ثبت أن معظم الدول لم تكن مؤهلة لإدارة دورة الأزمة الوبائية المتفشية. لا يعني ذلك أن البشرية لم تستطع خلال القرن الأخير خصوصاً، التصدي لأوبئة كانت تفتك بالملايين في مختلف البلدان. لكن تبين أن هناك قصوراً حاداً في التعاطي مع الأزمة التي فرضها كوفيد-19. واللافت أن ذلك لم يقتصر على الدول منخفضة النمو التي تفتقر إلى الموارد البشرية والمادية، بل شمل في الوقت ذاته أقوى الدول وأكثرها رسوخاً في مجال الطب بأبحاثه المتنوعة. ويعلم الجميع أن هذا الارتباك انسحب على أصحاب القرار السياسي في أعلى حلقاته. فالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ووراءه أهم مجمع صناعي وعلمي عرفه العالم، كان يخصص تغريداته للإستهزاء بالمرض واللقاح، رافضاً اعتماد أي إجراء لحماية نفسه. وينطبق الأمر نفسه على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. ومن سخرية الأقدار أن كليهما أصيبا بالوباء، وكاد الثاني يلقى حتفه. أما الأول فقد اعتُبر تعاطيه مع الوباء في بلاده من أحد الأسباب الهامة لخسارة معركته الانتخابية وفوز منافسه جو بايدن.
لكن الأمر يتجاوز الرئيسين المذكورين، ليتناول البنية أو البنى التي تشرف على مسألة الصحة التي تخضع لهيمنة قطاع خاص يعنيه الموضوع من زاوية تحقيق الأرباح أولاً وقبل أي أمر آخر، كحياة وصحة البشر وعافيتهم، وإمكانية تمتعهم بالحياة عبر توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الطبية. على أن المعضلة التي تواجه الإنسان تنطلق من أن توقعات خبراء الفيروسات والجراثيم، لا تتحدث تقاريرهم ودراساتهم وأبحاثهم عن كورونا كفيروس منفصل عن التطور البشري، إذ إن معظم التوقعات تؤشر إلى أن عمليات التلاعب الجيني والاحتباس الحراري والتلوث وما شابه من حقول ترافق التطور، من شأنها إطلاق المزيد من الفيروسات والأوبئة التي يصعب ضبط انتشارها، مادامت المطارات والمرافئ والقطارات والبواخر والسيارات وأماكن التجمع لم تفقد دورها الطبيعي بعد في تحقيق اختلاط الناس والمجتمعات. حتى أن المتحوّر "أوميكرون" نفسه لم يحتج لأكثر من أيام قليلة كي يغزو العالم، ويصل بعد أسبوعين إلى أكثر من 60 دولة انطلاقاً من مركزه الأول في جنوب أفريقيا.
على أي حال اعتمدت العديد من الدول استراتيجيات للتعامل مع كورونا في لحظة انتشاره عالمياً. وفي تقرير وضعه البنك الدولي توقف عند التعاطي من جانب البلدان المتعاملة مع الوباء على الصعيد التعليمي عبر الأشكال الآتية:
- تعزيز مستوى التأهب مع إبقاء المدارس مفتوحة. و يشمل هذا الوضع: فرض إجراءات وقائية في المدارس والجامعات ودعمها، ووضع بروتوكولات لتعامل الإدارات وأعضاء هيئات التدريس مع الأعراض والحالات المحتملة، واستخدام البنية التحتية للنظام التعليمي وموارده البشرية للتصدي لانتشار العدوى في المجتمعات، والحد من الاتصال الجسدي عن طريق تقليل الأنشطة الاجتماعية خارج المناهج الدراسية.
- الإغلاق الانتقائي للمدارس: باللجوء إلى عزل مناطق جغرافية محدَّدة بالنظر لمتطلبات وضرورات علاج أوضاعها نظراً للتفشي الواسع وسط سكانها. فقد اختارت بعض الحكومات إغلاق المدارس المحلية في مناطق معينة ( أقضية وومحافظات ونواحي واسعة) كإجراء مؤقت. لكن في نصف الحالات المشابهة حتى الآن، رأينا مثل هذه السياسة المحلية تتوسع جغرافياً لاحقاً نحو معظم القارات.
- إغلاق المدارس على المستوى الوطني (تبين أن هذا الخيار هو الأكثر استخداماً عالمياً): فمع انتشار فيروس كورونا، أعلنت العديد من البلدان عن إغلاق المدارس على المستوى الوطني العام. والواقع أن الكثيرين يشعرون بالقلق ذلك أن الأطفال والشباب قادرون على نقل العدوى إلى من هم أكبرسناً منهم.
- إن ما دلت عليه الإحصاءات والمعاينات لجهة أن الشباب والأطفال أقل عرضة للإصابة بالفيروس، وأن معدلات الوفيات بينهم أقل بكثير من الفئات الأخرى، قد يكونون ناقلين للمرض، مما يعرض معلميهم وأفراد أسرهم الأكبر سناً للخطر في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم. وبالأخص في تلك المجتمعات حيث تنتشر الأسر ممتدة أو متعددة الأجيال وتعيش في منزل عائلي واحد. أي أن الجد والجدة بهشاشة أوضاعهما الصحية ومعهما الأب والأم والأولاد يعيشون معاً. لكن هذا التقدير بالنسبة لفئتي الأطفال والشباب على صعيد الإصابات تغيَّر مع المتحور "أوميكرون". إذ تبين من الإحصاءات أن نسبة سقوط هاتين الفئتين أعلى من مثيلاتها لدى الأعمار المتوسطة والمتقدمة التي لجأت إلى أخذ مسألة اللقاحات على محمل الجد.
(باحث وأكاديمي)