ تموز 2023، مؤكداً احترام الدولة التونسية والتزامها الكامل بمقومات حقوق الإنسان.
ووفقاً لمنظمات غير حكومية، كانت لا تزال في الأيام الأخيرة ثلاث مجموعات من إجمالي نحو 300 مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء تقطعت بهم السبل في منطقة رأس جدير العازلة بين البلدين.
وفي وقت سابق، أكدت منظمات غير حكومية لوكالة "فرانس برس"، أن عدد المهاجرين العالقين في رأس جدير كان يبلغ 350 شخصًا على الأقل حتى الأسبوع الماضي، بينهم 12 امرأة حاملًا و65 قاصرًا.
وإثر مقتل تونسي في 3 يوليو/ تموز الماضي في محافظة صفاقس (الوسط الشرقي) أثناء اشتباكات مع مهاجرين، "طردت" قوات الأمن التونسية ما لا يقل عن ألفي شخص من دول أفريقيا جنوب الصحراء وتركوا في مناطق صحراوية معزولة عند الحدود الجزائرية والليبية.
وفي منتصف يوليو/تموز، قامت منظمة الهلال الأحمر التونسي بإيواء حوالي 630 شخصًا من المهاجرين في منطقة رأس جدير، وهي منطقة حدودية صحراوية تفصل بين تونس وليبيا وقامت المنظمة بتقديم الرعاية لحوالي 200 آخرين عادوا من الحدود الجزائرية.
ووثق العديد من وسائل الإعلام بما في ذلك وكالة "فرانس برس" شهادات من مهاجرين ومن حرس الحدود الليبي ومن المنظمات غير الحكومية تؤكد أن 350 شخصًا (بما في ذلك 12 امرأة حاملاً و65 طفلاً) لا يزالون عالقين في رأس جدير.
وواصل مئات المهاجرين غير القانونيين التدفق إلى ليبيا من تونس عبر منطقة "العسة" والتي تبعد 40 كيلومترا جنوب رأس جدير، يتنقلون مشيا دون طعام ولا شراب في انتظار قدوم الحرس الليبي لمساعدتهم، بحسب ما أشار إليه فريق وكالة "فرانس برس" في الموقع مطلع أغسطس/آب الحالي.
إلى ذلك، نددت منظمة الأمم المتحدة في الأول من أغسطس/آب من مقرها في نيويورك بـ "طرد المهاجرين من تونس إلى ليبيا"، داعية إلى "وقف عمليات الطرد على الفور".
"27 لقوا حتفهم"
ونفت السلطات التونسية ما أوردته الأمم المتحدة ووسائل إعلام بشأن "عمليات طرد" مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى مناطق حدودية مع ليبيا شرقا والجزائر غربا.
وقال وزير الداخلية كمال الفقي: "ما تم نشره من قبل بعض المنظمات الدولية، وخاصة ما جاء في تصريح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة بتاريخ 1 أغسطس/آب 2023 يتسم بعدم الدقة ويرتقي إلى درجة المغالطة".
وأفاد مصدر من منظمة غير حكومية وكالة "فرانس برس" الخميس، بأن "27 مهاجرا على الأقل" لقوا حتفهم و "73 مفقودون" في الصحراء المحيطة بمنطقة "العسة"، مؤكدا أنه "كل يومين وحتى يوم الأربعاء يصل مائة مهاجر من تونس".
وأضاف أن "نحو 270 شخصاً" يقيمون في مركز "بالعسة" بينما نُقل الآخرون بالفعل إلى أماكن أخرى في ليبيا، معرباً عن قلقه من احتمال إرسال 200 شخص من رأس جدير إلى "مراكز احتجاز".
وتبذل السلطات الليبية جهدا كبيرا للتعامل مع أكثر من 600 ألف مهاجر موجودين على أراضيها، وتقدم إليهم كميات ضئيلة من المياه والغذاء عبر الهلال الأحمر الليبي.