"أوقفوا القوارب"... قانون بريطاني ينتهك حقوق الإنسان واللاجئين

لندن

ديمة ونوس

avata
ديمة ونوس
ديمة ونوس
19 يوليو 2023
بريطانيا تسقط الحماية الدولية للاجئين وسط تنديد أممي
+ الخط -

"ببساطة، إنه يوم قاتم"، هذا ما اكتفت بقوله الرئيسة التنفيذية لمنظمة "التحرر من التعذيب" صونيا سكيتز، وقد خانتها الكلمات للتعبير عن حجم الإحباط من تمرير قانون "أوقفوا القوارب" عبر مجلسي اللوردات والعموم البريطانيين. بعد أشهر من المعارك القانونية والإنسانية، استطاع رئيس الحكومة ريشي سوناك ووزيرة الداخلية سويلا برافرمان تمرير مشروع القانون الأهم بالنسبة إليهما، والذي ستستطيع الحكومة بموجبه إيقاف واحتجاز أي طالب لجوء يصل إلى الشواطئ البريطانية بوسائل غير قانونية وترحيله على الفور إلى رواندا أو تسليمه إلى بلده الأصلي الذي فرّ منه إن كان "آمناً". 
وكان مشروع القانون هذا على رأس أولويات سوناك منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتعهد بالتصدي لجميع المهاجرين وطالبي الحماية ومنعهم من الوصول إلى حق اللجوء الذي تنصّ عليه المعاهدات الدولية. أمرٌ أثار مخاوف الحلفاء قبل الخصوم، ولا سيما أن بنود القانون تخرق الالتزامات الدولية للمملكة المتحدة وتسيء إلى سمعتها، بحسب ما جاء في التقرير الأخير الذي نشرته اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في مجلسي العموم واللوردات، ووصفته بـ"غير الشرعي"، مطالبة الحكومة بإجراء تعديلات جوهرية على بنوده. 
وفي سعيها المحموم لتمرير خطّتها وقوننة موقفها المتشدّد حيال اللاجئين، أحدثت الحكومة قبل أسبوعين بعض التعديلات على القانون بما يسرّع تمريره ولا يغيّر جوهره في الوقت ذاته. وفي حين سهّلت تلك التعديلات عبور القانون بالفعل، إلا أنها لم تخفّف من زوبعة ردود الفعل والانتقادات بسبب الخروقات التي يمثّلها والظلم الذي يعمّمه على شريحة الهاربين من جحيم الحروب والصراعات والاعتقالات والخوف وأيضاً "العبودية الحديثة". وكانت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي من أبرز الشخصيات السياسية التي عارضت مشروع القانون وناضلت عبثاً للحصول على تعديلات أساسية تضمن "منح الحماية" للمهاجرين بموجب قوانين "العبودية الحديثة"، الأمر الذي تم رفضه بغالبية 205 أصوات في مقابل 193. 
وفشلت كل المساعي التي خاضها رئيس أساقفة كانتربيري جاستن ويلبي، وهو أيضاً من الشخصيات البارزة المعارضة لمشروع القانون، وقبلها لخطة رواندا المثيرة للجدل، وقد وصف الرحلة الأولى التي كان من المقرر أن تتم في الصيف الماضي بـ"رحلة العار". 

مُطالبة بنهج متسامح

ليست التنازلات التي نجح مجلس اللوردات بالحصول عليها عظيمة، كما أنها لا تغيّر في واقع الأمر شيئاً، إذ ظلت محصورة بمدة الاحتجاز التي يحق للحكومة تطبيقها على المهاجرين من الأطفال غير المصحوبين بذويهم والنساء الحوامل، بالإضافة إلى منع وزارة الداخلية من تطبيق القانون "بأثر رجعي". تقول مديرة المناصرة في منظمة "التحرر من التعذيب" ناتاشا تسانغاريدس، لـ"العربي الجديد"، إن مشروع القانون "غير أخلاقي والتاريخ سيشهد على ذلك"، مؤكدة أن المنظمة ستكمل هذه المعركة إلى جانب ملايين الأشخاص من رجال الدين والحقوقيين والمعنيين لـ"المطالبة بنهج متسامح مع الفارّين من التعذيب والحروب". وعن مدى قدرة الحكومة على تطبيق خطّتها بعدما أقرّ القانون بالفعل، تشير تسانغاريدس إلى "خلل أساسي" في مشروع القانون الذي يرتكز أساساً على خطة رواندا وترحيل طالبي اللجوء إلى "بلد ثالث آمن في حال لم تكن بلدانهم آمنة"، وهزمت سياسة رواندا الرئيسية قبل أسبوع في المحاكم البريطانية عندما أقرّت محكمة الاستئناف عدم قانونية الخطة من أساسها. تضيف أنه في بلد تحكمه سيادة القانون مثل بريطانيا، "يحق للحكومة المتابعة في استئناف آخر"، وهو الأمر الذي أعلنه سوناك بالفعل قبل أيام، ولكن في مثل هذه الحالة "سيكون من غير الممكن القيام بذلك". ومع أن محكمة الاستئناف اعتبرت أن "الدولة الأفريقية لا تمثل ولا بأي شكل من الأشكال دولة ثالثة آمنة"، إلا أن سوناك وبرافرمان مصرّان على أن رواندا بلد آمن وأنهما سيلجآن في نهاية المطاف إلى المحكمة العليا لإقرار قانونية الخطة.

دعم للمهاجرين في بريطانيا (غاي سمالمان/ Getty)
دعم للمهاجرين في بريطانيا (غاي سمالمان/ Getty)

ترهيب

خلل آخر قد يصطدم به القانون الجديد والذي يحمل اسمين، الأول "قانون الهجرة غير الشرعية"، والثاني "أوقفوا القوارب"، وهو أنه يرتكز مثله مثل خطة رواندا على "لغة ترهيبية"، تعتقد الحكومة أنها ستكون كافية لإيقاف تدفق اللاجئين وحركة العبور. لكن عشرات الآلاف عبروا بعد الإعلان عن خطة رواندا غير عابئين بنتائجها وبمصائرهم. أي أن القدرة "الترهيبية" ضعيفة ولن تكون كافية بالنسبة للناجين من الموت والهاربين من الحروب والصراعات. هذا بالإضافة إلى الكلفة العالية التي ستتحمّلها الحكومة في أحلك الظروف الاقتصادية التي يعيشها ملايين الناخبين ودافعي الضرائب في بريطانيا، إذ سيكلّف إرسال اللاجئين إلى رواندا حوالي 170 ألف جنيه إسترليني للفرد الواحد وفقاً لتقديرات الحكومة. وقال وزير الدولة في وزارة الداخلية سايمون موراي إن طالبي اللجوء "لو علموا بما ينتظرهم في المملكة المتحدة، فهم حتماً لن يخاطروا بحياتهم للوصول إلى شواطئنا بشكل غير قانوني"، مشيراً إلى أن القانون الجديد "سيكسر نموذج العصابات الإجرامية التي تستغل الضعفاء وسيمكن الحكومة في نهاية المطاف من امتلاك قدرة أكبر على توفير ملاذ آمن للمعرّضين لخطر الحرب والاضطهاد". إلا أن الحكومة لم توفّر حتى تاريخ كتابة هذا التقرير أي "طرق آمنة وقانونية" لطالبي اللجوء، كما أن بنود القانون الجديد لا تستثني أحداً بغض النظر عن البلد الذي فرّ منه أو عن الظروف التي عاشها، ما دفع وزير الداخلية في حكومة الظل إيفيت كوبر إلى القول إن المحافظين "فقدوا الفطرة السليمة واللياقة" وأن الخطة الجديدة ستزيد حتماً تراكم طلبات اللجوء وعدد الأشخاص المقيمين في فنادق باهظة الثمن.  

مهاجرون يتظاهرون بسبب الواقع المعيشي ااضعب (هنري نيكولز/ فرانس برس)
مهاجرون يتظاهرون بسبب الواقع المعيشي الصعب (هنري نيكولز/ فرانس برس)

عواقب وخيمة

من جهتها، أدانت الأمم المتحدة قانون "أوقفوا القوارب"، معتبرة أنه "يتعارض مع التزامات البلاد بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، وأن عواقبه ستكون وخيمة" على الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية. ويشير بيان الإدانة الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى الثغرات والحيل التي لجأت إليها الحكومة في صياغة مشروع القانون، إذ إنها "تمتنع عن تقديم حق الحماية والحصول على اللجوء في المملكة المتحدة لأي شخص يصل بشكل غير نظامي بعد مروره ببلد ثالث آمن حتى ولو لفترة وجيزة جداً". 
ومن المعلوم أن الوصول إلى شواطئ المملكة المتحدة يتم عبر منطقة كاليه الواقعة على الضفة الفرنسية المقابلة، ما يجيز للحكومة تطبيق القانون على جميع اللاجئين بلا استثناء لأنهم وصلوا عبر فرنسا، أي بلد ثالث آمن لا يواجهون فيه أي اضطهاد. يُذكر هنا أن سوناك لم يكتف بطرح مشروع القانون قبل أشهر، بل حمله معه خلال كل رحلاته الأوروبية للترويج له وإقناع الحلفاء بأن يحذو حذوه في سياسة التضييق على الهجرة.

حتى أنه التقى قبل شهرين رئيسة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سيوفرا أوليري حاملاً معه رسالة أساسية تتعلق بضرورة "إجراء عملية إصلاح شاملة للمحكمة" انطلاقاً من إعادة النظر بالمادة 39 من اتفاقية حقوق الإنسان التي تتيح للمحكمة الأوروبية "منع ووقف عمليات الطرد والترحيل وتسليم الأشخاص". وهي مادة تثير غضب أقصى اليمين في حزب المحافظين، إذ تجيز لمحكمة مقرّها في أوروبا التدخل في السياسات البريطانية وتعطيل خطط الحزب الحاكم، وهو أمر حدث بالفعل قبل عام عندما تدخلت المحكمة في اللحظات الأخيرة ومنعت إقلاع أول طائرة ترحيل إلى رواندا.

نجتا من الغرق في بحر المانش (بن ستانسال/ فرانس برس)
نجتا من الغرق في بحر المانش (بن ستانسال/ فرانس برس)

كما شكّك البيان بالبند المتعلق بترحيل طالبي اللجوء إلى بلد ثالث آمن، ولا سيما أن البلد الوحيد المتاح حالياً هو رواندا حيث "لا ضمانات حقوقية أو إنسانية"، مضيفاً أن "التشريع الجديد يقوّض بشكل كبير الإطار القانوني الذي وفر سابقاً الحماية للكثيرين، كما أنه يعرّض اللاجئين لمخاطر جسيمة". وندّد البيان بالبنود المتعلقة باحتجاز الأطفال غير المصحوبين بغض النظر عن "تعرّضهم للاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان" وعما إذا كانوا "ناجين من الاتجار بالبشر ومن العبودية الحديثة". كما انتقد البند المتعلق بـ"الطرق غير القانونية"، إذ إن "الطرق الآمنة والقانونية نادراً ما تكون متاحة بالنسبة لطالبي اللجوء"، كما أن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 تقرّ صراحة بحق اللاجئين بالدخول إلى بلد اللجوء "بشكل غير نظامي". وبما أن خطة رواندا لا تزال عالقة في المحاكم، يحذّر البيان من "غياب القدرة التشغيلية الكافية لإبعاد أعداد اللاجئين الكبيرة"، ما يعني أن الآلاف منهم سيقيمون في بريطانيا إلى أجل غير مسمّى وبأوضاع قانونية "غير مستقرة"، ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى "تفاقم أوضاعهم الهشة ويحدّ من تمتعهم بحقوق الإنسان ويعرّضهم لخطر الاحتجاز والعوز والاستغلال وسوء المعاملة".  
ويعتبر البيان أن "هذا القانون يشكّل سابقة مقلقة لتفكيك الالتزامات الدولية المتعلقة باللجوء ويشجع دولاً أخرى في أوروبا مثلاً على اتباع هذه السياسات غير القانونية". 

ضد الترحيل إلى رواندا (فنبار ويبستير/ Getty)
ضد الترحيل إلى رواندا (فنبار ويبستير/ Getty)

ماذا بعد؟ 

لا يمكن فصل القانون الجديد عن حالة التخبّط وانعدام اليقين التي تعيشها حكومة المحافظين اليوم، ما يجعل التنبؤ بمصير آلاف اللاجئين أمراً صعباً للغاية. إلا أن ما يمكن تأكيده هو أن تطبيق القانون لن يكون متاحاً أمام الحكومة قبل أن تقرّ المحكمة العليا بـ"قانونية" خطة رواندا وإمكانية ترحيل طالبي اللجوء إلى البلد الأفريقي على اعتباره "بلداً ثالث آمناً". وهذا قد يتيح بعض الوقت بالنسبة للجمعيات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لخوض معركة جديدة حول شرعية الخطة ومطالبة الحكومة بـ"إصلاح سياساتها المتعلقة بالهجرة وتوفير طرق آمنة وقانونية". كما أن مشروع القانون يحتاج الآن إلى موافقة الملك تشارلز الثالث، وهي موافقة شكلية ربما، لكنها ليست بديهية تماماً، إذ إنه وصف خطة رواندا في العام الماضي بـ"المروعة". يضاف إلى ذلك أن المهاجرين الذين وصفتهم برافرمان بـ"الغزاة" ليسوا اليوم على قائمة أولويات الناخبين، وتراجعت المخاوف من الهجرة والمهاجرين خلال السنتين الأخيرتين بشكل كبير، لتحل محلها المخاوف من الجوع والعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية والوصول إلى الرعاية الطبية، وسط أزمة معيشية غير مسبوقة. 
أخيراً، تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبية حزب المحافظين بشكل استثنائي، وتقدّم حزب العمال المعارض، ما يعيق قدرة الحزب الحاكم على خوض الانتخابات العامة المقبلة والمقررة بعد عام تقريباً، وليست سياساته المتعلقة بالهجرة سوى واحدة من السياسات الأخرى التي تعيق تقدّمه وتؤثر على شعبيته وتدمّر ثقة الناخبين ودافعي الضرائب. 

ذات صلة

الصورة
تظاهرة حاشدة في لندن (ربيع عيد)

سياسة

في الذكرى السنوية لحرب الإبادة الجماعية على غزة، خرج اليوم مئات الآلاف في العاصمة البريطانية، في تظاهرة تضامنية مع غزة والدعوة لمعاقبة إسرائيل على جرائمها
الصورة
تظاهرة سابقة في لندن أمام مقر الحكومة البريطانية (العربي الجديد)

سياسة

خرج العشرات في مدينة برايتون مساء اليوم الخميس في تظاهرة احتجاجية فجائية داخل محطة القطارات في المدينة، تنديدًا بالمجازر الإسرائيلية المستجدة بلبنان.
الصورة
المؤسس المشارك في حركة "بالستاين أكشن"، ريتشارد برنارد/سياسة/إكس

سياسة

يواجه ريتشارد برنارد، المؤسس المشارك في حركة "بالستاين أكشن"، ثلاث تهم تتعلق بدعم منظمة محظورة بموجب قانون الإرهاب في بريطانيا.
الصورة
حفل لفرقة ماسيف أتاك البريطانية في مدينة بريستول، 25 أغسطس 2024 (إكس)

منوعات

أضاءت ألوان العلم الفلسطيني، الأحد، متنزّه كليفتون داون في مدينة بريستول البريطانية، خلال عرضٍ موسيقي لفرقة ماسيف أتاك الشهيرة.
المساهمون