تحول لجوء أكثر من 4.7 ملايين أوكراني إلى دول الجوار الأوروبي بعد الغزو الروسي إلى معضلة إضافية لعشرات آلاف المهاجرين من دول مثل أفغانستان، وسورية، والصومال، وإريتريا، وبلدان شمال إفريقيا.
وأقر مؤتمر الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان، الذي عُقد في ألبانيا، في 6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعزيز أمن الحدود بدعم هائل من وكالة "فرونتكس"، ما يعني مزيداً من عمليات الصد والاحتجاز والإعادة القسرية غير القانونية للاجئين، وتزايد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والحرمان من الحرية.
وقررت سويسرا، في وقت سابق، تعليق مشاركتها في برنامج الأمم المتحدة لاستقبال اللاجئين المعرضين للخطر، مع وصول آلاف الأوكرانيين إلى أراضيها على خلفية الغزو الروسي، مفيدة بعدم قدرتها على استقبال مزيد من اللاجئين. في حين تمضي العديد من دول الاتحاد الأوروبي في بناء الأسوار على حدودها الخارجية لصد اللاجئين، وقطع الطريق على إمكانية وصولهم إلى أراضيها، ويتعرض أولئك الذين يحاولون تجاوز السياج لاعتداءات متباينة تخلف جروحاً وكسوراً.
على الحدود البولندية، بات الراغبون في مساعدة اللاجئين أقلية، حتى إن بعضهم أصبح يتعاون مع السلطات في صد القادمين، أو يعرض خدمات على من تجري إعادتهم، أو ينتهي بهم الأمر في مراكز الحجز بانتظار الترحيل، بينما ما زال نحو 1000 شخص يحاولون عبور الحدود البيلاروسية يومياً، رغم وجود السياج، وحالة الطوارئ التي فرضها الجيش وحرس الحدود بطلب من الحكومة.
وأبرزت شبكة التحرير الألمانية أن "المساعدات الهائلة للاجئين الواصلين من أوكرانيا تظهر إلى أي مدى يقرر الدين والعرق طبيعة التضامن أو الرفض في بولندا، والتمييز واضح، فالأبواب مفتوحة للأوكرانيين، والأسوار الحديدية تمنع الآخرين"، وتتداول وسائل إعلام بولندية أن المسلمين غير مرحب بهم، ما يؤشر إلى تباين يتراوح ما بين الارتباك إلى العنصرية، على الرغم من الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون في ظل انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، وحيث الحاجة ماسة إلى المساعدات والطعام والملابس للتدفئة، وسط حديث عن وفيات بين اللاجئين على الجانب البيلاروسي.
ويأتي ذلك بعد أن صورت السلطات البولندية أن هؤلاء الأشخاص على الحدود ليسوا من طالبي الحماية، بل هم ظواهر تهدد أمن البولنديين، وزعمت أن واحدا من بين كل أربعة لاجئين يجري القبض عليهم على اتصال بمنظمات إرهابية.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات البولندية تؤمن الحدود مع منطقة كالينغراد بالأسلاك الشائكة، خشية أن تستخدم روسيا تكتيكات بيلاروسيا نفسها في السماح للاجئين الفارين من الحروب أو الفقر أو الاضطهاد في بلدانهم بدخول الاتحاد الأوروبي، وتفيد وارسو بأن الهدف من ذلك "زعزعة استقرار بولندا، وجعلها لا تستطيع الوقوف إلى جانب أوكرانيا"، ما جعلها ترفض مساعدة اللاجئين من قبل وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس"، وتنصب سياجاً يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار ونصف المتر وبطول 186 كيلومتراً، وبتكلفة وصلت إلى 330 مليون يورو.
في المجر، تخصص شرطة الحدود حاويات لاحتجاز اللاجئين، عدا عن رشهم برذاذ الفلفل، قبل إجبارهم على العودة عبر الحدود إلى صربيا في عمليات إبعاد غير قانونية.
وتحتجز النمسا عند معبرها "شبيلفيلد" الحدودي مع سلوفينيا، 72 شخصاً داخل خيمتين كبيرتين، وهم عالقون هناك منذ أسابيع، حتى إنهم قاموا بإعلان الإضراب عن الطعام خشية نسيانهم، مطالبين بنقلهم إلى مركز للاجئين، في حين تتذرع السلطات بأن مخيمات اللاجئين ممتلئة، مع العلم بأنها علقت برنامج إعادة التوطين التابع لمفوضية اللاجئين منذ عام 2017.
وبيّنت شبكة "دبليو دي أر" الألمانية، أن كرواتيا تقوم باحتجاز المهاجرين في حافلات صغيرة بلا نوافذ، وإعادتهم إلى تركيا، في نهج معاملة ينم عن خرق صارخ للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وسلمت ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، قوات حرس الحدود الكرواتية مركبات وكاميرات تصوير حراري وتقنيات مراقبة تقدر قيمتها بنحو 3 ملايين يورو لدعمها في جهود صد اللاجئين.
على الحدود البلغارية التركية، حصل إطلاق نار مباشر على أحد المهاجرين السوريين، ونفت السلطات إطلاق النار من قبل حرس حدودها، مبرزة أن المهاجرين الذين يحاولون الدخول بشكل غير قانوني، باتوا عدوانيين بشكل متزايد، ويستخدمون في بعض الحالات الحجارة والسكاكين، وأن شرطياً بلغاريا قتل على الحدود. في المقابل طالب الاتحاد الأوروبي بتوضيحات حول الواقعة.
وأبرزت "زود دويتشه تسايتونغ" تفاصيل حول لاجئين وصلوا إلى ولاية بافاريا الألمانية، مؤكدة أن أي شخص يحاول الوصول إلى أوروبا عبر بلغاريا يتعرض لعنف الشرطة الوحشي، والذي يشمل توجيه اللكمات والركلات، والهجوم بواسطة الكلاب، والبعض تجري تعريتهم خلال الاستجواب، وبعضهم فقد أسنانه نتيجة الضرب، كما يعمد حرس الحدود إلى حبسهم في زنازين باردة من دون سرير لأيام، ثم احتجازهم في أكواخ أو ثكنات قديمة مهجورة بلا مرحاض، وبدون طعام مع قليل من ماء الشرب، ويعادون بعدها إلى تركيا من دون فرصة لتقديم طلب اللجوء.
ويعترض عضو البرلمان الأوروبي، إريك ماركوارت، على ما اعتبره "الصلابة الأوروبية في التعاطي مع المهاجرين"، ويقول لشبكة "إيه أر دي" الإخبارية، إنه "يجب النظر إلى سيادة القانون على الحدود الخارجية. من حصل على حق اللجوء ومن لم يحصل. وينبغي السماح للناس بتقديم طلب اللجوء، مع الحفاظ على كرامتهم الإنسانية".
وفي ظل الانتقادات المتكررة لعمليات الإعادة والتعنيف على الحدود الأوروبية، ووفقا لقواعد إعادة التوزيع في الاتحاد الأوروبي، نقلت "زود دويتشه تسايتونغ" عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، أن ألمانيا أعادت 3853 لاجئاً إلى دول أوروبية أخرى خلال عام 2022، من بينهم 75 شخصاً إلى بلغاريا، وقال شتيفان رايشل، من منظمة ماتيو الكنسية في ميونخ، تعليقاً على عمليات الإعادة إن "سيادة القانون فشلت".
في سياق متصل، أكدت منظمات حقوقية ألمانية أن الوضع القانوني للتعامل مع اللاجئين معقد، وأنه يتعين على وكالة الهجرة واللاجئين وقف عمليات الترحيل إذا كان هناك تهديد بالمعاملة غير الإنسانية أو المهينة في الدول التي يُعاد اللاجئون إليها، مشيرة إلى أنه في حالة بلغاريا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، لا تغير التقارير الفردية عن عنف الشرطة الأمر طالما لم تُثبت بشكل منهجي.
وتكرر المنظمات الحقوقية أن هناك قناعة ألمانية بأن صوفيا عليها الالتزام باتفاقية جنيف للاجئين، وميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية. حتى متحدث باسم الداخلية الألمانية، أكد أن وزارته ليست على علم بأي أوجه قصور منهجية في نظام اللجوء البلغاري، من شأنها أن تقوض الثقة المتبادلة بين دول التكتل.
وكتبت القاضية في المحكمة الإدارية في بروانشفيغ، كارولين دور، والتي رفضت عمليتي ترحيل إلى كرواتيا وسلوفينيا، في مقال نشرته مجلة "أزول"، أن "هناك الكثير من الأدلة حول المعاملة الوحشية للاجئين، وأعمال العنف ليست حالات منعزلة، ويجري حث شرطة الحدود من قبل الدول المعنية على اتخاذ إجراءات صارمة ضد طالبي اللجوء، وعلى سبيل المثال، عادة ما تصادر شرطة الحدود السلوفينية الأموال والهواتف المحمولة والأغراض الأخرى من اللاجئين، وتهاجمهم، كما ترفض تقديم المساعدة الطبية لهم، أو تطلب رُشا من أجل وصول هؤلاء إلى إجراءات اللجوء، وهذا ما ينطبق أيضاً على بلغاريا".
ونقلت شبكة التحرير الألمانية عن متحدثة باسم الشرطة الفيدرالية، أنها سجلت عدداً أكبر بكثير من المهاجرين العابرين للحدود بطرق غير قانونية خلال عام 2022، مقارنة بعام 2021، كما جرى الوصول إلى العدد الإجمالي المسجل في 2021 بحلول شهر سبتمبر/أيلول 2022، مفترضة أن الوضع سوف يزداد صعوبة، وستتسارع محاولات العبور خلال عام 2023، إذ أصبح من الواضح أن الاتجاه إلى الدخول غير المصرح به إلى دول الاتحاد الأوروبي سوف يستمر.
وأوضحت متحدثة باسم الشرطة أنه "في عام 2021، تم تسجيل عبور 57637 شخصاً الحدود بشكل غير شرعي، وفي الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تم تسجيل عبور 70814 شخصاً الحدود بطرق غير شرعية، وأضيف 12695 آخرون خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وما ساهم في ذلك، على وجه الخصوص، كان عودة محاولات العبور من منطقة البلقان".